الأحد , 17 نوفمبر 2024
Breaking News

ماذا بقي لأمريكا من مصداقية؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم تعد أمريكا تلك الدولة التي تأوي منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وينظر إليها كقطب يدور في فلكه العالم بأسره، فقد أسقطت صرحها الذي بنته تحيّلا وادّعاء لبنة لبنة، منذ تدخلها في الحرب الكورية، إلى حرب فيتنام، إلى أفغانستان، وظهرت أخيرا بمظهر المحتلّ في العراق وسوريا تحت مبرّر محاربة الإرهاب، ودون ان يدعوها أحد إلى القيام بذلك تخت مسمى التحالف الدولي، وختمته بأن اسقطت هيبتها ومصداقيتها أخيرا، بوقوفها الوقح إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب في عدوانه الذي يرتكبه على قطاع غزّة.

لقد سلكت أمريكا منذ أن تأسست مسلكا عنصريا بغيضا، بنته على أساس تمييز العنصر الأبيض على غيره، دون وجه حقّ ولا أفضلية، بإمكانها أن تعطي لذلك اللون أو العرق ميزة ترفعه ليكون صاحب امتيازات، تؤهّله تنسُّم عليائه التي ركبها، ولم يكن له فيها وجه حق لولا الجرائم التي ارتكبها البيض القادمون من أوروبا، ليستوطنوا أمريكا ويسيطروا عليها على حساب سكانها الأصليين.

السياسة الخارجية الأمريكية ظهرت اليوم وفي طوفان الأقصى بصورة واضحة تماما، أثبتت من جهة انحيازها الكامل والتام للكيان الصهيوني في عدوانه الآثم على قطاع غزة، والذي برهن على وحشية مرفوضة في القانون الدولي، ومحلّ ادانة وتتبع ومحاكمة لدى محكمته الدولية الخاصة بجرائم الحرب في لاهاي (هولندا)، ومع ذلك صمّت آذانها فلم تُعِرْ نداءات دول العالم أي اهتمام خصوصا وقد عربدت آلة الاجرام الصهيونية بالمدنيين، فتركتهم أشلاء تحت الأبنية المقصوفة بأعتى الصواريخ، وتزامنا مع تلك الجرائم سارعت أمريكا إلى استقدام بوارجها، إرهابا للشعب الفلسطيني المقاوم، الساعي إلى استعادة حقوقه المشروعة على أرضه، ….

وطبيعي أن يقف اليوم اللواء حسين سلامي القائد العام لحرس الثورة الإسلامية ليقول في كلمة له في اجتماع التعبئة العالمية للإسلام- المقاومة رمز النصر: (بأن لا أحد اليوم يخشى تهديدات أمريكا، لافتا إلى أن حقيقة الغرب و”اسرائيل” أصبحت مكشوفة اليوم في غزة لشعوب العالم.)

(1) فقد سقطت جميع قيم الغرب المصطنعة، وذهبت ادعاءاته ودعاياته، وذابت ثقافته المزيفة في وحل غزة، ودماء اطفالها ونسائها، بين ركام أبنيتها المتناثرة، في ذلك الحيّز الجغرافي الصغير، الذي لا يكاد يتسع بكثافة سكانه المحاصرين برا وبحرا، منذ أن تحالفت أنظمة التطبيع مع منظومة الغرب برعاية أمريكية على تقطيع اوصال فلسطين تمهيدا لتصفيتها من أهلها، وقتل أي محاولة لاستعادة حقوقهم المشروعة.

إرادة الشعوب ليس بمقدر مخلوق مهما بلغ شأوه أن يكسرها، ويبدو أنّ أمريكا قد ذهب بها غرورها بعيدا عن الواقع، بحيث أصبحت تعتقد أنّه بإمكانها، مع ما تمتلكه من ترسانة وقوة عسكرية، إخضاع دول العالم لإرادتها، واجبارهم على قبول هيمنتها، والخضوع لمشيئتها، وهي عقلية لم تعُدْ مستساغة من دول وشعوب العالم الحرّ، الرافضة للهيمنة الأمريكية، والتي بدأت في مقاومة سياستها العدوانية، بدأ من كوبا وشعبها الجدير بالاحترام، ومنه استنسخت شعوب أمريكا اللاتينية عناصر مقاومة الإستكبار الأمريكي، ودولها اليوم تزداد تلاحما في مواجهته، بينما تزداد السياسة الأمريكية افتضاحا فيما تصبو إليه من استعباد دول العالم.

