قد يتبادر الى البعض السؤال التالي: بعد سلسة الخيانات المرتكبة والتي لا تزال حلقاتها متواصلة بحق القضية الفلسطينية، ماذا سيكون مصيرها لو لم يكن النظام الاسلامي في ايران موجودا؟
سؤال أتى على خلفية رأى فيها أصحابه، أن واقع الحال العربي والاسلامي اليوم، يشهد على خيبات مني بها النظام الرسمي العربي والاسلامي، تسلسلت وقائعها وأحداثها، ووصلت بالقضية الفلسطينية اليوم، الى حال من البؤس واليأس، من الخروج منها بنتيجة ذات فائدة، تعطي حقا واحدا ولو نسبيا، لشعب أعياه ظلم أهله، وانهكته معاناته الطويلة من عدوّ لا يرحم. قضية اغتصاب فلسطين وإبادة وتشريد شعبها، بدأت أحداثها منذ اكثر من 70 عاما، لم يجد لها أصحابها حلّا، وكلما امتدّت أيديهم طلبا للمساعدة من اخوانهم في الدّم والدين، كلما عادت خاوية الوفاض، وكل ما قدّم لهم من مبادرات عربية ودولية، لم تكن سوى تنازلات وخيانات مبطّنة، صبّت في صالح المعتدي الصهيوني.
اهتمام الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية، وإعطائها حيزا كبيرا من مشاغله السياسية، انتهى به الى تقديمها وجعلها قضيته المركزية، فهو الذي أمر بإغلاق السفارة الصهيونية بعد انتصار ثورته مباشرة، وتسليم مقرها الى منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح في اليوم الموالي سفارة فلسطين، ثم وبعد ستة أشهر فقط، من قيام النظام الإسلامي، ببركة وجوده وفكره المحمّدي الأصيل، وجّه الامام الخميني نداءه التاريخي، الى الشعب الإيراني وبقية الشعوب الاسلامية والمستضعفة، باعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوما عالميا للقدس، قال فيه: (أدعو جميع مسلمي العالم، إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التي هي من أيام القدر، ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الإتحاد العالمي للمسلمين، دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم.) نداء لم يكن أحد يجرؤ عليه، سواه، فأعطى للقضية الفلسطينية بعدها الاسلامي العميق، والذي بدأت ثماره بالظهور سريعا، بين أوساط الشعب الفلسطيني، الذي قامت فيه حركات مقاومة اسلامية، ملكت زمام التصدّي لعربدة العدو الصهيوني، والقدرة على مواجهته – رغم تباين موازين القوى- وتعبئة جماهيره في مسيرات العودة وكسر الحصار، التي انطلقت من غزة منذ سنة ونيّف، لتؤكّد ان دعوة الامام الخميني لنصرة القضية الفلسطينية، قد وعتها آذان الجماهير وفهمت من خلالها أن السبيل الوحيد للنصر على العدوّ الصهيوني يكمن في تثبيت عناصر المقاومة بين جماهير الأمة، وهي قادرة على تحقيق انجاز الانتصار والغلبة.
لم يكتفِ الإمام الخميني بإصدار إعلانه الهامّ، بل ذهب الى تحميل حكومته وشعبه ما سيترتب عليه ذلك، من مساع حثيثة لإنجاح المبادرة نظريا وعمليا، أمّا على المستوى النظري، فقد كان إحياء اليوم العالمي للقدس منذ ذلك التاريخ الى اليوم، عامل تحشيد للقوى الشعبيّة الاسلامية والعالمية، من أجل الوقوف الحقيقي الى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وأما على المستوى العملي، فقد بدأت عناصر المقاومة بالتشكل، من أجل مواجهة الكيان الصهيوني، وقد حققت بفضل الله تعالى انتصارات هامّة، ما كانت لتحصل، لولا جهود الجمهورية الاسلامية الجبارة، من أجل تأسيسها ماديا ومعنويا. لقد ادرك الكيان الصهيوني وحلفاؤه بزعامة أمريكا، أن مشروع تحرير فلسطين، الذي تدعمه وترعاه إيران الاسلامية، يشكل خطرا جسيما على مشاريعهم التوسعية في العالم الاسلامي، فعملوا على محاصرة ايران، وتسليط العقوبات الظالمة عليها، محاولة منهم في عرقلتها وتعطيل جهودها، لكنهم رغم قوة ما اتخذوه من اجراءات، فشلوا في ما سعوا اليه، وحاصل ما رأوه ميدانيا، نجاح محور المقاومة الذي تقوده ايران، في النموّ والتوسّع، ليبلغ اليوم مستوى القدرة على مواجهة أعدائه.
اليوم وبعد فشل المشروع الامريكي، في سيطرة العصابات الارهابية التكفيرية، على سوريا والعراق ولبنان، وإخضاع الجميع لمشيئة للكيان الصهيوني، بالتالي قبول صفقة القرن التي تقضي بالتفريط في القدس وكامل فلسطين، وتوطين الشعب الفلسطيني في قسم من سيناء، وبذلك تطوى صفحة القضية الفلسطينية، لم يعد هناك من سبيل على أمريكا وحلفائها سوى القيام بمؤامرة أخيرة، تمثلت في تهديد ايران وارهابها نظاما وشعبا، بإرسال مزيد من القطع البحرية العسكرية الامريكية، قريبا من مياهها الاقليمية، وفي نفس الوقت إرسال رسائل عبر سلطنة عمان ودول اخرى، من أجل ثني إيران عن مشروعها في تحرير فلسطين. تخبّط امريكا دفعها الى الاستعانة بحلفائها وعملائها من الانظمة العربية، من أجل تمرير مشروعها الاستئصالي للقضية، وتبرئة الكيان الصهيوني من جميع جرائمه واعتباره صديقا، وتخطئة النظام الاسلامي في ايران ومحاولة تغيير موقعه من مناصر للقضية وفاعل قوىّ فيها، في عملية دعائية خبيثة، تهدف الى ارباك التصور الشعبي العربي والاسلامي لمصطلحي الارهاب والمقاومة، بتحويل المقاومة الفلسطينية واللبنانية الى ارهاب، بما يمكّن الكيان الصهيوني من الظهور بمظهر المستهدف في وجوده، من طرف تلك العناصر، وأعتقد أن الشعوب العربية والاسلامية أصبحت مدركة اليوم، أبعاد ما يراد جرها اليه، وحرفها عن مسارها الصحيح، في اتجاه هدف التحرير بالمقاومة الشعبية.
لأجل ذلك دعا الامام الخامنئي قائد الثورة الاسلامية، الى اعتبار يوم القدس العالمي لهذا العام، أهمّ من كل عام، بما سيترتّب عليه من حضور جماهيري كثيف، ردّا شعبيا بقواعده الواسعة والعريضة في إيران والعالم، على صفقة القرن المزمع تمريرها، وإسقاط ما استجمعته أمريكا وأذنابها من أمل في انجاحها، وانهاء القضية الفلسطينية. يوم القدس هو يوم من ايام الله القادمة ونفحة من نفحات رجال الله في نصرة مستضعفيه، غدا ستثمر شجرته فاتحة خير عميم، ليس للمسلمين فقط، وانما للمستضعفين في العالم، ويوم القدس باختصار شديد، كما وصفه الامام الخميني هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين.