في دراسة بعنوان : ” المشروع الإيراني ، المقومات والأبعاد ” كتب الباحث علي جبلي : «…تتكون القوات المسلحة الإيرانية من جهازين رئيسين لكلٍّ منهما قوات برية وبحرية وجوية تابعة له، وهما : الجيش النظامي والحرس الثوري. ويتبع الحرس الثوري مرشد الثورة مباشرة، ويحظى باهتمام يفوق الاهتمام بالجيش النظامي، وقد تأسس عقب الثورة الإيرانية، لحماية الثورة، وذلك خوفا من قيادات الجيش النظامي التي تربت في أمريكا. وهو يتمتع باستقلالية إدارية ومالية عن بقية الوحدات “.
وتعليقي على هذه الفقرة هو :
هذه واحدة من أهم الجوانب الإيجابية العبقرية في تجربة الثورة الإيرانية ، فقادة الثورة الإيرانية فكروا منذ اللحظات الأولى للثورة في كيفية حماية مسيرة الثورة من خطر الثورة المضادة ، فالحرس الثوري تم تشكيله على أن تكون واحدة من أهم مهامه حماية مبادئ وقيم الثورة ، خاصة وأن أغلب القيادات العسكرية الإيرانية قبل الثورة قد تربوا وتكونوا في الولايات المتحدة ، وبريطانيا ، وإسرائيل…إلخ ، فكان لابد من الإحتياط للمستقبل..
ولاشك أن تجربة الإنقلاب ضد حكومة الدكتور مصدق في الخمسينيات بتخطيط وتنفيذ المخابرات الأمريكية بالتعاون مع عملائها داخل إيران ، بمن فيهم ضباط الجيش الإمبراطوري كانت ماثلة في أذهان وتفكير قادة الثورة الإيرانية عندما فكروا في إنشاء الحرس الثوري..
ونحن نعرف أن لكل ثورة خصوصياتها التي تتميز بها عن باقي الثورات الأخرى، ودراسة هذه الخصائص بالذات هو ماقد يسمح بإستخلاص الدروس الأهم ، خاصة فيما يتعلق بمرحلة مابعد نجاح الثورة عندما تصبح مسألة حماية الثورة وضمان إستمرارها مع ضمان قدرتها على مواجهة التحديات المستجدة وبالأخص تربص القوى الداخلية المعادية للثورة ومشروعها في بناء الدولة وتطوير المجتمع، وهي القوى التي لاتتردد أبدا في التحالف مع القوى الخارجية ، والقيام بكل ماتستطيعه من أجل تدمير الثورة أو كبح جماجها والتشكيك في أهدافها ومشروعيتها وحقها في قيادة الدولة والمجتمع.
لقد عانت مختلف الثورات الوطنية التحررية في عدد من الدول العربية من هجوم الثورات المضادة والتي نجحت نجاحا كبيرا في تحويل بعض الدول العربية الرائدة إلى مجرد كيانات هزيلة تتسول المساعدة ، ولاتملك القدرة حتى على حماية أهم مقومات أمنها القومي، في حين عرف الإيرانيون منذ البداية كيف يضعون الحلول التي تكفل حماية الثورة الإيرانية، وضمان عدم قدرة الثورة المضادة على تنفيذ مشروعها، ومن هذه الناحية على العرب أن يدرسوا التجربة الإيرانية دراسة وافية حتى لا تتجدد فواجعهم مع مكر التاريخ ، ودهاء الثورات المضادة.
وجوهر المشكلة هنا أن كل ثورة تحمل في طياتها بذور الثورة أو الثورات المضادة، لأن القوى التي تشارك في الثورة ليست في الغالب على نفس الإيمان أو الولاء لقيم الثورة ومشروعها المستقبلي ، ولا على نفس الموقف الصارم من القوى الإستعمارية ومن ينظوي تحت لوائها، لكن تيار الثورة في عنفوانه وقوته وزخمه التاريخي لا يترك مجالا حقيقيا أو فسحة زمنية لتلك القوى الراغبة في مقاربات أقل حدة وجذرية في التعامل مع النظام الكولونيالي أو من يمثله ويرتبط عضويا به، لكن الفرصة قد تتاح بعد أن ينتهي الصراع في جوانبه العنيفة ، وتبدأ أسئلة مابعد الثورة في فرض تعقيداتها وإشكالياتها والإحتكاك بمتطللبات حركة الواقع ، وتطلعات الأجيال الصاعدة، و الشعور بوطأة الصراعات الجيوسياسية بتفاعلاتها وأبعادها المتشابكة، في هذه اللحظات من حياة الثورة تبدأ الثورات المضادة في تنظيم صفوفها، وتجديد الثقة في نفسها ، والبحث عن أفضل الآليات لتسويق وبناء شرعيتها، هنا بالتحديد أخفقت الثورات العربية ونجحت الثورة الإيرانية، وكانت فكرة تأسيس الحرس الثوري من أبرز الأفكار التي ساهمت في هذا النجاج، في حين تحولت معظم الجيوش العربية إلى آلة هدم ، وتكريس لمشاريع الثورات المضادة، والنتائج ماثلة أمامنا وخاصة مشاهد الإبادة الوحشية اليومية في غزة، ومظاهر الولاء للقوى الغربية، والهرولة المشينة ليس فقط للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بل لعقد التحالفات الإستراتيجية معه كأنه ولي حميم.
إطار بقطاع الثقافة وكاتب من الجزائر