لقد برهنت أمريكا مرارا وتكرارا انحيازها الكامل للقيطها الكيان الصهيوني، رغم ما أظهره من وحشية مفرطة، راح ضحيتها مجملا مئات آلاف الفلسطينيين منذ انتصابه سنة 1948، لكنه هذه المرّة بأسلوب أشدّ بأسا، أودى بحياة عشرات آلاف المدنيين أطفالا ونساء ومرضى،  وخلّف دمارا فظيعا طال جميع مرافق القطاع الخدمية والصحيّة والتعليمية، حرك مشاعر شعوب العالم فانخرطوا في تظاهرات مندّدة، ولم يحرّك مشاعر دولها لتفعل شيئا، يوقف عملية الإبادة على سكان غزّة، وبالطبع لم يحرّك مشاعر الإدارة الأمريكية، على الرغم التغطية الإعلامية لتلك الجرائم البشعة.

عندما يهرع وزير الخارجية الأمريكي (بلينكن) للقاء الرئيس الصهيوني (إسحاق هرتسوغ) في تل الربيع ليطمئنه بقوله: (نُصِرّ على أن إسرائيل ليس لديها الحق فحسب، بل واجبها أيضاً في الدفاع عن نفسها، وأن تفعل ما هو ممكن حتى لا يتكرر هجوم 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي”.

وأضاف: “في نفس الوقت فإنه من المهم جدا إنه عندما يتعلق الأمر بحماية المدنيين، فإنه يتعين القيام بكل شيء من أجل حمايتهم. (2) فهو بالتأكيد لا يقصد المدنيين الفلسطينيين، وهم تماما خارج حساباته السياسية، بل لعلّهم لا يعنون شيئا بالنسبة لإدارته ومخططها في شرق أوسط جديد، بدأت بتنفيذه في المنطقة، ولم يكن من السهل عليها تثبيت قواتها هناك من دون تحالفات دول غربية، وتواطؤ دول عربية، لم تخجل من خيانة القضية الفلسطينية.

لقد سقطت جميع دعاوى أمريكا في احترام حقوق الشعوب، بل هي أساسا لا تقيم وزنا لأيّ شعب، من خلال ممارساتها العدوانية المتكررة على شعوب العالم، المستهدفة بالإخضاع والإكراه، واهترئ مظهر المصداقية المزيّف الذي تقنّعت به في تعاملها مع ملفّ القضية الفلسطينية، فليست أمريكا سوى إسرائيل وليست إسرائيل سوى أمريكا، حقيقة بدت واضحة وضوح الشمس، فلم يعد لحلّ الدولتين من واقع، يمكن أن يبنى عليه حلّ سياسي عادل، بإمكانه أن يعطي حقّا للشعب الفلسطيني في العيش الحرّ الكريم على أرضه، ولم يعد لهذا الشعب المظلوم من أهله ومن الخارج، سوى طرق واحد يسلكه، وهو المقاومة والصمود أمام المؤامرات المحاكة عليه، وهو الطريق الوحيد الذي سيرغم أمريكا وحلفاءها على القبول بحقيقة الميدان، ومن بإمكانه أن يسيطر عليه نهائيا، إذا لم يبق لأمريكا شيء من مصداقية، وهي اليوم طرف أساس في الصراع، والهزيمة التي ستلحق بالكيان الصهيوني، سيكون لها منها نصيب.

المراجع

1 – اللواء سلامي: لا أحد اليوم يخشى تهديدات أمريكا.. تم تفعيل جزء صغير من قدرات المقاومة https://nournews.ir/Ar/News/156622/

2 – بلينكن: من واجب إسرائيل الدفاع عن نفسها

https://www.aa.com.tr/ar /3042441

 

 

Check Also

ألمانيا تدفع ثمن أخطائها الإستراتيجية من غزة إلى أوكرانيا…بقلم م. ميشال كلاغاصي

لطالما دعيت بالمحرك الأوروبي بفضل صناعاتها التي ضمنت لها مكانةً إقتصادية هامة, وقوةً عسكرية لا يستهان بها, استطاعت من خلالها رسم حكايتها مع التاريخ القديم والحديث, هي ألمانيا التي خاضت حروبها العالمية وكادت...

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024