أخبار عاجلة

  في “زَرْدَة الإنتخابات” الرّئاسية في تونس ومنشّطاتها… بقلم د. مصباح الشيباني

لم نجد مصطلحا أقرب من كلمة “الزّرْدة” (المهرجان التقليدي السّنوي بمناسبة الاحتفال ببركات الولي الصالح) يمكن أن نوصف ما تعيشه تونس اليوم بمناسبة الإعداد للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في 15 سبتمبر 2019. فكل من يتابع المشهد السياسي، من خلال مختلف الوسائل الإعلامية ( التلفزية والفيسبوكية وغيرها) يقف عند عدد من النتائج المهمة التي تمكننا من فهم شخصية المواطن عبر مقاربة “ميثولوجيا المعتقد” في السياسية التي لا تختلف كثيرا عن “ميثولوجيا الاعتقاد” والمقدس (الأولياء الصالحين) التي كتبت فيها عديد الدراسات والمؤلفات في العلوم الإنسانية والأنثربولوجيا الثقافية والدينية خاصة.

لقد كشفت الحملة الانتخابية وعبر مختلف مناشطها ( الإعلامية وسبر الآراء واللقاءات المباشرة مع الجمهور..) أنّنا نعيش في حالة مهرجاني “زَرْدَوِي” و “قُرْبَاني” بأتم معنى الكلمة. ومن أهم تجليات هذا المهرجان “الزّردوي” هو الاعتقاد من قبل الشعب ( عامّة ونُخْبة) أن المترشّح للرّئاسة هو في مقام “الولي الصالح” ( بالنسبة إلى أنصاره ومؤيّديه) الذي سينقذ البلاد والعباد، وسوف يحقّق لها كل أمنيات الشعب، التي لم تتحقق منذ أكثر من نصف قرن، ويخلصه من مشاكل الظلم والتبعية والفقر …الخ، بينما في واقع الحال، حتى لو افترضنا أن الإنتخابات شفافة( هناك عديد الخروقات القانونية ــ الشكلية والجوهرية ــ التي حدثت ومن المفترض تبطل الانتخابات، مثل المال السياسي وتسخير مؤسسات الدّولة لصالح مترشحين دون غيرهم) ، لا يعدو أن يكون حارسًا أمينا لحماية مصالح أسياده، طالما أنه لم يبطل مفعول الاتفاقيات والسياسات التي شرّع بها حكامنا ــ القدامى والجدد ــ سلب سيادة تونس. فتونس ليست جزيرة معزولة عن العالم حتى يقرّر رئيسها ما يريد، أو يحقق ما يوعد به زوّاره وأتباعه. وما يدعّم هذه المقاربة الاحتفالية ودورها في إعادة إنتاج “الوعدة الإنتخابية”، أنه خلال السنوات الماضية، أصبحت تونس من أكثر الدول العربية فسادا وانهيارا وتراجعا في كل المؤشّرات التنموية وفي مختلف القطاعات.

ليس مصادفة بالتأكيد، أن تكون الكثير من العقول مسكونة اليوم بفكرة “الإنتخابات” و” الديمقراطية” نتيجة المبالغات التي تترتب على هذه ” الكذبة” الغامضة والمفهومة بشكل سيء من قبل البعض، والهذيان “العقلي” الذي هو نتيجة لها في مختلف الأوساط الإعلامية والأكاديمية والحزبية. وعمّ الانحلال كل الأنشطة السياسية، ليُغيّب التركيز على الموضوعات الجوهرية (السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليم وغيرها) ويتوقف التفكير في المسائل الهامشية والشكلية.

لقد تحوّلت هذه الحملة الانتخابية من أداة لتقييم المشهد السياسي ومحاسبة الفاسدين والخونة في الوطن إلى مجرّد قربان احتفالي لا يختلف عن القربان الذي كان يقدمه الناس للأولياء الصالحين في الماضي، بهدف شرعنة الأسطورة وإعادة إنتاجها. وبمجرد انتهاء المناسك الاحتفالية يعود الشعب إلى حالة التنويم دون أن يدرك الغايات التي قدّم من أجلها “الوعدة” ( القربان) لـ”وليه الصالح”، فأصبح الهدف الوحيد من هذه “الزّردة الإنتخابية” ( التي يصفها البعض خطأ بالديمقراطية) هو الإعلان عن مبدأ الطّاعة والوفاء والاعتقاد الأعمى في “بركاته” حتى ولو فوّت في البلاد إلى المستعمر!

 

شاهد أيضاً

 “جَرَسِيّة الارهاب” في تونس وإيقاعاته على أوتار الأحداث الوطنية !…بقلم: د. مصباح الشيباني

  لم يعد الفساد في تونس ظاهرة شاذّة أو مخفية، كما لم يعد فشل الحكومة …