يجدر بنا أن نصحح مقاصدنا قليلا لتفادي التعلق الغريزي لدى المقهورين بالهستيريا الهازئة من جهة والشتائمية من جهة أخرى، فليس هذا أبدا هدفنا.
يا سادة يا كرام، نحن أمام واقع مر يمثل فيه باردو مستعمرة متخاصم على تمثلها ذهنيا وواقعيا بين شتى التبعيات. بل إن الصراع على بسط السيطرة السياسية على أرض تونس إقتصادا وثقافة وبالتالي أمنا وتشريعا بلغ مرحلة النزاع عالي التوتر وضعت فيه خرائط تونس على طاولات الأعداء الغرباء الغزاة في الماضي وفي التطلع الإستراتيجي.
يا سادة يا كرام، الحقيقة كون الحكومة الحالية في الواقع مغتصبة القصبة، حيث لم يعد يمكن مطلقا أن نتحدث عن أي شرعية كانت سوى صكوك تعهدات الوكلاء لاسيادهم في الخارج وشركاء نوادي التجارة هنا وهناك.
يا سادة يا كرام، كانت توجد مستوطنة في برنا التونسي نسميها مستوطنة قرطاج. وبعد حلول ركب الأمير الجديد السعيد مخلص الشعب من التبعية والإرهاب والفساد والتفقير والتجويع والتطبيع وسائر طباع العملاء، أصبحنا نسميها تلطفا ومراعاة لمشاعر بيض القلوب الناخبين في عصر النحيب العام، نسميها جزيرة قرطاج. ولا نظن أن الأمر يتطلب المزيد ولا كثر الكلام فالانسان كما قال المعلم مونتاسكيو يتأثر بالمناخ والتراب ولا وجود لقوانين جيدة دون أسلحة جيدة كما قال حكماء السياسة في أهم تموجات شرايين التاريخ وصناعة التاريخ.
نحن لا نتظنن بأحد ولا نتشاطن على أحد. ولا يذهبن خاصة في جادة أحد أن القوات الحاملة للسلاح العسكرية منها والأمنية مثلا سفن نجدة في أعالي البحار. ولا أصوات المظلومين مجرد أرخبيلات أو صراخا في واد غير ذي زرع ولا المنظمات الوطنية وعلى رأسها اتحاد الشغل برزخا لا فوق الأرض ولا تحت السماء.
بلى هي رسائل:
القصبة للوكلاء والأثرياء. باردو للأجراء والوسطاء. قرطاج للأمراء والسفراء.
ولنحصي بسرعة أجنداتهم معا ودفقة واحدة وبالعدالة المطلوبة بينهم على الشكل التالي:
إن المعطيات الجغرافية السياسية والجغرافيا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية… حتى لا نطيل التفصيل لا تسمح بهذه السياسة الخرقاء التي ترفع درجة تهديد البلد من يوم إلى آخر أكثر خطرا.
إن مختلف مستويات تحليل الوضع الجيوسياسي إجمالا لا تثلج الصدر بل تدمم القلب.
إن مختلف مستويات تحليل البيئة السياسية التي تتخبط فيها أطراف الحكم ومؤسسات نظام الحكم كلها افرزت حتما وستفرز المزيد من هذا النوع من البيئة السياسية الحاضنة لتوطين أكثر ما يمكن من مخالب الاستعمار.
إن التقسيم الإجتماعي الحالي والنظام الاجتماعي الحالي والذي يعاني منه البلد منذ عشرات خلت يعمق أزمة النظام الاجتماعي وأزمة الميز السياسي والاقتصادي بين أنواع مختلفة من حياة التونسيين الذين يفترض انهم شعب واحد.
إن انعدام العدالة في الإنماء والتعمير والعمل والتشغيل لا يمكن إلا أن تؤسس لمزيد الصراع السياسي.
إن تأثير هذه الشطحات الطفولية الصادرة عن مختلف مؤسسات الحكم المنتخبة تجاوزت الخطوط الحمراء.
الخطوط الحمراء هي خطوط الحدود والخطوط الحمراء هي خطوط النار والخطوط الحمراء هي خطوط العلاقات الخارجية والخطوط الحمراء هي خطوط الجهات وهي خطوط الفئات والطبقات والاعراف وحتى الاعراق والقوانين وهي خطوط التجهيل وخطوط التفقير وخطوط التهجير… وإلى ما هنالك.
إن الاخونة أخت الجهونة (من جهة) تحت أي عنوان. والجهونة أخت الاخونة تحت أي عنوان. ولا تنتجان إلا التهريب وما جاوره. والأوربة لا تنتج إلا وكالة الاستعمار والتبعية والسمسرة وما جاورها. والخلجنة والعثمنة لا تنتجان إلا زجاج الخدمات الزائدة وهوس استهلاك الخواء. وكذلك القوننة الفارغة التي لا تنتج إلا الأوهام والتناحر السياسي واستبلاه الشعب الأعزل المكلوم ويكتشف صدفة في الأخير كيف تنحني أمام الاستعمار القاتل بالأمس واليوم وكيف تتقلب مواقفها وكيف تهرول نحو التسول كما فعل الذين من قبلها.
إن الكل يعلم أنه ثمة من يريد لتونس والمتوسط بتمامه أن يكون مجرد بحيرة صهيو – اخوانية بحضور أميركي وأوروبي. ومن يريد لتونس ولغيرها أن تكون مجرد غبار يسكنه البدو لتمهينهم بحرا وجوا وأرضا وتمريغهم في التراب والأوحال عقابا جماعيا وخدمة للعدو الخارجي مهما كان إسمه. ومن يريدها كيس زجاج يفجر في كل مرة لرمي الدم في عيون الأشقاء. وهكذا أيضا مشاريع الخماسة وسواهم.
إن الكل يعلم أن المطلوب هو العمل والتطوير والاعتماد على الذات والإصلاح والبناء وشرف تقاسم الحاجة وشطط العالم والحياة وكلفة الاقتصاد والمعيشة وشرف الأمن من أجل حياة جديدة واحدة لكل التونسيين وليس المزيد من الإرتهان والانهاك والهلاك.
إن حرب المربعات أتت على كل شيء وقد حان وقت الواجب بل تأخر.
في وقت من الأوقات لن يبقى لأحد ما يقول. هذا ولا يمكن لنظرة واقعية ومادية التحليل أن تنكر بأن نصف الحياة إرادة جماعية. وروح الجماعة الحرة تنتصر شرط إدراك حتمية مواجهة الحصار، حصار تونس بمخرببها من داخل الأحشاء؛ حصار شعب تونس بأورام سلطة واهية تنخر العظم.
لا مخرج دون الكفاح الشامل من أجل قواعد حكم وطنية وسيادية ونظيفة. وكذا شان المعارضة.