لقد تعرى وجه الغرب فيما مضى، بما ارتكبه من جرائم فظيعة، بحق الشعوب المستعمرة في القرن الماضي، وانكشفت عوراته تماما بالسياسات الظالمة، التي كان ولا يزال يفرضها على تلك الشعوب، إمعانا في تغليب منطقه الأرعن، وفرض ثقافته المادية البعيدة عن الله، خصوصا على الشعوب الاسلامية التي استهدفها أولا، من أجل حرفها عن دينها الخاتم. مواقف الغرب هذه متوقعة، على أساس أنه يرانا من داخله كأعداء، يجب عليه استغلالنا، فلا نستغرب منه أيّ سيئة يقوم بها، تستهدف أمننا ومقدّراتنا ومستقبلنا.
ما استجد هذه السنة أن رأس الغرب المدبّر أمريكا، شنت حربا بيولوجية على عدوّين لها، بعدما استنفدت محاولات اخضاعهما، واحتواء تقدّمهما الاقتصادي والعسكري – الذي رأت فيه خطرا عليها – بالعقوبات والعرقلات الإقتصادية، فأطلقت فايروس كورونا المستجد covid19، على مدينة ووهان الصينية، ومدينة قم الإيرانية، وكانت إيطاليا الضحية الثالثة، باعتبارها شريكة لهما في إحياء مشروع طريق الحرير العظيم، الذي أعيد بناؤه خدمة لمصالح شعوب المنطقة والدول المشاركة فيه.
والذي جعلنا نرجح فرضية خدعة الحرب البيولوجية، حماقة الرئيس الأمريكي ترامب، الذي هدد بضرب 52 موقعا إيرانيا، بما فيها مواقع ثقافية وأثرية، ولا يفوتنا هنا أنه يقصد مدينة قم، باعتبارها رمز وعنوان الثقافة والفكر الإسلامي في إيران، في حال ما إذا ردّت إيران على عملية الإغتيال الجبانة، التي أودت بحياة اللواء الشهيد قاسم سليماني وثلة من رفاقه، وقد ردّت إيران بقوة واقتدار، تلك القوة التي لم تتوقعها أمريكا، وقررت بعدها أن لا تلجأ الى اي عمل عسكري، لأنه سيكلفها ما لا طاقة لها بنتائجه وتبعاته، ولم يكن أمامها غير أسلوب الغدر البيولوجي، وهي صاحبة الطّول فيه وفي كل خبث.
حرب بيولوجية من جانب أمريكا بدأتها، وهي تتصور أن العالم ستنطلي عليه دعوى أنّ الوباء الطبيعي، لا علاقة له بالمختبرات الجرثومية العسكرية، لكن الفرضية سرعان ما سقطت، باتهام مسؤولين حكوميين في الصين امريكا بأنها تقف وراء تفشي الوباء، وزاد من قوة ما ذهبنا اليه، سكوت الدّول الصناعية الكبرى على تفشي الوباء فيها، واحجامها عن التصريح بتوصلها الى معرفة الادوية المعالجة لحالات الاصابة، فإن لم تكن لأمريكا بحد ذاتها صاحبة الجريمة، التي يحاول وزير خارجيتها بامبيو بكل وقاحة، نسبة الوباء إلى الصين، فمن يكون صاحب الجريمة إذا؟
سبق إيران بإعلان توصلها إلى دواء يعالج كورونا في مرحلته القاتلة، وتصريحها بأن هذا الدواء وقعت تجربته سريريا، وأعطى فعالية في معافاة المصابين، وسيطرح للبيع في الصيدليات خلال أسبوع، أسقط مخططات أمريكا وشركائها في الماء، فبادرت فرنسا على سبيل المثال، إلى إعلان توصلها إلى برتوكول أدوية ناجع بعد تجربته، ولم يكن حظ إيطاليا من تفشي الوباء، سوى تجاهل شركائها في الإتحاد الأوروبي، وإحجامهم عن تقديم أي مساعدة لها، فلم تهبّ إلى نجدتها سوى الصين وكوبا وروسيا وإيران وفينزويلا، وهي دول معارضة للسياسات الأمريكية والغربية الظالمة، والمستهدفة لحقوق الشعوب المستضعفة.
اكتمال أركان الجريمة، بسبق الإصرار على قتل المزيد من الأبرياء، بواسطة حرب جرثومية خفية غير معلنة، مع وجود العقار والدواء عند مطلق الفايروس، ما يدفعنا إلى إضافة أن الفايروس يستهدف شريحة عمرية هامة متقدمة في السّن، بإمكانه القضاء عليها بسهولة، لضعف مناعتها في مقاومة الفايروسات الخطيرة، كهذا الفايروس المطوّر مختبريا، وهنا تنفضح سوأة أمريكا، ومن ورائها تبيعها الغرب المتصهين، الفاقد حقيقة للإنسانية، كيف تنتهي بهم سبل الإستكبار والإستعلاء على الدول الضعيفة وشعوبها، وهنا أعود بالتذكير أن أحداث 11 سبتمبر 2001 لم تكن لتنفّذ بواسطة أغبياء الوهابية، لولا إشراف المخابرات الأمريكية عليه تخطيطا وإعدادا وتنفيذا، فانظروا إلى أيّ مستوى من الإجرام وصل الأمر بأمريكا، فلا حقوق إنسان ولا منظماته ولا المدونة العالمية لتلك الحقوق، بإمكانها أن تحول بين أمريكا المجرمة وجرائمها، وهي تمتلك حصانة لا يمكن الغاءها، إلا يتظافر جهود الدول، واتحادها من أجل الغاء الفيتو الظالم، وقد لا يتسنى ذلك الا بحرب كونية، تقضي على نزعة الاستعلاء الامريكية.
