جاء الكشف عن اعتزام الولايات المتحدة نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بمنطقة الخليج، ليثير تساؤلات حول الدول التي سينشر بها هذا النظام المضاد للصواريخ والقذائف، والمدى الذي وصلت له علاقة دول الخليج
بإسرائيل، والأهم سبب نشر القبة الحديدية بهذه المنطقة رغم وجود نظام باتريوت الأمريكي.
وكشفت صحيفة “Haaretz” الإسرائيلية الأحد 24 يناير/كانون الثاني 2021، أن تل أبيب سمحت للولايات المتحدة بمباشرة تركيب نظام “القبة الحديدية”، الذي اشتراه الجيش الأمريكي مؤخراً، في منطقة الخليج العربي، بالتنسيق مع مسؤولين إسرائيليين كبار، في خطوة لم تكن مدرجة في اتفاق التطبيع الذي وقعته الإمارات والبحرين معها.
نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بمنطقة الخليج ليس جزءاً من صفقة التطبيع
وطلبت وزارة الدفاع والصناعات العسكرية من هيئات الرقابة تخفيف قيود التصدير على أنظمة الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك القبة الحديدية. تعتقد الصناعات الدفاعية أنه من الممكن إنتاج نسخ تصدير وبيعها لعدد من الدول التي تجنبت إسرائيل حتى الآن بيع أنظمة أسلحة متطورة إليها.
وبسبب حساسية الأمر بالنسبة للأمريكيين يرفض المسؤولون الإسرائيليون الكشف عن الدول التي ستنشر فيها صواريخ القبة الحديدية. لكن وراء الأبواب المغلقة أعطت إسرائيل موافقتها الضمنية للأمريكيين لوضع البطاريات للدفاع عن قواتها من هجمات إيران ووكلائها، بحسب مسؤولين إسرائيليين.
وينفي المسؤولون الإسرائيليون أن يكون نشر نظام القبة الحديدية في منطقة الخليج جزءاً من اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج، حيث من الواضح أن عملية النشر هذه بالأساس عملية مرتبطة بحاجة الولايات المتحدة وحلفائها للحماية من أنواع معينة من التهديدات التي لا تستطيع صواريخ باتريوت التصدي لها أو تتصدى لها بتكلفة أعلى من القبة الحديدية وفعالية أقل.
وفي هذا الإطار قال المسؤولون الإسرائيليون إنه إلى جانب دول الخليج، من المتوقع أيضاً نشر قوات في دول أوروبا الشرقية، خوفاً من أن تعرض روسيا للخطر القوات الأمريكية، أو البنية التحتية الاستراتيجية في تلك الدول.
يأتي ذلك على خلفية اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل ودولتين خليجيتين هما الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وصفقتين كبيرتين للأسلحة الأمريكية، إحداهما مع الإمارات والأخرى مع السعودية.
وقبل ثلاثة أسابيع، سلمت إسرائيل منظومة القبة الحديدية كجزء من اتفاقية لتوريد بطاريتين من القبة الحديدية تم توقيعها بين البلدين في أغسطس/آب 2019.
وتقول مصادر دفاعية إسرائيلية إن الولايات المتحدة حصلت على موافقة كبار المسؤولين الإسرائيليين للبدء في نشر أنظمة الدفاع الصاروخي على القواعد العسكرية الأمريكية في عدد من الدول، بما في ذلك في الشرق الأوسط، وأوروبا والشرق الأقصى.
وقال وزير الدفاع بيني غانتس في حفل تسليم البطاريات الثانية: “أنا متأكد من أن النظام سيساعد الجيش الأمريكي في الدفاع عن الجنود الأمريكيين ضد التهديدات الباليستية والجوية”.
ومن المتوقع خلال بضعة شهور أن تقوم شركة “رفائيل” الإسرائيلية المصّنعة لمنظومة الدفاع الجوي، بالاشتراك مع شركة “رايثون” الأمريكية بإطلاق خط إنتاج صواريخ “القبة الحديدية” خارج إسرائيل، دون تصنيع قاذفاتها.
وقالت “هآرتس” إن تلك الخطوة “ستسهل عملية تصنيع الصواريخ الاعتراضية سواء للجيش الأمريكي أو لجيوش دول أخرى في أوروبا والخليج والشرق الأقصى، بما في ذلك دول امتنعت إسرائيل عن بيعها المنظومة لاعتبارات أمنية وسياسية”.
