وليد الكعبة…بقلم محمد الرصافي المقداد

وليد الكعبة…بقلم محمد الرصافي المقداد

   إن كل من لم يطّلع على شخصية علي عليه السلام، من وجهة صحيحة أو محايدة، تأخذه المفاجئة والاستغراب من العنوان، وتساءل عن العلاقة بين أبي الحسن علي بن أبي طالب علي السلام، والكعبة المشرفة؟ وكيف يمكن أن نجمع في التشبيه بين بيت، يختلف عن بقية البيوت، من حيث السببية والعلّية والمقام، وبين رجل اختلف فيه الناس اختلافا شديدا، وتباين الأمر بينهم، ما بين مفرط في حبه، ومبغض إلى حد إنزاله دون منزلته، وبهت مقامه، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟(1)

أولى الخصائص التي تميز بها أمير المؤمنين عليه السلام، بحيث لم تكن لأحد غيره على الإطلاق منذ وجدت الكعبة، هي ولادته المباركة في داخلها، تلك الولادة التي حرص أعداء علي عليه السلام ومبغضيه، على إعفائها من أمهات كتبهم، لأنها مثلت إشارة كبرى، ورمزا مؤكدا على القيمة الهامة التي يختزنها وليد الكعبة، بحيث ربط الله سبحانه وتعالى ولادة وليه ببيته، الذي جعله قبلة وقياما للناس، كأنما يريد أن ينبهنا إلى شيء هام، متعلق بوليد كعبته، وهو أن الشرف في ولادة علي عليه السلام في جوف الكعبة، ليس لعلي عليه السلام، وإنما هو للكعبة المشرفة، التي زادها تشريفا وفخرا، ولو أنطقها الله تعالى، لافتخرت وتشرفت بذلك الفضل العظيم.

في شهر الله الحرام رجب، وفي ليلة الجمعة الثالثة عشرة من سنة 30 من عام الفيل، وفي داخل بيته الحرام، كانت ولادة علي عليه السلام، في حدث انفرد به وحده، فلم يشاركه فيه أحد من العالمين.

عن يزيد بن قعنب قال: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب(رض) بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملا به، وقد أخذها الطلق فقالت: يا رب إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، واني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وأنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، والمولود الذي في بطني، إلا يسرت علي ولادتي، فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة بنت أسد فيه، وغابت عن أبصارنا، وعاد الجدار إلى حاله، وأردنا أن نفتح قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى، ثم خرجت في اليوم الرابع، وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.(2)

ولئن حاول من حاول التعمية على خصوصية ولادة علي عليه السلام داخل الكعبة، لانحراف عن شخصه، فإننا يجب علينا إحقاقا لحق علي عليه السلام، أن نقف أمام هذا الشرف، الذي لم يحزه أحد غيره، والروايات التي تحدثت بشيء من التفصيل، جاءت من الحفّاظ الذين صنفوا ضمن المعارضة، لأنظمة الحكم التي استبدّت وطغت، وحكمت رقاب المسلمين بالهوى واتباع مسالك الشيطان، فتركت كتاباتهم، لأنها جاءت متعارضة مع المنهج الذي خطه أولئك الظلمة.

ولد إذا علي عليه السلام في داخل الكعبة المشرفة، في اليوم الثالث عشر من شهر رجب، قبل البعثة باثني عشر سنة، وقد صرح بذلك ابن صباغ المالكي، صاحب الفصول المهمة، والمسعودي صاحب مروج الذهب، والحلبي صاحب السيرة الحلبية، وقال الشيخ المفيد في الإرشاد: ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه، إكراما من الله جل اسمه له بذلك، إجلالا لمحله في التعظيم.(3)

وذكر الألوسي في شرح عينية عبد الباقي قوله: وكون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت، أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة.(4)

يقول السيد الحميري:

ولــــــدته في حرم الإله وأمنه     والــبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كــريمة     طـابت وطاب وليدها والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها     وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لف في خرق القوابل مـثله     إلا ابـن آمـنة الـنبي مــحـــمـد

