كل ما تقرأونه من أخبار وتقارير عن مجريات الاحداث العالمية المتسارعة خلال الاشهر الاخيرة انما هو نتاج وحصيلة انكسار الآلة الحربية الاميركية امام ارادة الشعوب التواقة للحرية لا سيما الارادة العربية والاسلامية المقاومة لهيمنة الاستعمار الاجنبي على مقدرات بلداننا واوطاننا.
منذ بداية هذا القرن والاميركيون يحاولون بشتى الطرق تجنب الهزائم التي ظلت تلاحقهم منذ اواسط القرن الماضي.
إن اي قارئ عميق لمسار السياسات الاميركية يستنتج بدون شك او ترديد ان واشنطن لم تربح أيًا من حروبها التي شنتها على شعوب العالم من كوريا الى فيتنام وصولًا الى العراق وافغانستان.
لكن الحرب التي كسرت ظهرها بامتياز والتي كانت اشبه بالقشة التي قصمت ظهر البعير هي الحرب الكونية التي شنتها على كل من سورية والعراق بواسطة عصابات داعش والنصرة .
لقد توقفت حركة جيوش الغزو الاجنبي عند بوابات الشام وتخوم الرافدين واسوار بعلبك الهرمل والبقاع.
وهكذا قررت واشنطن التخلي عن عقيدتها العسكرية مرة والى الابد، وقررت الانسحاب من كل غرب اسيا والتوجه الى الشرق الادنى لمواجهة التنين الصيني.
هذا القرار اتخذ في زمن ترامب واليوم ينفذه بايدن “مثل الشاطر” كما يقال..!
هذا هو ثمن الفشل والانهزام وتكلفة انكسار الجيوش التي توقفت عند عواصم المقاومة بلا سلطة ولاقرار.
ان اول تداعيات هذا القرار الاميركي الاستراتيجي هو تدهور العلاقات التاريخية بين اوروبا واميركا التي قامت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بناءً على تحالف ضفتي الاطلسي ضد الاتحاد السوفياتي في اطار ما عرف بحلف الاطلسي او الناتو.
اما اليوم ومن الان فصاعدًا ولمدة قد تطول لعقد من الزمان فإن اوروبا (الاتحاد الاوروبي) تتفكك وتكاد تفقد وزنها بسبب قرار الاميركي بالهجرة الى معادلة المواجهة مع الصين بدلًا من روسيا.
المانيا رتبت امورها مع الشرق الجديد مبكرًا في صفقة الغاز الروسي في اطار مشروع السيل الشمالي. وكذلك فرنسا التي تخطط جديًا في تأمين طاقتها من الغاز النيجيري عبر خطوط الغاز الجزائري ، وهو المشروع الذي يكلف نحو ١٣ مليار دولار.
لهذا ولغيره ومنها الموقف من القرار الاميركي المستعجل والمرتبك للهروب المذل من افغانستان، تُطرد فرنسا اليوم من الشراكة مع الاميركيين، من خلال حركة رمزية هامة وهي إلغاء صفقة الغواصات التي سميت بصفقة القرن مع استراليا لتستبدل بصفقة نووية اميركية ومواكبة بريطانية ليحل “ناتو اسيوي” لمواجهة الصين بديلًا عن الناتو ذي الوجه الاوروبي المعروف.
على الجانب الاخر من التحولات العالمية تقوم قيامة الشرق والقارة الاسيوية من “وسط اسيا” ليتشكل تحالف رباعي عملاق بين روسيا والصين وايران وشبه القارة الهندية (الهند والباكستان) في اطار منتدى شانغهاي للتعاون، ما يبلور عمليًا شبه حلف آسيوي قوي ومقتدر يبلغ تعداد سكانه ثلاثة مليارات ونحو 800 الف من سكان العالم اي 46 في المائة من سكان العالم والذي يملك ما يزيد عن ثلث الطاقة العالمية من غاز ونفط وسائر المعادن الثمينة الاخرى.
منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة في العام 1965 ونحن نكتب تحت عناوين مختلفة أن ثمة عالمًا ينهار وثمة عالمًا ينهض.
عالم جديد يعبر عن ارادة الشعوب المعادية للامبريالية والاستعمار والتبعية، مقابل عالم ناهب لثروات الامم الاخرى طفيلي يعتاش على مقدرات الاخرين.
نقترب اليوم بقوة من تبلور واضح لهذه المعادلة، لتكون هي سمة التحولات التي تنتظر عقد العشرينيات من قرننا الحالي.
ما يشجعنا على القول إن القرن الواحد والعشرين يستأهل ان نطلق عليه بالقرن الآسيوي بامتياز.
انها السنن الكونية التي لا تقبل التغيير، ترسم معادلات التحول والانتقال من جيل الى جيل.
يُهلك ملوكاً ويستخلف آخرين.