لماذا كانت وفاة الشيخ صباح الأحمد آخِر الحُكماء العرب خسارةً كبيرةً للأُمّتين العربيّة والإسلاميّة في هذا الظّرف الصّعب؟ وكيف تُحافظ الكويت على إرثِه العظيم الحافِل بالإنجازات؟
بإعلان الديوان الأميري رسميًّا عصر الثلاثاء وفاة الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت في أحد المُستشفيات الأمريكيّة بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، تكون الكويت، والأمّتان العربيّة والإسلاميّة، خَسِرَت واحدًا من أبرز قادتها، وحُكمائها، في العصر الحديث، لما تميّز بِه الراحل من نفسٍ طويل، وعُمق البصيرة، وسِعَة الصّدر، وروح التّسامح، وبذلَ كُلّ الجُهود المُمكنة من أجل صالح بلاده وأمّته وعقيدته، وقِيادتها إلى برّ الأمان.
الشيخ صباح الأحمد كان يَقِف دائمًا في خندق القضيّة الفِلسطينيّة والدّفاع عنها، ودعم الشّعب الفِلسطيني في نِضاله المشروع من أجل تحرير أراضيه، ونيل حُقوقه المَشروعة، وإقامة دولته المُستقلّة وعاصِمتها القدس، وكان من أكثر القادة العرب وأصلبهم رفضًا للتّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي رُغم الضّغوط الشّرسة التي تعرّض لها من الولايات المتحدة، أو بعض الحُكومات العربيّة والخليجيّة.
إرث الأمير الراحل حافِلٌ بالإنجازات ففي الدّاخل الكويتيّ عَمِل على تحصين الوحدة الوطنيّة، ونبْذ الطائفيّة، وتحقيق المُساواة بين أبناء الوطن الواحد، وتسوية مُعظم الخِلافات بين أبناء الأُسرة الحاكمة والحِفاظ على تماسكها، وتكريس الديمقراطيّة الكويتيّة واستِمرارها وسيادة القانون في منطقةٍ مُزدحمةٍ بالديكتاتوريّات، وانتهاك حُقوق الإنسان ومُصادرة الرأي الآخر، أمّا في الخارج، وفي المُحيط الخليجيّ خاصّةً، فكان رسول السّلام، والوسيط المَقبول من جميع الأطراف وخاصّةً في الخِلاف الخليجيّ الأخير، ويكفي أنّه نجح في منع اشتِعال فتيل الحرب بين دولة قطر وخُصومها، وتخفيف حدّة التوتّر، ومنع حُدوث انقِسام مجلس التعاون وتفتيته، وحَرِصَ على علاقاتٍ قويّةٍ مع دول الجِوار، وخاصّةً إيران تقوم على أساس الحِوار والاحتِرام المُتبادل.
عرفنا أمير الكويت الرّاحل بشكلٍ جيّدٍ في هذه الصّحيفة، وفي صُحف قبلها، وتواصلنا معه لعُقودٍ بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر، وكان رجلا حكيمًا ودودًا مُتواضِعًا، وسياسيًّا في قمّة الدّهاء، وبُعد النّظر، حريصًا على التّواصل مع الرأي الآخَر في بعض القضايا بصَدرٍ رحب، ومن أجل مصلحة الكويت، وكان يترفّع على الأحقاد، ويميل دائمًا إلى التّسامح الحقيقيّ، والتطلّع إلى الأمام، وبُوصلته دائمًا مصلحة وطنه وأمّته وعقيدته.
خسارة الشيخ صباح الأحمد، وفي هذا الظّرف الصّعب الذي تَمُر به الأمّة العربيّة خسارةٌ كُبرى لا يُمكن تعويضها، فقد كان آخِر الحُكماء القابضين على جمْر ثَوابِت هذه الأُمّة وقيمها ووِحدَتها.
رحم الله الشيخ صباح الأحمد، ونُعزّي أنفسنا بوفاته مثلما نُعزّي الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، وشعب الكويت بطبيعة الحال، وأُسرته الحاكمة، وندعو الله أن تكون الجنّة مثواه الأخير وأن يحشره مع الصّالحين، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
“رأي اليوم”