يبدو ان الملتقيات التي عقدها الثوار قد آتت اكلها ووجدت اذان صاغية لها، لِمَ لا، ورئيس الحكومة يعتبر نفسه ثائرا، وشابّا انفق المليارات لكسب ود الشباب وضمان اصواتهم في حال اجراء الانتخابات الرئاسية واغدق الأموال الطائلة على الميليشيات التي تدعي الثورية وصاحبة المصلحة الحقيقة فيها، ومؤهلا لان يقود البلاد إلى بر الامان.
على خلفية الانباء المتداولة من المغرب بشان التوافق بين مجلسي النواب والدولة على قوانين جديدة للانتخابات، سارع رئيس الحكومة الدبيبة باستصدار قرار يحمل الرقم 313 لسنة 2023 ،بإنشاء جهاز يسمى “الجهاز الوطني للقوى المساندة” توكل اليه مهمة المحافظة على أهداف ثورة 17 فبراير وفق التشريعات القانونية المعمول بها الذي يضم أفراد القوى المساندة من تشكيلات وكتائب ثوار 17 فبراير، ويتبع مجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ومقره طرابلس.
جميع الثورات هدفها (المعلن) رفع الظلم عن الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة وفق اسس سليمة، وحرية الراي والتعبير وفتح المجال امام افراد الشعب بمختلف مكوناته لخوض غمار الانتخابات التشريعية والتنفيذية وليكون صندوق الاقتراع هو الفيصل، ولكن وعلى مدى 12 عاما هل تحقق أيا من تلك الاهداف والطموحات؟ وماهو موقف الثوار مما يجري؟،هل يعقل ان تظل دولة بدون رئيس طوال هذه المدة؟، فالمجالس الرئاسية اجسام هشة لا سلطة لها، أي ان السلطة متركزة في يد رئيس الوزراء، وشاهدنا بان من لم تكن له قوة تحميه يفر هربا-زيدان مثالا، أما الذي لديه تشكيلا مسلحا، او استطاع ان يتعامل مع التشكيلات المسلحة وفق المصالح المشتركة، فانه يشكل معها جسما لا يعترف بالنظم والتشريعات النافذة؟ يسيرون الدولة وفق اهوائهم ويعيثون في البلاد فسادا، ويستنجدون بالقوى الخارجية، لتظل البلاد ساحة للصراعات الاقليمية والدولية.
هذا الجهاز على شاكلة الحشد الشعبي في العراق(20 عاما من الدمار والخراب ونهب الاموال العامة واستفراد فئة دون غيرها بالسلطة وساحة صراع للقوى الاجنبية) .. وقوات الدعم السريع في السودان(الحرب الدائرة الان والتي راح ضحيتها الشعب وفقد مقدراته) . اختلاف في المسمى ولكنه في حقيقة الامر جسم مواز للمؤسسة العسكرية والامنية، والهدف افشال اي جهد او محاولة لتوحيد المؤسسة العسكرية و الامنية وهذا ما يريده الرعاة الاقليميين، الدبيبة يقول بهذه الخطوة .. انا ومن بعدي الطوفان .
لن تكون هناك دولة دون وجود مؤسسة عسكرية وامنية ولاؤها للوطن، المؤكد ان الثوار سيغتنمون هذه الفرصة بتشكيل الجسم الموازي وتكون لهم جولة، ولكن هل بإمكانهم بناء دولة عصرية مدنية؟ الشواهد تدل على عكس ذلك، فمن يدعون الثورية هم من يسيطرون بطريقة مباشرة او غير مباشرة على زمام الامور في البلاد، وتعج بهم سفاراتنا ولا يفقهون شيئا في الدبلوماسية، من خلال التشكيلات المسلحة وبالأخص في الجزء الغربي من البلاد حيث مراكز صنع القرار والمال العام.
كنا ننتظر الانتخابات البرلمانية والتشريعية لتنتهي الفترة الانتقالية، ولكننا بهذا القرار غير الصائب بتوقيته بعد ان لمسنا تحولا جادا في مواقف الأفرقاء نحو الوحدة ، نخشى على البلد من الضياع، فالعسكر النظاميون لن يرضوا بان يكونوا تحت رحمة التشكيلات المسلحة التي سلبتهم دورهم وهمشتهم، بل وتطاولت عليهم، وكذا المدنيون من ابناء الوطن الذين ملوا الواقع المرير وكانوا يطمحون الى بناء الدولة المدنية من خلال صناديق الاقتراع لا صناديق الذخيرة التي من خلالها وبواسطتها يتم التحكم في شؤون البلاد.