لم تكن أمريكا ومن ورائها حلفها الغربي، المعادي في عمق عقيدته للإسلام والمسلمين، تتوقّعون سقوطا مدوّيا، لأحد أكبر عملائها في المنطقة، فقد كانت أجهزة CIA الإستخبارية تهيئ لانقلابٍ على الإمام الخميني وشعبه الثائر، ضد الظلم والإستبداد والهيمنة الأمريكية، شبيهة بعمليّة الإنقلاب على الدكتور محمد مصدّق الذي أسقط حكومته الوطنية(1)، وأعاد السّلطة للشاه الهارب إلى أحضان الغرب، ليتربّع من جديد على عرش إمبراطوري فاسد، وهي حادثة بقيت عالقة في المشهد المقاوم لإيران المعاصرة، نعم لقد حسب أعداء إيران حسابا دقيقا، لأجل أن تبقى كلّها قاعدة متقدّمة، ومملوكة لأمريكا والكيان الصهيوني، وهيأوا الخطط العسكرية اللازمة، لأجل إنجاح إنقلاب ثانٍ، يطيح نهائيا بآخر آمال الشعب الإيراني، في استبدال نظامه بآخر، يقدّم له ما افتقده في الحقبة البهلوية السّيئة السّمعة.
ولم يكن هناك خطر أشد على الثورة الإسلامية الإيرانية من طاقم السفارة الأمريكية، التي لا يزال بناؤها إلى اليوم، يحمل صفة (وكر الجاسوسية)، فاتّجهت نيّة الإمام الخميني لإعطاء الإذن بسرعة اقتحامه، وأخذ ما فيه من وثائق سرّية، والقبض على من فيه رهائن كجواسيس، – وهم حقيقة في ذلك الدّور التجسّسي – وسط ذهول عالمي كبير، فمن كان يجرؤ حينها على أمريكا، حتى الإتحاد السوفييتي والصين الشعبية، لم يكونا في مقام مناوشتها، رغم معرفتهم بأنها عدوّة لدودة لهم، وتُخطط لإسقاط أنظمتهم، وبقيت أزمة الرهائن تراوح مكانها لمدة 444 يوما(2)، عرفت فيه أمريكا ذلّا ومهانةً لم تعرفها حتى عند هزيمتها بفييتنام.
وبين من اعتبر تلك العملية مجازفة غير محسوبة، وانتحارا غير مسبوق، وبيْن من أمّل من خلالها إثبات جدارة الثورة، بأنها فريدة في جميع مكوّناتها وتفاصيلها ومفاجآتها، لكنها في النهاية أرست على انتصار شعب متماسك صلب الإرادة، ملَك قيادة حكيمة ترى بنور الله، وتهتدي بهدي أوليائه الكرام، وتسير بمشروع دولته بكل ثقة وطمأنينة في النّفس، بقي العالم ينتظر أن تستعيد أمريكا شيئا من كرامتها المهدورة، وهيبتها المُراقة كماء وجهِ المتسوّل، الذي أضناه البحث عن محسن له، دون أن تُقدِم على فعل شيء مؤثّر، تسترجع به ما فقدته في صراعها الغير مباشر مع النظام الإسلامي في إيران، وزاد فشل عمليّة (مخلب النّسر)(3) من حيرتها وعجزها – وهي في مقام القوّة العظمى التي تخشاها أشدّ دول العالم قوّة وعسكرة – فلم تهدي إلى سبيل يخلّصها من هذا النظام المتمرّد عليها.
وها قد مرّت اليوم 42 سنة على انتصار ثورة قوم سلمان، الموعود أهلها بنوال الإيمان والرضا من الله(4)، وقيام نظامها الإسلامي بمرجعيّته الحكيمة، ومؤسساته المنتخبة، وانجازاته الواضحة، وفي كل يوم تظهر فيه إيران بجديد ما أنجزه أبناؤها، مفاجأة به العالم صديقا كان أم عدوّا، من أجل أن تمهّد به لغد طالما انتظره المسلمون، غدُ إشراقة الإسلام المحمدي الأصيل، ونشر راية وليه الأعظم في ربوع العالم، لينعم الناس جميعهم تحت حكمه العادل ودولته الفاضلة، بالأمن والطمأنينة، ويقاسمهم حقيقة الدّين، الحقّ خاليا من اسرائيليات اليهود، وتأويلات طغاة الأمّة، ليبسُط لهم جناح الرّحمة، ويهديهم سبُلَ السّلام.
وهي قطْعا دون شكّ دولة التمهيد، التي آلت على نفسها أن لا تدّخر جهدا، من أجل تعجيل فرج ظهور المصلح العالمي الكبير، الذي بدأ المؤمنون يتحسّسون وجوده بينهم، ويستجمعون قواهم لأجل خدمة أهدافه، ونشر فكره الإسلامي الأصيل، في العدلِ الإلهي الذي حمّله الله ميزانه، وفي المقابل خططت أمريكا ومعها دول الغرب والصهيونية من أجل قتل روح الإسلام السياسي في العالم السّني، ممثّلا في تنظيم داعش و(الإخوان المسلمين) وطالبان أخيرا، بإعادتها إلى السلطة في أفغانستان، لتكون نماذج حكم تاويليّ فاسد، من شأنه أن يوقع أصحابه في مطبّ التجاوزات، ومفاضلة أفراده وتمييزهم على بقية أفراد الشعب، بما أشاع كراهية هذه المسمّيات ونماذجها، في أوساط عامّة شعوب المنطقة، وهذا ما حصل فعلا، بحيث أن الإسلام اليوم بحاجة إلى نموذج صريح، تظهر عليه علامات النّجاح، يحقِّقٌ من خلاله ما تطمح به شعوبه، من عدالة وأمنٍ ضروريين، وإسباغه كما أرادت أمريكا بلبوس عجز وفشل، من شأنه أن يبعد عنه أكبر عدد ممكن من أهله، وهذا طمِحَ أعداء الإسلام الذي يريدون الوصول إليه.
يمكننا إذا أن نُحوْصِل الصراع القائم بين النظام الإسلامي في إيران، وأعدائه الظاهرين بلا قناع، يستهدف أساسا تشويه نظرية الإسلام السياسي، وتقديمها للمسلمين أوّلا، باعتبارهم بحدّ ذاتهم هدفا للتأثير عليهم، ولبقية شعوب العالم على أنها تمثل التخلّف، باعتمادها على قوانين إسلامية يراها الغرب والصهاينة مصدر إزعاج لهم، خصوصا في إعتماد مسألة البراءة من الإستكبار العالمي، وفضح أساليبه في استغلال مقدّرات الشعوب المستضعفة.
المصادر
1 – محمد مصدّق https://www.marefa.org/
2 – أزمة رهائن إيران https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – مخلب العقابhttps://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – عن أبي هريرة: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله، حين أنزلت سورة الجمعة، فتلاها، فلما بلغ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال له رجل: يا رسول الله، مَنْ هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على رأس سلمان الفارسي وقال: والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا، لناله رجال من هؤلاء. جامع أحاديث البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة ج6ص151ح4897/مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546/ مجمع البيان للطبرسي ج9ص 164 سورة الجمعة.