الخميس , 19 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

لواء بحجم أسطورة…بقلم محمد الرصافي المقداد

هو رجل ليس ككلّ الرجال، فريد من فكره، وتمازجه مع حياته الخاصة والعامة، إلى حدّ الظهور بشخصه المعتبر، مظهر الرجل البسيط – رغم رتبته العسكرية العالية- رافضا جميع البروتوكولات العسكرية، التي تقام عامة لاستقبال قائد عسكريّ، تردد اسمه في ميادين القتال، وأعدّت له دوائر المخابرات الغربية ملفّات خاصة، بعدما تعقبت آثاره، وتنسّمت أخباره، وجمعت فيها ما توصلت اليه من معلومات، الغاية منها كشف نشاطاته وتحديد مكانه، واستباق ما يمكن استباقه منها، فليس أقسى عليها، من أن يبقى حيّا متحرّكا، فاعلا بقوة، في خدمة أهداف بلاده ودينه وأمّته.

استوفى كامل مهامه وزيادة، فلم يرجع منها دون أن يحقق أهدافه، إن كانت داخل إيران أم خارجها، والجنرال الشهيد قاسم سليماني، منذ أن سلّمه الإمام القائد السيد علي الخامنئي قيادة فيلق القدس سنة 1991، تضاعفت جهوده وتكثفت حركته، من أجل التقدّم بمهامه، في تقوية محور مقاومة الاستكبار والصهيونية، في منطقة المواجهة معه، ولم تكن تلك المهام سهلة أو في متناول أيّ أحد، كان عليه أن يعدّ فريق عمله أولا، ويكوّن بنخبتهم غرفة عمليات قوية، خبرة وتصوّرا وتنفيذا، وإن استلزم الأمر بأن يتنقل هنا وهناك، ويكون موجودا على ساحة المواجهة، فلن يتردد في الاشراف على أصعب المهام العسكرية، وقد فعل ذلك مرارا وتكرارا، دون أن يأبه بما قد يحصل له، عند رصده من طرف الأعداء الكُثر.

لإيران الاسلام جزيل الشكر والامتنان، وله أيضا الفضل في تقوية فصائل المقاومة، في مواجهة الكيان الصهيوني في لبنان وفلسطين، واليمن حسب ادّعاءات الأعداء، ووارد ذلك، وغير مستبعد أن يكون له دور معتبر، في مساعدة الشعب اليمني المظلوم، على احتواء هجمة التحالف الأعرابية، التي تعرض لها منذ خمس سنوات، دون أن يجد من غير ايران، حتى مجرّد استنكار على الجرائم الوحشية، التي يتعرض لها اليمنيون، بقصف مدنهم بأحدث الطائرات والصواريخ والقنابل، وعلى مدى مسيرة الجمهورية الاسلامية الإيرانية الموفقة، على مدى 41 سنة في مساندة القضايا الاسلامية في العالم.

كانت أغلب مناجيات اللواء الشهيد قاسم سليماني، طلبا من الله الشهادة في سبيله، متشوّقا الى اخوانه الذين سبقوه في الحرب المفروضة، والذين سبقوه في مكافحة تنظيم داعش، وما استبقاء الله سبحانه وتعالى له، الى هذا الزّمن الذي قضى فيه، إلا لأجل استكمال ما بعهدته من أدوار، نجح فيها نجاحا باهرا، فنال رضى الله بتحقيقها، ورضى الوليّ القائد الامام الخامنئي دام ظله وبركاته، وهذه المناجاة التي وجدتها في كتاب، ألّفه السّيّد مهدي باقر عن شخصه المبارك، هي نموذج من مناجياته المتكررة، التي كان يتوجّه بها الى ربّه كلّما خلا به، والغالب عليها من خلال قراءتها، دلالتها أنها نابعة من صميم عقله وقلبه ونفسه، فهو رجل سعى في طلب الشهادة سعي العامل النّاصح لدينه وامّته، ولم يدّخر جهدا من أجل تحقيق ذلك، وفي نهاية المطاف ختم الله له بالحسنى.

مناجاة الشهيد

اللهم لا تختر لنا سوى الشهادة

في ذكرى جميع الشهداء

في ذكرى علي حاجبي على ضفاف هذه الانهار

في ذكرى حسين يوسف اللهي

في ذكرى محمد رضا الكاظمي الذي كان يقول عند تعقيب كل صلاة: الهي هذه صلاتي صليتها لا لحاجة منك اليها.

