مويرا ميلان : “كل رصاصة تودي بحياة أخواتي وإخوتي الفلسطينيين تخترق جسدي”.
كثيرون لا يعرفون من هم شعوب المابوتشي, وأين يعيشون, وما هي قضيتهم وعلاقتهم بغزة والشعب الفلسطيني.. ومن هي مويرا ميلان , والحركة النسوية التي تتزعمها.
زعيمة حركة نساء السكان الأصليين “من أجل العيش الكريم” مويرا ميلان, هي مناضلة من الطراز الرفيع, تنتمي إلى إحدى قبائل وشعوب السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية, وتعرّف عن نفسها وحركتها بالقول: “نحن حركة تنطلق من الأرض نفسها، ونستحق أن يُسمع صوتنا, وأن نُعامل على قدم المساواة, ونقف بوجه العنف ضد الأرض وضد أجسادنا، وضد أرواحنا أيضاً”.
والمابوتشي في الأصل هي عبارة عن تجمّع لعدة قبائل وشعوب, كانت تقطن إقليم مابوتشي، بجنوب باتاغونيا، الخاضع لإدارة الأرجنتين, والتي احتفظت باستقلالها حتى أواخر القرن التاسع عشر, وما بين الاحتلال الإسباني وغزو التشيلي للمناطق الصحراوية في الأرجنتين, تشتت شملهم وكادت تختفي هويتهم وضاعت أراضيهم, وعاشوا كالغرباء بين شعوب دول أمريكا اللاتينية, لكنهم لا زالوا يناضلون لإسترجاع الأرض، ويطالبون بحقوقهم كسكان أصليين في كل من الأرجنتين وتشيلي.
والمناضلة مويرا ميلان وهي من مواليد اّب/أغسطس 1970, وكانت قد ظهرت كناشطة في مجال حقوق المرأة, وخصوصاً نساء شعبها من السكان الأصليين, كنّ قد عانين الكثير من العنصرية، في مجتمعٍ رفض “الهنود”، وتعالى على هزيمة المابوتشي, واستعبد الناجيات منهم.
انتقلت مويرا إلى البرازيل وبدأت بنشر العقيدة الإنجيلية، وشاركت في المجتمع الكنسي الذي ينتمي إليه حزب العمال بقيادة لولا دا سيلفا, وكان همها استعادة جذورها الأصلية، والعودة إلى أراضي الاّباء والأجداد, وفي العام 2012 قادت سلسلة لقاءات مع نساء الشعوب الأصلية في الأرجنتين، واستطاعت قيادة أول مسيرة نسوية عام 2015 تحت شعار “من أجل عيشٍ كريم”.
رسالة مناضلة المابوتشي إلى أخواتها الفلسطينيات …
عبّرت زعيمة المابوتشي في 4/ديسمبر الماضي, عن تضامنها مع المرأة الفلسطينية, في ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي, وفي ظل المجازر, وجرائم الإبادة الجماعية, التي ترتكبها قواته العسكرية بحق أهالي غزة ونسائها وأطفالها, في رسالة مفتوحة, جاء فيها :
شقيقتي الفلسطينية، أكتب إليك من أراضٍ بعيدة جداً، من إقليمي بولمابو ومابوتشي، في جنوب باتاغونيا، الخاضع لإدارة دولة الأرجنتين.
أنا ابنة أمةٍ تتعرض أيضاً للغزو، لكن شعبي لا يزال يتذكر أيام حريته، مثل شعبك، أيتها الأخت الحبيبة، وأعرف أيضاً ظلم سلب الملكية، وألم الإبادة الجماعية، والخراب والاستعباد على أراضينا، وقتلنا وترحيلنا القسري.. وأمتي تدرك معنى لامبالاة العالم بنا، ولا نزال حتى اليوم نعاني من هيمنة الأرجنتين والتشيلي كدولتين استعماريتين، اللتين تستمران في اضطهادنا وسجننا وقتلنا.
لقد نجت عائلتي بأعجوبة من معسكرات الاعتقال والتعذيب والإبادة, في المكان الذي أتيت منه وأنتمي إليه، ومن سلالةٍ متجذرة في أعماق ذاكرة هذه الأرض، أمة أصيلة شجاعة مليئة بالكرامة.
سنوات والشعب الفلسطيني يسكن قلبي، منذ أن علمت أنه هناك في الشرق الأوسط البعيد والقريب جداً، قصة مشابهة لقصتنا تتحدث عن شعب أصيل، هو الشعب الفلسطيني الذي غزته “إسرائيل” الإستعمارية, وضعكم مشابه جداً لوضعنا مع فارق بضعة عقود، منذ أن أنهت الدولة الأرجنتينية حملة الإبادة الجماعية في نهاية القرن التاسع عشر، بعدما استقرت نهائياً في بولمابو في أوائل القرن العشرين.
