اعتقد أنه لم يكن هناك أسوأ من محمود عباس رئيس ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، ومن خطابه الذي ألقاه من على منبر الدورة 78 من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ذلك أنّ الرجل حسب كلامها مازال يرى خير في مسار حلّ الدّولتين، بعد مرور عقود على طرْحه، وانكشاف حقيقة أن ذلك المسار عقيم ولا أثر له على أرض الواقع، بل يعتقده ذوو البصائر فخا، نصبه قادة البيت الأبيض لإنهاء حركات المقاومة، ووهما ركّبوه في عقول من رجا فيهم خيرا، ليستفيد من نتيجته الكيان الصهيوني، ويستقر به نهائيا على أرض فلسطين، وأيّ حلّ هذا الذي يكون فيه الفلسطينيون جميعا مسلوبي الإرادة، محكوم فيهم بالعدوان كالذي يعيشونه في مدنهم ويراه العالم بأعين شاهدة لكنها لا تقدر على شيء، وليس محود عباس بالغبي حتى ينطلي عليه حل الدولتين، وإنّما تكمن مصلحته الشخصية في أن يبقى محافظا على مصالحه، ومصالح حاشيته على رأس هرم السلطة، خادم أمن الكيان الصهيوني الداخلي من خطط رجال المقاومة، ولم يشفع له كل التمشّي مع الشروع الواهم، كان يرى بأمّ عينيه مغادرة الوفد الصهيوني للقاعة أثناء إلقاء خطابه (1) منبوذا محتقرا ذليلا.
وأسوأ من هذا الذي باع قضيّته العادلة، وخذل مقاوميه، ليستبدلهما بوهم ركّبوه في عقله، على أساس حلّ الدولتين، وتعايش الفلسطينيين في أوضاع أشدّ من السجن والتمييز العنصري، على أرضهم مع الصهاينة الدخلاء المغتصبين، يستحيل أن يتحقّق بالطريقة التي خطط لها صنّاعها، طمأنة وتسويفا لمن تبع نهج الحلّ السلمي وأمّل أنّه حلّ قد يغني عن طريق مقاومة الإحتلال الصهيوني، مع أنّ حلّ المقاومة قد ظهر الأنجع والأصوب، في معالجة الوجود الصهيوني وإنهاء وجوده على أرض فلسطين، هذا فضلا عن عار التعاون الأمني الذي عُرِفت به العلاقة بين السلطة والكيان الغاصب، والذي ذهب ضحيته مئات من قادة فصائل المقاومة بين شهيد وأسير معتقل.
علاقة السلطة الفلسطينية المفضوحة مع المحتل الصهيوني، شجعت دولا عربية وإسلامية على تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، بدأ تطبيعا خفيّا في أوّل مراحله، ثم انتقل من السرّ إلى العلن بعد التمهيد لقبوله شعبيا بعد ذلك، ونشاهد اليوم ما عبرت عنه دول عن استعدادها للتطبيع مع الكيان، القائمة بدأت تكبر وبلا ادنى حرج من الحكام الذين دخلوا فيها، مع علمهم بأنّ ذلك خيانة وخذلان للقضية الفلسطينية، واسوأ ما في هذا الطابور المنحرف ان تفتتحه مصر ثم الأردن ثم عرفات ومنظمة التحرير، ثم تتابع رتل التطبيع ليصل اليوم إلى المغرب والسودان ودول الخليج وآخرها السعودية، بل لعلّ السعودية هي الأولى التي افتتحت هذا المجال القذر، وبقيت تدفع وترغّب من وراء الكواليس لتختتم مجموعته في آخر المطاف، مطمئنة على أنه لم يعد وراءها من سيفسد عرس خيانة العرب لقضيتهم المركزية.
