لأوّل مرّة أكتب مثمّنا موقفا رسميا، أصدرته رئاسة الجمهورية التونسية، بشأن طوفان القدس، الذي حصل أمس 7/10/2023، وفاجأت به فصائل المقاومة الفلسطينية محتلّ أرضها، هذا الصهيوني المستقوي بأمريكا، ومن ورائها دول الغرب الدّاعمة له بكل قوّة، وجود الإحتلال على أرض فلسطين والمثبّتة له، العاملة على إعطائه شرعية دولية كاملة، رغم جرائمه واعتداءاته المتكررة، وليس الذي سأكتبه اليوم من باب إلقاء الورود على الدولة التونسية، تعبيرا على بيان نطق اليوم ناطقه، بمظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولم يكن ذلك ممكنا بهذا الوضوح والتحدّي، قبل مجيء الرئيس الحالي السيد قيس سعيّد، ويعبّر هذا البيان عن موقف عموم الشعب التونسي، بأحراره الماضين والباقين، الذين ناصروا إخوانهم في فلسطين، وبذلوا من أجل ذلك أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير الأرض المقدّسة.
نتذكر جيّدا شعارات الشعب المُنادية بتحرير فلسطين، مباشرة بعد سقوط الطاغية بن علي، ( الشعب يريد تحرير فلسطين)، صادرة من إرادة حقيقية صلبة، نابعة من عقيدة شعب أبيّ، له تاريخ حافل بالمساندات لإخوانه الفلسطينيين، ولم يبخل عليهم في ذلك بشيء، من سنة 1948 إلى اليوم، بل ويدعو إلى تحرير كامل فلسطين، من الكيان الصهيوني الغاصب، ومن هنا أدعو الحكومة التونسية إلى عدم مساندة مشروع قرار 242، الصادر سنة 1967، الداعي إلى حل الدولتين (1) والبراءة من مشروعها المقدّم – من خونة فلسطين وان كانوا في شكل مجلس وطني وهو أبعد ما يكون عن الوطن – إلى الأمم المتحدة، الذي يعتبر خيانة لحق الشعب الفلسطيني في كامل أرضه، ولمن لا يعرف أقول: إن هذا المشروع هو في حدّ ذاته، تفريط في حقوق تاريخية للشعب الفلسطيني على أرضه، إذ كيف يُعقل أن يساند المجلس الوطني الفلسطيني مشروعا من نقاط عشر(2)، يمكّن بموجبه الكيان الصهيوني الغاصب على 78% من الأراضي الفلسطينية بينما يبقى للفلسطينيين أصحاب الأرض 22% فقط (3)، إنّه الوهن في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والرضا بما قسّمه أولياؤه له.
من أجل تحرير فلسطين، استشهد أحرار من تونس، لبّوا نداء الواجب في نصرة إخوانهم الفلسطينيين، وفي تونس اختلطت دماء الشعبين معا، في عدوان حمّام الشط جنوب العاصمة التونسية في أكتوبر سنة 1985، في تلازمية متواصلة بين الشعبين الشقيقين، فقضية فلسطين هي قضية الشعب التونسي، حملها قديما ويحملها حديثا، لم يسقطها يوما بتطبيع ما، تحرّض عليه أمريكا والغرب وأدواتهما، ومن طبّع من من طرف البعض، فهم من النشاز الذي لا يعبّر في شيء من تطلّع شعب، جعل القضية الفلسطينية نُصْب بين عينيه، فهي تعيش معه كامل حياته بحيويّة وعنفوان، وليس بمقدور أحد إزالتها مهما فعل.
بيان رئاسة الجمهورية التونسية، تعبير حقيقي عن موقف الدولة التونسية، المستجيبة لمطلب وموقف شعبي، طالما رُفِعت شعاراته في مناسبات عديدة، ولا تزال قيمته المعنوية عالية، وهو في تعابيره القوية والعميقة والمناصرة بحق، مصدر فخر واعتزاز من قرأه من التونسيين، وإكبار واعجاب لمن قرأه من أنصار القضية الفلسطينية في أنحاء العالم، يجدر بي أن أنقله كما هو تعميما للفائدة:
(تعبر تونس عن وقوفها الكامل وغير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني، كما تذكر بأن ما تصفه بعض وسائل الإعلام بغلاف غزة هو أرض فلسطينية ترزح تحت الاحتلال الصهيوني منذ عقود ومن حق الشعب الفلسطيني أن يستعيدها وأن يستعيد كل أرض فلسطين، ومن حقه أيضا أن يقيم دولته المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
كما تدعو تونس كل الضمائر الحية في العالم إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأن تتذكر المذابح التي قام بها العدو الصهيوني في حق شعبنا العربي في فلسطين بل وفي حق الأمة كلها.
وعلى العالم كله ألا يتناسى مذابح العدوّ في الدوايمة وبلدة الشيخ ودير ياسين وكفر قاسم وخان يونس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وغيرها، وعليه ألا يتناسى أيضا مئات الآلاف من الذين هُجّروا من ديارهم وسُلبت منهم أراضيهم، عليهم أن يتذكروا هذه التواريخ وعليهم أن يعترفوا بحق المقاومة المشروعة للاحتلال ولا يعتبرون هذه المقاومة اعتداء وتصعيدا.
كما تدعو تونس المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته التاريخية لوضع حد للاحتلال الغاشم لكل فلسطين ولإمعان قوات الاحتلال الصهيوني في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في تحد كامل لكل الشرائع الدينية والقيم الإنسانية.) (4)
هذا البيان يؤكّد مرّة أخرى، أنّ سياسة الرئيس قيس سعيد ثابتة، في رفض مشاريع التطبيع الرائجة بين الدول العربية، ولا ترى في إسرائيل سوى كيان غاصب محتل لأراضي أشقائه الفلسطينيين، وقد تضمّن مساندة مطلقة لقضيتهم، فلا مجال للتخلّي عنها تحت أي ضغط وشكل، قرارات الرئيس منذ أن أعلنها خصوصا عندما قال: (التطبيع خيانة عظمى)، معبّرة على تطلعات الشعب التونسي، في الاستقلال الحقيقي عن دول الغرب، المتحكمة في مجريات السياسة العالمية، عبر مؤسسات دولية غير نزيهة ومتواطئة معها، قضية الشعب الفلسطيني تبنّاها كل حر شريف، أينما وجد في هذا العالم، بعدما انفلتت من عقالها العربي، لتصبح إسلامية وعالمية.
عندما يتبنى الشعب الفلسطيني قضيته فلا يكلها إلى غيره، يبدأ مشوار حلّها، فهي قضيّة أرض مغصوبة، وشعب مظلوم مهجر في الشتات، وفهم الشعب الفلسطيني لوضعه، ظهر من خلال خياره الذي مضى فيه، وهو خيار المقاومة المسلحة، وقد رأى بأمّ أعين أهله كيف سقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر، ومن القهر الذي عاناه عشريات كاملة، تحوّل اليوم إلى قاهر لعدوّه، نحن متأكّدون بأن الشعب الفلسطيني صاحب تحدّ ومواجهة، وهو قادر إذا وجد وسائله المساعدة على تحرير أرضه سيصنع العجب، ولا عجب في واقع الأمر، من أي بطولة تصدر من هذا الشعب.
المراجع
1 – حلّ الدولتين https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – برنامج النقاط العشر https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – حل الدولتين https://www.marefa.org/
4 – بلاغ رئاسة الجمهورية التونسية
https://m.facebook.com/story.php/?story_fbid=713462957478974&id=100064458289062