كل رصاصة تودي بحياة إخوتي وأخواتي الفلسطينيين تخترق جسدي, وأنا أعيش الإبادة الجماعية من جديد مع كل قنبلة تسقط على غزة، ومع مقتل كل طفل فيها, وموت الأبرياء في كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية على يد “إسرائيل”.
تلقيت الكثير العلوم وتعاليم فلسفة شعب مابوتشي من كهولنا، وعن ذاك الصابر الذي يقضي الليل، كي يستطيع الإرتقاء بإنسانيته, وبأنه علينا أن نمر بالعقبات، والآلام، والأحزان العميقة، وبليلٍ حالك, كي يشرق يوم جديد جميل وذو معنى.
وأتساءل: متى سنقضي الليل, ماذا حدث للشعب اليهودي، الذي قضى ليله الطويل والعميق أيضاً ؟ هل لا زال في الظلام؟ أم اختطفهم أسياد الليل؟ وهل سيطرت وحوش الليل على العالم، وخدرت حواسنا بأقراصها المنومة والممزوجة بأكاذيبها.
سيكون لدينا الكثير من الصابرين أختي الحبيبة, وستنجو شعوب الأرض من الليل عاجلاً وليس آجلاً، وسيتعين على القوات العسكرية الاستعمارية أن تستسلم في مواجهة وحدة الشعوب, ولا بد لهم أن يستسلموا أيضاً أمام تضامن وقوة العدالة والأخوة الإنسانية, التي ستستمر في دفع الناس للنزول إلى الشوارع والتظاهر في جميع أنحاء العالم، مقتنعين رغم غياب العدالة التي يستحقها المجرمون، بأنه ستكون هناك عدالة, وليس سلام.
لقد دأبت قوات الاحتلال على إطلاق ماكيناتها الإعلامية لإسكات ضمائر الشعوب، ولتبرير جرائمها البشعة أمام العالم, فالسرد الاستعماري يبدأ بوصم الضحايا بأنهم إرهابيون، وبأن الدول الإرهابية هي المنفذة للعدالة.
إن أمة مابوتشي تعرف جيداً تلك الحكاية المنحرفة، التي تخدم المضطهِدين, والغالبية العظمى من سكان العالم لا يشككون في العنصرية التي تشكل بحد ذاتها عقيدة الديمقراطيات البغيضة.
يبدو أن عدد صغير في العالم, ممن يحتكرون السلطة العنصرية هم عنصريون أساساً, وقد قرروا أن حياة الشعوب حتى العنصرية منها لا أهمية لها, وأعرف أن جزءاً من المستوطنين اليهود يتعرضون للقمع من قبل الطغاة ومرتكبي الإبادة الجماعية, الذين يحكمون “إسرائيل”, لأنهم رفعوا أصواتهم وصرخوا بغضب وبأنهم لن يسمحوا بمواصلة قتل شعبٍ بإسمهم, وقد عانى العديد منهم سوء المعاملة والتعذيب والسجن, على يد قوات القمع التابعة للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والصهيونية الفاشية, بسبب شعورهم بإنسانيتهم, وبالخجل من القتلة الذين يدعون تمثيلهم, إنهم يذكرونني بالأرجنتينيين الذين خرجوا بشجاعة للتنديد بالحكومة, وللتضامن مع شعب مابوتشي عندما أُطلق الرصاص على أطفالنا، صحيح أنهم كانوا قليلي العدد, لكن دائماً سيكون هناك شجاعٌ وحكيم ليقول “كفى”.
أختي الفلسطينية الحبيبة, أتمنى أن تجتمع نساء العالم معاً في الدعوة إلى إضراب عالمي ضد الإبادة الجماعية، ووقف الحرب, وبإرسال الرسالةً إلى أولئك المستفيدين من الحرب, ومن المجازر، بأننا مصممون على استعادة حقنا في العدالة والسلام.
أؤمن إيماناً راسخاً بقوتنا، وبقدرتنا على خلق الإجماع الدولي، وبقدرتنا على إظهار أهمية الحفاظ على حياة البشر رغم كل الخلافات.
أختي الفلسطينية العزيزة، أحتضن شعبك بكل كياني وبمحبتي, وأشعر بالخجل من محدوديتي وعجزي في مواجهة ما تمرون به, صدقيني، أتمنى لو كنت معكم , وأنا كإمرأة من المابوتشي، أدرك معنى الحصار والحرمان، وكم هو رائعٌ أن نمد يد العون والدعم لكم في هذه المحنة, وأحلم اختاه بحرية شعبك بقدر ما أحلم بحريتي, وستنتصر فلسطين, ونحن معكم من أجل الأرض والعدالة والحرية.