جهود أمريكا المبذولة، في الدفع بالتطبيع مع كيانها الغاصب لفلسطين المحتلة، كبيرة ولها تأثير في الدول التي تعتبرها تابعة وعميلة لها، ولا يوجد من هم أكثر عمالة من دول الخليج، وعلى رأسهم المملكة السعودية، وما تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتطبيع مع الصهاينة، وأن مملكته تسعى من أجل أن تكون إسرائيل لاعبا مهمّا بالمنطقة، وأنّ بلاده مستعدة للعمل مع أي زعيم إسرائيلي، إذا تمكن من التوصل إلى اتفاق(2)، سوى اعتراف ضمنيّ بأنّ ما حصل من تطبيع من الحكام العرب، هو من جرّاء تعاون أمريكي سعودي في هذا الإطار.
وهذا ما أكّده الرئيس الأمريكي (جو بايدن) من أن إدارته تعمل بقوّة على ملفّ التطبيع، وتسعى في سباق محموم، من أجل غلق الملف نهائيا، بتطبيع جميع الدول العربية دون استثناء بالترغيب أو الترهيب، وبذلك يسحب من تحت أقدام فصائل المقاومة مشروعية عملياتهم النضالية، فتكون أعمالا شاذّة مدّعى عليها بالإرهاب، مقابل إجماع على الإعتراف بالكيان الغاصب لفلسطين، والتعامل معه على جميع الأصعدة، تعاملا يسقط شذوذه ويظهره للعالم على أنه صاحب حقّ في التواجد على أرض فلسطين، بل وأنه كان ضحية اعمال استهدفته، عوض الشعب الفلسطيني الضحية الحقيقي.
التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس سوى خيانة للقضية الفلسطينية، كما اعتبره الرئيس التونسي قيس سعيد خيانة عظمى، هو بنظر سياسة إيران الخارجية خط أحمر – لا يمكن لها تجاوزه مهما كانت الإغراءات – ظهر من خلال تعاطيها مع القضية الفلسطينية، بل لقد عُرِفت وفيّة بالالتزام به، منذ انتصار ثورتها الإسلامية، بتسجيل مواقفها الحاسمة بشأن فلسطين، وعلى وجه الخصوص رعايتها لمحور فصائل المقاومة، وتقديم ما يزيدها قوة وثباتا في مواجهة الكيان الغاصب، فهي لا ترى لهذا الكيان الصهيوني المسمى بإسرائيل وجودا، ولا مشروعية على أرض فلسطين، وتعتبره دخيلا على المنطقة يجب أن يزول بالقوة، وليس بالمفاوضات والسلام، وما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة.
وفيما تواصل الإدارة الأمريكية جهودها الكبيرة والمتواصلة، من أجل (تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل في المستقبل، من بعد الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمغرب. سواء كانت تلك الجهود عن طريق البيت الأبيض أو وزارة خارجيته، فإنّ هدفها الذي لا يزال مخفيّا عن من طبّع ومن لم يطبّع، هو غلق الملف الفلسطيني دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولن تنتبه الحكومات العربة المطبّعة إلى فداحة ما قامت به، إلا بعد أن يكتمل باطل الوجود الصهيوني، ليصبح حقا مشروعا بإمضاءات رسمية عربية، ولا ينفع فعل شيء بعدها، خصوصا إذا انخرط العرب المطبعون في مؤامرة محاربة فصائل المقاومة، متحالفين مع الكيان الصهيوني، وهذا العمل الاجرامي محتمل الوقوع، بعد التحالف العربي في اليمن، ومن خان قضيته المركزية وحالف أعداءه، سقط عنه قناع الحياء، ومستعدّ للذهاب أبعد مما يراه الشيطان مقدورا عليه.
المراجع
1 – الوفد الإسرائيلي يغادر قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال كلمة الرئيس الفلسطيني
https://www.cairo24.com/1870913
2 – محمد بن سلمان يوضح موقف السعودية من التطبيع مع إسرائيل
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/09/21/mohammed-bin-salman-saudi-arabia-normalization-israel
3 – بايدن: أمريكا تعمل على التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي مقابل حل الدولتين
https://sputnikarabic.ae/20230920/1081216335.html