بتفشي فايروس كورونا – الذي أراه تجربة أولية ومقدمة لفايروس أشد فتكا ستطلقه أمريكا الفاقدة لأي وازع أخلاقي او ديني- نجد أنفسنا أمام حديث شريف، جاء على لسان الإمام علي بن أبي طالب (ع)، تضمّن بعضا من إخباراته الغيبية، بأحداث تقع آخر الزمان قال فيه:» بين يدي القائم موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه، أحمر كالدم، فأما الموت الأحمر فبالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون« 1
كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: » قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض ، حتى يذهب من كل سبعة خمسة ، الموت الأحمر السيف ، والموت الأبيض الطاعون . «2
واستئناسا بمضمون الروايتين، اللتين أتيتا على ذكر الإمام المهدي المنتظر (ع) المجمع على ظهوره في آخر الزمان لدى جميع الفرق الإسلامية – والشاذ عن هذا الإجماع يحفظ ولا يقاس عليه – وهي أحاديث ثابتة في المهدي في عقيدة أهل السنة »المهدي من عترتي من ولد فاطمة.«3
وحركته التصحيحية العالمية، بإنهاء هيمنة قوى الظلم والجور، إحلال القسط والعدل محلها بالدين الحق، الذي سيظهره على الدين كله، بإقامة أركانه وتنفيذ أحكامه، بنظامه ودولته العالمية، فإنّ ما جاء فيها من ذكر الموت الأحمر والموت الأبيض، دلالتان على فناء كبير للبشر بسببين مختلفين، الموت الأحمر كناية عن الحرب والقتل وإراقة الدماء، والموت الأبيض كناية عن الوباء الذي سيعصف بالبشر، وقد تزامنت ظاهرة الوباء كورونا، بغزو أسراب ضخمة من الجراد الحجاز، في شهر جمادى الثانية 1441 فبراير 2020، وستتكرر هذه الحالة في أول الربيع، وفي آخر الصيف، بالتزامن مع بقية الاحداث والظواهر الكونية، كما اشارت إلى ذلك الروايتان ( جراد في حينه وفي غير حينه).
أما ما جاء في الرواية الثالثة المنسوبة للإمام الباقر عليه السلام والتي قال فيها : » لا يقوم القائم، إلا على خوف شديد، وزلازل، وفتن وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، ثم سيف قاطع بين العرب، واختلاف بين الناس، وتشتت في دينهم، وتغير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء، من عِظَم ما يرى من تكالب الناس، وأكلهم بعضهم بعضاً. «4
فإنها استعرضت أنواعا من البلاء والشدائد والفتن، سيبتلى بها الناس قبل الظهور المبارك، وهي من شدة وطأتها ستحوّل اغلب الناس الى وحوش كاسرة، همها الوحيد إنقاذ أرواحها ولو داست على غيرها، تكالب بدأنا نراه في مجتمعاتنا بتهافت الناس على المؤن دون حساب لشيء من دين أو إنسانية، عزت أنفسهم عليهم وهان ما سواها.
من جهة أخرى يمكن أن نلاحظ انصرافا للناس عن التفكير في ملذاتهم ومشاريعهم، واقبال من قسم كبير منهم على الله خالقهم، اذ لم يعد لهم بعد هجرانه ونسيانه غيره، وهو القادر وحده على رفع البلاء عنهم، عودة يجب أن تأخذ وجهتها الصحيحة، في اعتماد خط ولايته، والاقتداء بأوليائه، وما يذّكر الا أولو الألباب. فرصة للعودة بقوة الى رحاب الخالق الباري تعالى، فإن لم يعد المسلمون في هذه الظروف القاهرة فمتى يعودون؟ ولذكر الله اكبر لو كانوا يعلمون.
المراجع:
1 – بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 52 ص 211 / الارشاد للشيخ المفيد ص 359 / إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي ص 427 / كشف الغمة للأربلي ج 3 ص 249/إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي ج 3 ص 726/ معجم أحاديث الإمام المهدي ج3ص20 ح574)
2 – بحار الأنوار للمجلسي ج 52 ص 207 / حلية الأبرار ج 2 ص 682 / كمال الدين ج 2 ص 655 ح 27 / إثبات الهداة ج 3 ص 732 ح 36
3 – التاريخ الكبير البخاري ـ ج 8 ص 406 / سنن أبي داود باب المهدي ج 2 ص 310 ح 3735 / سنن إبن ماجة كتاب الفتن ـ خروج المهدي ـ ح 4076 / الطبراني ـ المعجم الكبير ـ باب الياء/ مستدرك الحاكم ـ كتاب الفتن ـ باب خروج المهدي ـ ح 4086 و 8671 و 8672 / المتقي الهندي ـ كنز العمال ـ ج 14 ص 591/ الألباني ـ كتب تخريج الحديث النبوي الشريف ـ رقم الحديث 3603 .
4 – كمال الدين للصدوق ص 434 / الغيبة للنعماني ج1 ص 238/ بحار الأنوار العلامة المجلسي ج52ص231