الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

هدنة إجتماعية» إعَادَةً إنتاج ل«الوحدة القومية» البورقيبية

يكرر سارقوا الثورة الشبابية التونسية منذ عام 2011 المناورة

تلك المناورة من أجل احتواء المطالب الشعبية التي جعلت فجر 14 جانفي ينبلج. وذلك منذ مناورة فض اعتصام القصبة إلى مناورة شعار «الهدنة الإجتماعية».

1) إن مناورة غادري مشروع «الثورة» التونسية لا تختلف جوهريا عن مناورات الدولة البورقيبية بعد سنة 1955. فشعار«الهدنة الإجتماعية» الراهن هو نفسه شعار«الوحدة القومية» الذي رفعته دولة بورقيبة  فكانت تلك «الوحدة القومية» تعني اضمحلال الاستقلالية الذاتية للمنظمات الوطنية والجمعيات المدنية، فضلا عن إقصاء أهم مكونات المجنمعين السياسي والمدني:  الفئات الشعبية المستقلة. فأصبح الإتحاد العام التونسي للشغل جزءا من«جبهة قومية»، ليكون عنصرا مندمجا بالحزب الحاكم ، معبئا الناس وراء«ااشتراكية» مشوهة، تساهم في مزيد استغلال المالكين الكبار لشركائهم الضعفاء.

2)وهذه «الهدنة الإجتماعية» إنما هي -أيضا- مسار استراتيجي لتأسيس دكتاتورية صامتة، تؤمّن استمرار انحراف الدولة العميقة الجديدة عن مطالب السيادة والعدالة الإجتماعية والوحدة المغاربية والعربية. وهي أيضا مسار استراتيجي للالتفاف على مطلب الديمقراطية القاعدية التي تتمثل في القدرة على المشاركة السياسية لدى مؤسسات (أوسع العائلات التونسية،  منشآت الإقتصاد الإجتماعي-الشعبي…) وجمعيات ومنظمات لا تمثل النخبة وسماسرة السياسة التبعيين، بل تمثل عمق المطالب الشعبية في التنمية المستديمة والسيادة الوطنية والتحالف مع الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الثالث. والنقطة الأخطر في هذا الالتفاف هي حصر المجتمع في النظام، من خلال إقصاء حجر الزاوية فيه: عامة الشعب، المعبرة الصادقة عن هموم المجتمع ومشاكله.

3) يداري سارقو «ثورة» الشباب (17ديسمبر-14جانفي) ومجهضو القصبة1 والقصبة2، نقيصتهم الجوهرية في أنهم بدون«مشروع» أي أطروحة في التغيير الإجتماعي- الإقتصادي-البيئي-الثقافي التقدمي، فيبحثون في مراعاة تجارب المركز الإمبريالي ( فنجد وزير الصحة السابق مثلا يقلد الحكومة الفرنسية عندما تفرض الحجر الصحي، ويرفعه عندما ترفعه تلك الحكومة). ونجدهم يستنسخون تجارب ومناويل فاشلة جربتها دولة بورقيبة ودولة بن علي.  فليس لهم إلا شعارات انتخابية واضحة الهوى الكمبرادوري. وبهذه «الهدنة» تقع أي نفس استقلالي وسيادي ونقدي باسم الوحدة والمصلحة الوطنيتين والاستقرار وتجريمه.

4) إنهم يعيدون إنتاج برامج غير إنسانية. ولقد كانت الحركة الإجتماعية «برسبكتيف» أرقى منهم، عندما نادت في مشروعها (وهي المعارضة الوحيدة ذات المشروع في تاريخ«المعارضات» التونسية) بأنسنة المشكلات التونسية. ونحن اليوم في حاجة إلى مراجعة عميقة لنضجها المبكر في ستينيات القرن العشرين إذ كَرَّست من أجل المشروع

 «تَجَمُّعَ الدراسات والعمل الإشتراكي» باعتبار أن المشروع لا يكون إلا بالبحث العلمي الميداني والمصاغ بلغة يفهمها كل الشعب. وقد كان ذلك التجمع مكونا من طلبة وخريجين جدد، ولكن كانت إرادتهم الوطنية صلبة جدا، وحب الوطن يصنع ما يبدو معجزات.

5) إن أطروحة «الهدنة الإجتماعية» مسار استراتيجي لحصر القرار السياسي ومركزته  في أيدي الأثرياء وأصحاب المصالح الجدد والدولة العميقة الجديدة (التي تتعطل حركة المرور وتجند كل طاقات الدولة من أجل تأمين أعراسهم ومآتمهم) وسماسرة المركز الإمبريالي، ومصادرة الحريات، ومصادرة أدوار الحركة الإجتماعية التقدمية، ومهام المجتمع المدني، من أجل نظام سياسي دون إرادة شعبية، لعدم ثقة هؤلاء السماسرة في الشعب. والأخطر من ذلك ضرب القانون والدستور عرض الحائط، دون محاسبة بتعلة مصلحة وطنية محصورة في مصلحة رائدي «الهدنة»، وتعريض النفس الوطني-الشعبي

 (من أمثال عبد المؤمن بالعانس وعبد الجبار المدوري) إلى التجريم. وبذلك يصبح إلياس الفخفاخ «الفاسد» يعمل لفائدة المصلحة الوطنية باسم «هدنة الكورونا»، بينما حافظ نويرة البحّار الفقير مدانا لأن مركبه الصغير سرقه الحارقون وهو في طور التسجيل، الذي تأخر بفعل البيروقراطية.  

6) ماهو مطلوب هو التفاف أوسع القوى الشعبية الحية حول مشروع عدالي-سيادي-شعبي، يقوم على فكرة عبقرية خلاقة يقودها مثقفون شعبيون خلاقون قادرون على ابتكار البصيرة التغييرية-الإنقاذية.

7) إننا ندعو إلى بدء العمل الجماعي-الشعبي في إنجاز مشروع إنقاذ تونس اليوم اليوم، الآن الآن. إن المشروع هو بين أيدينا جميعا، ولا يستطيع أحد منا، إذا لم يحمل تعهده الشخصي أن يتهم الآخرين بالإخفاق. إن مشروع الأمل قابل للتحقق، وهو يستدعي كل فريق وكل فرد إلى إضافة إسهامه النقدي والإبداعي في وضع مشروع جديد للحضارة الإنسانية. وربما كان الجهد المعرفي الخلاق لعبد الجليل البدوي ومحمد اللومي وجلبار نقاش ونورالدين بن خضر ومنتدى التفكير في الحراك العربي…، وغيرهم  من الْمُنَظِّرِين الصادقين مع شعبهم، في مقدمة تبلور هذا المشروع.

ختاما: في مقابل استنساخ التبعيين ندعو إلى تمثل إنساني-خلاق حداثي للعمق المعارضي البرسبكتيفي، في سياق طموحات أبناء الشعب الحافظي-النويري. 

 

                                                          

شاهد أيضاً

كتب د. عادل بلكحلة: جرائم ثقافية…والوزارة لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم!

منذ نحو 4 أشهر لا وجود لمنشورات وزارة الثقافة الكويتية (سلسلة “عالم المعرفة”،”مجلة الثقافة العالمية”…). …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024