من هي الدول الخليجية التي ستنشر بها هذه الأسلحة؟
وسبق أن اختبر الجيش الإسرائيلي النظامين معاً، حسبما أعلن في إبريل/نيسان 2019.
وقال الجيش الإسرائيلي إن “جنوداً من سلاح الجو الإسرائيلي قاموا باعتراضات ناجحة لأهداف على ارتفاعات ونطاقات مختلفة بواسطة النظامين”.
وقال الجيش الإسرائيلي آنذاك “إن وفدين عسكريين أجنبيين زارا التدريبات، رافضاً تحديد البلدين.
وجاءت الوفود لمشاهدة التمرين ودراسة نتائجه. ستشارك الوفود في حلقة نقاش ستركز على المسائل المهنية والتعاون العسكري”، قال الجيش الإسرائيلي، حسب تقرير لموقع Times of Israel في إبريل/نيسان 2019.
ويؤشر هذا التكتم أن البلدين قد يكونان خليجيين، خاصة أنه في ذلك الوقت لم يكن التطبيع الخليجي مع إسرائيل قد وصل ذروته العلنية على الأقل.
وقبل ذلك وتحديداً في سبتمبر/أيلول 2018، ذكرت صحيفة سعودية أن الرياض وقعت اتفاقية لشراء بطارية القبة الحديدية من إسرائيل مع قيام الأمريكيين بدور الوسيط. سارعت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى نفي التقرير عن توقيع مثل هذه الصفقة- لكنها لم تنكر أن السعوديين طلبوا شراء النظام.
وسبق أن قال مصدر مقرّب من الحرس الثوري الإيراني لـ”عربي بوست”، رفض الكشف عن هويته: “نعلم جيداً أن أبوظبي تتستر على اتفاق أمني وعسكري بينها وبين إسرائيل، ونعلم أيضاً أنها تطمع في الحصول على نظام الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية)، الإسرائيلي، وهذا يؤكد شكوكنا ومخاوفنا بأن الاتفاق هو تحالف ضد إيران، ويجب على إيران الاستعداد للرد العسكري في أي وقت”.
كيف توظف إسرائيل النظامين؟
تحتفظ إسرائيل بنظام دفاع جوي متعدد المستويات مصمم لحماية أصولها الاستراتيجية من الهجمات الجوية يتضمن نظام باتريوت الأمريكي والقبة الحديدية الإسرائيلي وأنظمة أخرى.
الطبقة الدنيا للدفاع الجوي الإسرائيلي هي نظام القبة الحديدية القادر على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيَّرة الصغيرة وقذائف الهاون مثل تلك التي تطلق على إسرائيل من قطاع غزة أو من جنوب لبنان.
وتتكون الطبقة الوسطى من مقلاع ديفيد، والذي يُقصد به الدفاع ضد صواريخ مثل الإيرانية فاتح 110 وما يماثلها في سوريا M600، وكلاهما شهد استخداماً مكثفاً في الحرب الأهلية السورية ومن المعروف أنهما جزء من ترسانة حزب الله.
في الجزء العلوي للدفاع الجوي الإسرائيلي توجد أنظمة Patriot وArrow 2 وArrow 3، والتي تهدف إلى الاشتباك مع الصواريخ الباليستية طويلة المدى. كما تم استخدام صواريخ باتريوت في عدد من المناسبات ضد الطائرات والصواريخ مثل ما حدث عند إطلاق العراق صواريخ على إسرائيل في حرب الخليج الثانية.
لماذا يتم نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بمنطقة الخليج رغم وجود الباتريوت، وما الفرق بينهما؟
تمتلك معظم دول الخليج العربية أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ الباليستية والطائرات الحربية المقاتلة، (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت)، بل إن هذه المنظومة اكتسبت شهرتها خلال حرب الخليج الثانية، (حرب تحرير الكويت)، عندما استخدمت لحماية أراضي دول الخليج وبالأخص السعودية من صواريخ سكود التي أطلقها العراق، ونسخها التي طورتها بغداد من هذه الصواريخ السوفييتية العتيقة (الحسين والعباس).
ولكن هناك فوارق ملحوظة بين نظام باتريوت الأمريكي ونظام القبة الحديدية الإسرائيلي.
