الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

ما بين الثورات المزيّفة والحقيقية نماذج من هنا ونموذج من هناك…بقلم محمد الرصافي المقداد

شعوب هيّأ لها الغرب سبيل الخلاص من عملائه، تمهيدا لتقديمها قرابين للمعبد الصهيوني، المقام على أرض فلسطين، ونجح في مخططه الخبيث، وإذا بها تساق بأيدي عملاء أكثر قذارة ووقاحة من الأوائل، بلا هوادة في سباق للتطبيع والتّخلّي عن قضية فلسطين.

مكاييل الغرب في السياسة بالتأكيد كثيرة ومتباينة، تتجاوز عادة من يكيل بمكيالين، وقد وقفت شعوبنا على انحرافاتها، ومجانبتها للحق في أكثر من قضيّة ومسألة، وإنّ إدانة  الغرب من هذا الباب لا يجب أن تكون له وحده، بل يجب أن تكون مقترِنة بإدانة كل من روّج له شريكا وصديقا، بالتّنويه والإشادة بسياساته الخارجية، من حكّام وشخصيات بلداننا، أسقط أغلبهم من أيديهم خدمة أوطانهم، ليشْغَلوا أنفسهم فقط في خدمته، والحفاظ على مصالح دوله على حساب مصالح دولنا وشعوبنا، وهذه المنهجيّة السياسية  لا تزال متواصلة إلى اليوم، رغم ثورات الربيع العربي التي أمّلنا بها الخروج من مجال تأثير الغرب، وسيطرة بلدانه علينا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، فلم يحصل من ذلك التمنّي شيء، وبقيت دار لقمان على حالها.

ثورات موجّهة بحجم تأسيس الغرب ومباركته لها، وتباينها من حيث القيمة والأهمّية بالنسبة إليه من بلد إلى آخر، بحسب قيمة مصالحه ومشاريعه فيها، ووهْمُ نجاحنا في الإنتقال من دكتاتورية الأشخاص وأحزابها، إلى فضاء من الحرّيات الخاصة والعامة، خلقت مجالا أوسع للفوضى وتعطيل المصالح، حريّة تجاوزت حدودها المعقولة، لتصبح بسرعة وبالا على الجميع، وبعد مرور عشر سنوات، سقطت من أيدينا حسابات أمّلناها، ولم نحقق منها شيئا، نعم لقد ذهبت الدكتاتورية بمُسمّيات أنظمتها وأسماء حكامها، ودخلت تاريخا معاصرا طاويا صفحتها السيئة الذّكر، لكنه بالمقابل، بقي الفساد ينخر بأدواته جميع مقدّراتنا ودوائرنا الرّسمية، كأنّنا لم ندرك يوما أن أساس الثورة إصلاح وعدالة وحقوق، وكأنّ قدر شعوبنا أن تبقى مخابر تجارب دول الغرب وتنفيذ مخططاتها.

علينا اليوم بعد الذي حصل، أن نُعرّف الغرب تعريفا واقعيّا، بحسب ما لمسناه منه سابقا من أذى، خلال استعماره لبلداننا، وما نلمسه الآن من استغلال لمواردنا، وتحكّم بقراراتنا السيادية، ولنسأل حكامنا بكل واقعيّة، ما الذي يربطنا بدول الغرب، إلى الحدّ الذي جعلهم يخشون جانبها، فلا يجرؤون على الوقوف بندّية أمامها؟ أليس من باب أولى مراجعة سياسة التّبعية التي كبّلتنا عقود طويلة، فنتخلّص من عقدة تهيّب هذه الدّول الإستعمارية، ونتخلّى عن عقليّة اعتبارها وسيلة للعبور إلى عالم الدّول النّامية؟

لا شك أن دول الغرب تنشدُ مصالحها – وهذا أمرٌ مفروغ منه – لكنّ ذلك لا يمكن أن يكون على حساب مصالحنا نحن، ولا يمكننا تحقيق غايتنا المشروعة، دون أن ننتبِه إلى أن نضيِفَ إليه هذا الكم الهائل من صنف أوّل من العملاء الواعين بتموقعهم على خارطة العمالة، والمتعلق بطبقات السياسيين وأحزابهم، وصِنْفِ ثانٍ من المستَغْفَلِين، أصحاب بعض منظمات المجتمع المدني، الذين يروّجون ثقافته، ولا يرون حرجا في أن يكونوا في خدمته على حساب أوطانهم، طالما أنه يدفع لهم بسخاء، ومهما بلغ الذي تدفعه أمريكا وفرنسا مثلا، لبائعي ضمائرهم وبلدانهم، فلن يبلغ مقدار عشُرِ خيانة الوطن، والعبث بمصالحه.