في ذكرى الشهيد نصر اللهي

وفي ذكرى الشهيد أميني

وفي ذكرى الحاج علي محمدي

وفي ذكرى تاجيك

وفي ذكرى مشايخي وبكلماته التي نطق بها في ليلة وداع كربلاء5

وفي ذكرى جعفر زاده

وفي ذكرى طياري…طياري…!

وفي ذكرى مير حسيني

وفي ذكرى تلك القلوب الطاهرة التي كانت تنبض الى جانب هذه الانهار عشقا للإمام الحسين عليه السلام وفي سبيل الله…

اللهم نقسم عليك بنبض تلك القلوب

اللهم نقسم عليك بتلك الاثار الباقية

اللهم بتلك الصلوات التي اقيمت الى جانب تلك الانهار

اللهم بأولئك الشباب العشقين الذين استشهدوا في تلك الخنادق وعلى ضفاف تلك الانهار

اللهم بتلك الاجساد التي لم ترجع من نهر أروند

اللهم باضطراب قلوبنا وباشتياق قلوبنا لهم نقسم عليك

اللهم اختم عاقبتنا بالشهادة

اللهم نقسم عليك بهذه المياه التي تحرك فيها الشباب

لا تختر لنا سوى الشهادة (1)

في احدى زيارات الامام القائد الخامنئي لأسر الشهداء وكان كثير الرعاية لهم، طلب احدهم منه ان يكون شفيعه يوم القيامة، فجاء رده في الاخير ان نظر الى الحاج قاسم سليماني وقال هذا السيد الحاج ايضا من الذين يشفعون.

اطرق الحاج قاسم رأسه وغطى وجهه بكلتا يديه، استحياء وتفاجأ حيث لم يتوقع أن يشير إليه القائد على ذلك النحو (2) وطبيعي أن تكون نظرته اليه بهذا التقدير، فقد كان يسمي الحاج قاسم سليماني من قبل الشهيد الحي والذي استشهد مرارا (3)

وطبيعي أن يختم الله سبحانه لهذا العبد الصالح بالشهادة، وهي مرتبة عالية ليست في متناول أيّ أحد، اختص بها صفوة أهل دينه، وخلاصة من اتّبعوا رضاه فاستحقوا رضوانه، ونالوا بذلك رحمته، وكان جزاؤهم منه الأوفى، هو كمالك الأشتر صاحب امير المؤمنين علي بن ابي طالب الذي اغتالته أيدي الغدر والخيانة، صاحب وليّ التمهيد اليوم القائد الخامنئي المفدّى.

وهو فعلا رجل بحجم اسطورة، فما أنجزه من أعمال عسكرية، في إطار مقاومة الإستكبار والصهيونية وأدواتهما المجرمة، كفيل بأن يجعله على تلك الصفة العجيبة المستحقة، وما أسسه من بعده من خطط وعناصر مقاومة، كان ولا يزال مكسبا ثويا وعملا جهاديا لم يُكْشف عن أكثر تفاصيله، خصوصا الجانب الشخصي والروحي لهذا الرجل الفذّ العظيم، عبد من عباد الله الذين أخلصوا له، على مدى مسيرة الإنسانية، ارتقى في مراتب أوليائه رقيّ من اتّقاه، قبل أن يرتقي في مراتبه العسكرية، استحق بجدارة أن يكون بحجم أسطورة، كاسرا كبرياء قوى الإستكبار والصهيونية، وماحقا لمشروعهما التكفيري في المنطقة، أفرحنا وجوده بتوفيقاته وانتصاراته، وأحزننا فراقه والأمّة في أشدّ الحاجة إليه، فرضوان الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا شافِعا مشفِّعا، ونعم أجر العاملين.

المراجع
1 – شهيد القدس الحاج قاسم سليماني السيد مهدي باقر ص429/430

2 – شهيد القدس الحاج قاسم سليماني السيد مهدي باقر ص 266/267

3 – الجنرال الشهيد الحاج قاسم سليماني قائد ( فيلق القدس) في الحرس الثوري الإيراني

sotaliraq.com/2020/01/04

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024