يهدف نظام الدفاع الجوي باتريوت إلى اعتراض كل من الطائرات القادمة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، بينما تم تصميم القبة الحديدية للتصدي للهجمات الصاروخية وقذائف الهاون قصيرة المدى، وكذلك بعض الطائرات بالأخص المسيرة.
وتم تطوير نظام القبة الحديدية الإسرائيلي من قبل شركة Rafael Advanced Defense Systems وIsrael Aerospace Industries، ويستخدمه الجيش الإسرائيلي منذ عام 2011.
التكلفة
يكلف صاروخ باتريوت واحد ما بين مليوني إلى ثلاثة ملايين دولار، وفي بعض المواقف التكتيكية، قد يكون استخدام واحد فقط من هذه الصواريخ من نواح كثيرة مثل محاولة قتل الدبابير بمطرقة ثقيلة.
في المقابل، يُقال إن صواريخ القبة الحديدية تكلف حوالي 62 ألف دولار نظراً لأنها أصغر بكثير.
كما أن تكلفة بطارية صواريخ القبة الحديدية أقل أيضاً. لذلك فإن استخدام صواريخ القبة الحديدية قد يكون أكثر جدوى مع الصواريخ الأصغر مثل الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على السعودية، وكذلك الطائرات المسيرة.
القبة الحديدية لا تطارد كل الصواريخ
يبدو أن بنية نظام القبة الحديدية مختلفة عن نظام باتريوت. تم تصميم بطارية باتريوت بأكملها لتكون متحركة ويمكن تشغيلها بشكل مستقل حيث إن كلاً من الرادار والقيادة والتحكم جزء من التثبيت المحمول. في حين أن بعضاً من هذا قد ينطبق على القبة الحديدية، فإن المزيد من عناصر نظامها ثابت والمناطق التي تحميها معروفة ومحددة جيداً.
بدلاً من مطاردة كل صاروخ أو قذيفة يتم إطلاقها يتتبع نظام القبة الحديدية الإسرائيلي كل صاروخ ويحدد ما إذا كان سيصطدم بشيء يحتاج إلى الحماية أم سيسقط على منطقة غير مأهولة ذات قيمة منخفضة.
إذا قرر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي أن هناك حاجة للاعتراض، فإنه يحسب بعد ذلك أفضل مكان للقيام بذلك بحيث يتجنب أن يؤدي الحطام المتساقط من تدمير الصاروخ الذي يستهدفه في الهواء إلى خطر على السكان أو الأهداف الثمينة.
لا يقتصر الأمر على قيام أجهزة الاستشعار والرماة بتتبع الأهداف وضربها بشكل موثوق، بل يمكن للقبة الحديدية، على عكس الأنظمة الأخرى، معرفة ما إذا كانت المقذوفة ستفقد الهدف وبالتالي يوفر اعتراضاً بلا جدوى قد يكلف ما قيمته 100 ألف دولار.
بينما تعمل الولايات المتحدة وروسيا والصين على أنظمة صاروخية متطورة تهدف إلى إسقاط الطائرات الشبح في حروب فائقة التقنية مع احتدام الحرب الإلكترونية والسيبرانية على طول الخطوط الجانبية، لا يمنع أي من أنظمة هذه الدول في الواقع العديد من الصواريخ أو قذائف الهاون.
حصل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي على استثمار بقيمة 429 مليون دولار من الولايات المتحدة في عام 2014، وأسقط نظام القبة الحديدية الإسرائيلي أكثر من 1200 قذيفة منذ أن دخل الخدمة في 2011، حتى عام 2019 عبر التصدي للهجمات المستمرة والمتفرقة من الفصائل الفلسطينية وحزب الله والقوات المتحالفة مع إيران في سوريا.
في حين أن نظام القبة الحديدية لا يعمل بالكامل بدون أخطاء، فإن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يصنفون القبة باستمرار على أنها تحقق نسبة نجاح 90% على حدود غزة، وهي واحدة من أكثر الأماكن نشاطاً في العالم للقذائف الباليستية.
الهجوم الذي قصم ظهر البعير
لم يواجه نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي المماثل باتريوت الكثير من المعارضة، لكنه فشل بشكل لافت في المملكة العربية السعودية في التصدي للتهديدات المتواضعة.