وإنّ من اسوأ الأحوال التي تعاني منها شعوبنا، أن يرى المثقّف العربي بعين غربيّة، ويملأ عقله بأفكار الغرب سياسيا وثقافيا، وتطبُّعُهُ بطباع الغرب يزيد من صعوبة الوضع العام، لمجتمعات تفرّقت كمعزى ليلة ماطرة، انقطعت بها سبل العودة إلى مرابضها بعدما فقدت راعيها، فلا هي آوت إلى ركن واقٍ من غزارة المطر، ولا أصبحت بمنأى عن غدر الذئاب والضّباع.

العجب كلُّ العجبِ أن يرى العاقل شعوبا بأسرها، تؤخذ إلى مذابح الشّرف، بعد رضاها بانتهاك مقدّساتها وضياع حقوقها، ولا أثر دلّ على معارضة بدرتْ منها، لتفادي مصير سيء وقعت فيه، من جرّاء سياسة فاشلة مورِستْ عليها زمنا ليس بالهيّن، عانت منها ولم تخرج  سالمة، وهذه حال أغلب شعوبنا العربية، أرحام تدفع وأرض تبلع، وحقوق تضيع، وزمن يمضى سُدًى، ولا أفق بادٍ يحمِلُ ضياء فجر حقيقي، يبدّد ظلمة حكّام جُدُدٍ، لم يُرْضِهم تربّعهم على عروش الحكم والسياسة، دون أن تكون لهم قداسة ومشروعية، تضاهي أو تفوق عقيدة الدين.

سبعُ عقود مرّت علينا ونحن – كشعوب- نمنّي الأنفس بفرج قد يأتي، ليخلّصنا من حال التخلّف، الذي لبسنا لبوس ميّت كفّنه أهله، فلم يفارقنا رغم الوعود الفارغة، والخطب الرّنّانة، والبرامج الفاشلة، فلا وحدة مشرقية قامت واستقامت، وأفلحت في دمج شعوبها، ليشكّلوا قوة تمنع عنهم أطماع الغرب المتجددة، ولا وحدة مغربية خرجت من سياق القول إلى الفعل منذ أن جعجع بها ناطقها، ولا جامعة عربية كان لها دور يذكر فيشكر، بإمكانه محو تاريخها المليء بالسّلبيّة والمؤامرات، كأنّما استوطن الشيطان ربوعنا بقُدُراته، واستفزّ مشاعر من اتبعه بنبراته: (واستفزز من إستطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدْهُم وما يَعِدهم الشيطان إلا غرورا)(1)

ما يًعاب على اليمن- من وجهة نظر أعدائه – ليس الشرعيّة الكاذبة التي تعذّر بها تحالف العدوان عليه، وإنّما نجاح ثورته الباهر في التخلّص من ربقة التبعية لذيول أمريكا والصهيونية من دول الخليج، وهو ما أغاظ هؤلاء العملاء، فتحالفوا على منعه من استكمال مساره الثوري بحجج واهية، كشفت الأيام زيفها، واليمن اليوم بعد سنين العدوان صامد واقف يلقّن جبهة العدوان بمرتزقتها وداعميها دروسا في العقيدة والوطنية والرّجولة، قد لا يستوعبوها سريعا، لكنها ستكون قدرهم في نهاية المطاف، حيث لا كلمة تعلو على كلمة أحرار اليمن، ولا راية ترتفع على راية أنصار الله، بشعاراتها العالية المتحدّية.

لذلك نخلُص إلى القول، بأن الشعوب الواعية هي التي تصنع ثوراتها وتصحّح مساراتها، وتعي ما لها وما عليها، وتتبيّن من خلال علاقاتها، من هو الصديق؟ ومن هو الشقيق؟ ومن هو العدوّ؟ فلا تقع في ورطة الخلط بينهم، ومن ملك بصيرة التمييز أضاءت له سُبُلُ المعرفة، وعليها أوّلا وأخيرا، أن تميّز بين الثورات الحقيقية والثورات المزيّفة في عالمنا العربي والإسلامي.

المصادر

1 – سورة الإسراء الآية 64

شاهد أيضاً

ارزة لبنان…. تعانق زيتون فلسطين…بقلم ميلاد عمر المزوغي

ما يجري على الساحة العربية مخطط له منذ عقود, فأمريكا كانت تحارب حلف وارسو الذي …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024