ما جرى وما يجري بلبنان حتى هذه الساعات المتلاحقة من الوضع الرديء، هو انطباق للحالة المرضيّة التي وصلت اليها اليوم بقية الشعوب العربية، واللائمة غير ملقاة على طائفة ما، أو متعلقة بحزب ما، أو محصورة بزعامة ما، حتى ينحي عليها سببا للعلة، التي أصبحت سمة، وصورة نمطية، لفئات داخل مجتمعاتنا، مصرّة على التعاطي مع الانحراف، ولا تتردد في الظهور به على الملأ، ولو ان أحدا دعاهم الى القيم والوطن، كما قال تعالى في كتابه ” جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا”
لذلك اقول أن جبهة المقاومة الإسلامية، وفي مقدّمتها تاج رأس كل شريف، حزب الله وبقية فصائل مقاومة الصهيونية والاستكبار، يجب عليها أن تتكيّف بجماهيرها العريضة مع ما يحصل، بإظهار قوة موجة الصّد الثورية التي تمتلكها، بتعبئة انصارها إظهارا للشعبية التي تمتلكها، وتصغيرا وتقزيما لشأن شرذمة العمالة، التي نزلت بما تمتلكه من حثالة جماهير، إيهاما للعالم بأن لبنان يتمثّل في هؤلاء دون غيرهم، وما يسعون اليه من بيع شرف لبنان الى (ايمانويل ماكرون) ليبسط جناح انتدابه على لبنان، والعقلية السياسية الفرنسية، لا تزال تعتبر الدول التي استعمرتها من قبل تابعة لها، وسبقه لزيارة لبنان ليس تضامنا مع كرامتها، التي داس عليها هؤلاء الإمّعات، ولا أتردد لحظة في القول، بأنهم سبب نكبة لبنان، من قياداتهم المتعفّنة في مستنقع العمالة، الى قاعدتهم المريضة بداء الطائفية.
هل ينفع تذكير هؤلاء العابثين بأمن ومستقبل لبنان – مع أنهم لبنانيون لكنهم عملاء- بأن من فضل المقاومة – وحزب الله على رأسها – أنها حررتهم من أسوإ احتلال في التاريخ، وألبستهم لباس العز والفخر والأمن، بعد انتصار تموز 2006، ودحر آخر جندي صهيوني، حتى مزارع شبعا وحدود فلسطين الشمالية، وبه انتهت عربدة بني صهيون البرّية.
نعم لقد بلغت العمالة والوقحة بهؤلاء اللبنانيين، ومعلوم نسبتهم التي لا تتعدى الكتائب عملاء فرنسا والغرب والصهيونية، وجماعة 14 آذار عملاء الأذيال الخليجية، والعالقون بشبكتيهما طفيليون لادين ولا مبدأ لهم ميالون وراء كل ناعق، يستدرج بالمال الفاسد القادم من مصادر مختلفة، هدفها الأساس نزع سلاح المقاومة، واعتقال قادتها وانهاء وجودها، ذلك أن مطلب نزع سلاح حزب الله ليس جديدا، لأنه مطلب صهيوني بامتياز، يريد من ورائها هذا الكيان العودة الى سنوات انفراد القوة، والسياحة العسكرية في لبنان، كلما بدر لهم فيه مصلحة، ولأنه أيضا مطلب امريكي غربي بالوكالة، عجز الجميع عن تحقيقه، ولم يبقى لهم من أمل فيه، سوى تحريك حلفائهم في الداخل اللبناني، بعد افتعال الانفجار الأخير على رصيف ميناء بيروت، وجرّ لبنان الى حرب طائفية، يذكّيها هؤلاء بالأموال والاسلحة، والتدخّل العسكري في نفس الوقت لتغليب أنصارهم، عملاء كل هذا اللفيف، المتورّط في الفساد، وانهاء وجود المقاومة.
لبنان ليس وحده كما اشرت الى ذلك، في عالم التناقضات العربية، فجميع الدول على الاقل، مشتركة في الفساد السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والديني، عميت ابصار قادتها، فلم يعد لهم من وجهة حق يسلكونها، سوى الانتظار عند عتبات الدول الغربية الاستعمارية، لتتصدّق عليهم، بعدما أغرقتهم في ديون لا نفع منها لشعوبهم، ولا قبل لها بتسديدها، وضاقت آفاقها الى فضاءات أرحب، للعيش فيها بكرامة، وتبعها الى ذلك المسار المنحرف، لفيف من اشباه المدنية والثقافة، الذين عادة ما يشجعهم الغرب – وتلك مدنيّته المزيّفة وعادته الناشزة عن الحق- على الانفلات من كل عُهدة، والتخلّص من كل قيمة، فلا يبقى لهم سوى الجنوح الى الرديء قولا ، والسيء والذي لا قيمة له عملا، وهو عار على من تمسّك به.
ولا اعتقد أن بقاء هذه الحالة من التجاذبات، التي تسهر عليها سفارات دول معروفة في بيروت، سيكون في صالح بقاء دولة لبنانية قائمة على علّاتها، بدور شبه عاجز عن فعل شيء في صالح فئات الشعب المسحوق، فالفساد الذي نخر لبنان طائفيا، بزعامات فاشلة، ورثت تاريخ آبائها، وراثة شؤم واستغلال فاحش، حتى افسدت واجهته، ولم يعد يعني شيئا لأحرار لبنان، وهو أصل الدّاء حقيقة، ومربط الفرس في المأساة اللبنانية.
وعلى بعد من الميناء المنكوب أرست مؤامرة غربية صهيونية جديدة، لا أعتقد أنها سوف تنجح، وهي محاولة أخرى في مسلسل العدوان المدبّر على لبنان المقاوم، الذي أعدّ العدّة للمواجهة الأخيرة مع العدوّ الصهيوني وحلفائه، الهدف استنزافه من الداخل بصراع دمويّ جديد، أبرم صفقته وجوه نحس، طالما تطاولت على المقاومة، ومحورها المنطلق من إيران الى لبنان، اجتراء مجاني عليها، واتهام لها بما لم تقترفه، وقد ثبت بالأدلّة القاطعة، أن المتسبب في ما حصل بالميناء، هو اهمال متعمّد من طرف جهة لبنانية عميلة، سوف تظهرها التحقيقات بعد كشف عناصرها، ولا مجال لتدويل ذلك، بعد أن دعت نفس أصوات النشاز إليه، كما صرّح بذلك الرئيس ميشال عون.
دابة الفساد والعمالة أطلقت من عقالها في لبنان وفي كل وطن عربي لا يحسن حكامه السير بشعوبهم الى بناء مستقبل أفضل، بعيدا عن كل ما يعيق ذلك، والخاسر الوحيد هي الشعوب، خصوصا اذا ما نخرها سوس العمالة، والمتاجرة بمصالح بلدانها، سواء كان المتمركز في موقع المسؤولية، أم في وسط الجماهير.