بقلم: تحسين الحلبي |
تدل التطورات المتلاحقة منذ عام 2018 حتى هذه اللحظة على أن خطة «صفقة القرن» لا تهدف فقط إلى تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني فقط بل هي آخر الأوراق الأمريكية – الصهيونية لإنقاذ الكيان الصهيوني من أخطر أزمة غير مسبوقة يمر فيها منذ عام 1948 برغم حالة الانقسام العربي وزيادة مظاهر استعداد بعض الدول العربية المتنفذة مالياً لتطبيع العلاقات معه والسكوت على محاولاته إغلاق ملف الصراع العربي – الصهيوني ومن أهم مظاهر أزمة الكيان الراهنة:
أولاً – عجز الحزبين الكبيرين «الليكود» و«أزرق أبيض» عن تشكيل حكومة ائتلافية تحظى بـ61 مقعداً، بل عجزهما عن الاتفاق على حكومة مشتركة تجمع 70 مقعداً (لأن كل حزب فاز بـ 35 مقعداً) بعد تعثر جهودهما في تجنيد أحزاب صغيرة تحقق لليّكود أو لحزب أزرق أبيض أغلبية. ولذلك اضطر الكيان الصهيوني إلى إجراء انتخابات ثانية تقررت في أيلول المقبل.. وبقيت حكومة الليكود برئاسة نتنياهو في السلطة لتصريف الأعمال (وهي الحكومة التي يتولى فيها نتنياهو حقيبة وزارة الحرب منذ استقالة أفيغدور ليبرمان في تشرين الثاني 2018 وهذا ما يضعف قدرتها على اتخاذ القرارات الاستراتيجية بل هذا ما جعل ترامب يؤجل العرض الرسمي لصفقة القرن إلى تشرين الثاني المقبل).
ثانياً – بدأ التناقص الحاد وغير المألوف لعدد المهاجرين إلى الكيان يُنذر متزعميه بخطر زادت مضاعفاته بعد أن تبين أن أكثر من مليون ونصف المليون غادروا – في هجرة معاكسة – خلال العقود الثلاثة الماضية واستقر معظمهم في البلاد التي جاؤوا منها في أوروبا وروسيا، وآخرون اتجهوا نحو الولايات المتحدة، وذلك بموجب أرقام وزارة الهجرة والاستيعاب والوكالة اليهودية التي تتابع مهمة تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، بل إن رئيس الوكالة اليهودية بوغي هيرتسوغ – رئيس حزب العمل سابقاً – اتجه نحو الولايات المتحدة لإقناع أصحاب الهجرة المعاكسة بالتراجع والقيام بهجرة ثانية وهو ما يدل على أنه عاجز عن إقناع اليهود الأمريكيين الآخرين بالهجرة وهم الذين يزيد عددهم على عدد «الإسرائيليين» الموجودين في الكيان.
ثالثاً – يعترف قادة الجيش الصهيوني بمختلف مستوياتهم – من رئيس الأركان حتى رئيس المخابرات العسكرية – منذ عام 2018 أن انتصار سورية وحلفائها في الحرب التي شنت عليها طوال السنوات الثماني الماضية أدى إلى تدعيم قوة جبهات الحرب التي تواجهها «إسرائيل» لتصبح أربعاً.. اثنتان في الشمال (سورية وجنوب لبنان) واثنتان في جنوب الكيان الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية، ويعترف هؤلاء أيضاً بأن الجيش الصهيوني ليس من مصلحته – في ظل هذا الوضع – شن حرب شاملة، لأنها ستحرك الجبهات الأربع، وأن عليه المحاولة بكل طاقته للمحافظة على الأمر الواقع بعمليات تكتيكية بانتظار أي (حل) عسكري أمريكي أو سياسي يُنهي هذا الوضع الذي بدأت تزداد فيه قدرات هذه الجبهات من دون أن تستطيع «إسرائيل» منع ازديادها.
ولذلك أصبح الكيان الإسرائيلي الآن يحاول بشكل محموم الاعتماد على خيارين بديلين مترابطين نسبياً: الأول تحريض ترامب على شن حرب مباشرة على إيران والاستفراد بها (لتفتيت) قدراتها، وتالياً قدرات حليفتها سورية لخلق جبهة بعيدة عن الكيان وإشغال الجميع بها.. والخيار الثاني فرض «صفقة القرن» على الشعب الفلسطيني والمنطقة للتخلص من جبهتي الضفة وغزة، فصفقة القرن تشكل الحل التصفوي الذي يجعل الكيان يستفرد بالفلسطينيين وينقذ نفسه من تفاقم أزماته ومضاعفاتها على مستقبل وجوده الذي بدأت الشكوك حوله تحتل حيزاً ملحوظاً وبارزاً، خصوصاً فيما يتعلق بجدوى «إسرائيل» ليهود العالم بعد أن تبين أنها عجزت عن ضمان أمن اليهود فيها طوال العقود الماضية نتيجة استمرار اعتمادها على الحروب لحماية وجودها، في حين أن يهود الخارج يعيشون في بلدانهم السابقة من دون أي ضرورة لمثل هذه الحروب وما تكلفه من أثمان بشرية واجتماعية واقتصادية.
ولذلك يصبح إحباط «صفقة القرن» انتصاراً مزدوجاً للقضية الفلسطينية ولحقوق الفلسطينيين وتعميقاً لأزمة هذا الكيان وتدهوراً عملياً لمستقبل وجوده.