إذ أظهر استخدام السعودية لنظام باتريوت أنه إما يزيد خطأ المستخدم أو النظام نفسه يعاني من إخفاقات.
وعلى الرغم من ادعاء المملكة العربية السعودية نسبة نجاح عالية لنظام الصواريخ، فقد شرعت في التحدث مع روسيا حول الحصول على دفاعات صاروخية متطورة من طراز S-400 بعد فشل نظام باتريوت. كما سعى حلفاء الناتو مثل تركيا إلى زيادة دفاعاتهم بالنظام الروسي، مما تسبب في مشكلات مع الولايات المتحدة وغيرها.
في الضربات الصاروخية المتكررة من الحوثيين باستخدام الصواريخ الباليستية الإيرانية غير المتطورة نسبياً، فشلت الدفاعات الصاروخية باتريوت في السعودية، وأحياناً بشكل صادم.
ولكن يمكن القول إن الفشل الأكبر لصواريخ باتريوت في السعودية تجلى واضحاً في الهجوم الصادم الذي استهدف منشأة أرامكو السعودية، في سبتمبر/أيلول 2019، وأوقف 6% من إنتاج النفط العالمي لفترة.
استُخدِم في الهجوم 20 صاروخاً جوالاً وطائرة من دون طيار. ويتطلب شن مثل هذه العملية درجة عالية من دقة التنسيق والتواصل الآني، والملاحة، واختيار الهدف.
وأوضح الدمار الذي سببته الطائرات من دون طيار في السعودية أنَّ الإيرانيين يصنعون طائرات من دون طيار ويشغلونها (بقدرات تسلل ومحركات طائرات مميزة) متطورة، لدرجة أنها ليست متأخرة كثيراً عن القدرات الإسرائيلية في هذا المجال.
قدر الإسرائيليون معدل نجاح القصف بـ85%، وهي نسبة أعلى من بعض المعدلات الأمريكية، وهو ما يشير إلى القدرة المتطورة للتكنولوجيا المستخدمة وارتفاع إمكانية الاعتماد عليها.
وكشف الهجوم عن أن التكنولوجيا الإيرانية متطورة وموثوقة، والإيرانيون قادرون على إنتاج عدد ضخم من الصواريخ الجوالة والطائرات من دون طيار.
إذ يمتلك الجيش السعودي رادارات طيران كان ينبغي لها رصد الهجوم الوشيك. كما عجزت الولايات المتحدة عبر وجودها العسكري بالمنطقة عن رصد أية علامات كانت ستمكنها من اكتشاف الهجوم المحتمل (ومصدره، الذي قد يكون إيران أو اليمن).
يمكن توقع أن هجوم أرامكو إضافة إلى هجمات الحوثيين الأقل تقدماً أظهر أن نظام باتريوت المخصص للطائرات النفاثة والصواريخ الباليستية غير فعال أمام الهجمات التي تنفذ بواسطة القذائف والطائرات المسيرة وصواريخ الكروز والصواريخ البسيطة قصيرة المدى.
وفي أفضل أحواله فإن باتريوت نظام غير اقتصادي أمام هذه الهجمات التي بواسطة الأجسام الطائرة الرخيصة والصغيرة التي بات الإيرانيون وحلفاؤهم أميل لاستخدامها من الصواريخ الباليستية التي يفترض أن طهران تدخرها لحرب واسعة لا تفضل دخولها، بل تميل إلى خوض مغامرات صغيرة عبر هجمات غامضة تنفي مسؤوليتها عنها ولا تكلفها كثيراً مثلما حدث في هجمات أرامكو.
على الجانب الآخر فإن نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بمنطقة الخليج، يوفر ميزات تقنية لتل أبيب إضافة إلى المغزى السياسي لهذا الاختراق الأمني الكبير لدول الخليج.
إذ يعني ذلك ساحة إضافية لإسرائيل لاختبار أسلحتها دون التعرض لخطر أسلحة إيران وحلفائها خاصة أن نجاح هجوم أرامكو كان صادماً بالنسبة للإسرائيليين، وهم يحتاجون أن يكونوا قريبين من أسلحة الإيرانيين لمعرفة التطور الذي وصلوا له.
وهكذا يتيح نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بمنطقة الخليج لتل أبيب تطويره النظام دون أن يكون الثمن تعرض مواطنيها للخطر.
(عربي بوست)