ازدادت تلك البقعة الشريفة طهارة وتشريفا، بأن ازدانت بمولد سيد الوصيين عليه السلام، ففي داخلها وضعت السيدة فاطمة بنت أسد وليدها المبارك، الذي سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا، تيمنا بإسمي الله تعالى ” العلي والأعلى”، واسم علي كاسم محمد، لم يدرجا في تسميات العصر الجاهلي، ولا كانا معهودين في القبائل العربية قبل ذلك الوقت، وهو ما يرجح أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى في ذلك إشارة، أو أمرا بتسميته على ذلك النحو.

وما الحديث القدسي الذي أخرجه الحمويني الشافعي، وعدد من الحفاظ، إلا دليل يقوي فرضية التسمية التي ذكرناها:

…قال : يا محمد إني قد اطلعت إلى الأرض اطلاعة، فاخترتك منها، واشتققت لك اسما من أسمائي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت ثانية فاخترت منها عليا، واشتققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي.(5)

وقد خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، عندما زوجها عليا بقوله: أما ترضين أن الله اطلع على أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك؟(9)

ولقد شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا بالكعبة فقال:” يا علي أنت كالكعبة تؤتى ولا تأتي.”(10)

باعتباره أوضح الأمثلة التي تنطبق على إمام الأمة بعده، فالناس من أجل تحصيل التوبة والإنابة، وغفران الذنوب، محتاجون إلى الذهاب إلى الكعبة، التي تمثل رمز الحج إلى الله تعالى، والوفادة إلى حرمه، وقد فعل ذلك الخليفة الثاني، كلما استشكل عليه أمر من حكم ونحوه، فكان يبادر في كل مرة إلى علي عليه السلام، حيث يستجلي منه ما أشكل عليه، واحتار هو وبطانته دونه، ولم يجد له حلا، وما تزال كلمات إقراره واعترافه بفضل علي عليه السلام تتردد إلى اليوم، بين المصادر التي تحدثت عن سيرة الرجلين.

كذلك الأمة الإسلامية محتاجة من أجل بقاء دينها غضا طريا، وتحصيل هدايتها، إلى الإمام المبين الذي أحصى الله تعالى فيه كل شيء، وهو علي عليه السلام، قال تعالى:” وكل شيء أحصيناه في إمام مبين”.(11)

شبه علي عليه السلام بالكعبة بقي متواصلا، وعلاقته بها استمرت يكتنفها الود والمحبة، فقد وجدت الكعبة في علي عليه السلام، المطهر لها من أصنام الرجس في مناسبتين، الأولى قبل الهجرة والمرة الثانية أثناء فتح مكة، وكان آذان الله ورسوله يوم الحج الأكبر بالبراءة من المشركين وتحريم دخولهم إلى المسجد الحرام بعد ذلك العام.

 المصادر

1 – نهج البلاغة ج2ص11 رقم 123

2 – مستدرك الصحيحين للحاكم ج3ص 483 / الفصول المهمة لابن صباغ المالكي ص30/ 3 –

3 – مستدرك الصحيحين للحاكم ج3ص550 ح6044 / نور الابصار للشبلنجي ص76 / الفصول المهمة لابن الصباغ ص29 / أعيان الشيعة ج1ص323/324

4 – السيرة الحلبية ج1ص268

5 – فرائد السمطين ج2 أخر المجلد مقتل الحسين للخوارزمي ج1ص95 ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص486

6– المستدرك على الصحيحين ج3ص140ح4645 / جامع الأحاديث للسيوطي ج16ص236ح7786 / تاريخ بغداد ج4ص195/ اسد الغابة ج4ص127/ المعجم الكبير للطبراني ج3ص57ح2675 وج4ص171 ح4046

7 – أسد الغابة ج4ص112 /فردوس الاخبار للديلمي ج5ص315ح8300 /كنوز الحقائق للمناوي ص 188

8 – سورة يس الآية 12

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023