الأربعاء , 20 نوفمبر 2024
Breaking News

لن تحكم تونس بوعد واهن أو بكرتون مقرونة… بقلم محمد الرصافي المقداد

شهدت تونس منذ أيام عرسا ديمقراطيا حقيقيا، بقطع النظر عن نسبة المشاركة فيه، والتي ظلت على حالها، من عزوف الشعب عن المشاركة في الانتخابات السابقة، بسبب امتعاضه، وعدم رضاه بالمردود البائس، الذي سجّله اعضاء البرلمان والحكومة، دفع به الى مقاطعة الانتخابات، بنسبة فاقت نصف المسجلين، في قوائم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

والذي غير الوضع الذي لبس الانتخابات السابقة أن هناك مترشحين صادقين، ونظيفي الأيدي والعقول، لا يخضعون للمؤثرات الخارجية، دفع بنسبة كبيرة من الشباب الى اختيار الأستاذ قيس سعيد المتخصص في القانون، ليصعدوا به الى المرتبة الاولى من بين 26 مترشحا ومتقدّما بثلاث نقاط عن ملاحقه، ويحقق مفاجأة كبرى في الدور الأول للانتخابات الرئاسية، متفوقا على شخصيات معروفة في الحكومة والأحزاب، لم تحقق مقابله ما كانت عامله.

ترشيح قيس سعيد، تم بواسطة شباب، أغلبية أعمارهم ما بين 18 و25 سنة، بما يمكن أن نطلق عليها غضبة شبابية، دفعتهم إلى التعبير عنها، بهذا الاسلوب الديمقراطي، ورسالة واضحة إلى الأحزاب والحكومة، بأنهم لم يعودوا يمثلون شيئا في قاموسه السياسي، وان فرصتهم في تقديم شيء لهم ولبلادهم قد استنفدوها، ولم يعد هناك مجال لإعادة تجربة انتخابهم مرة أخرى بلا فائدة.

ردة فعل غير متوقعة، خصوصا وأن هناك أطراف سياسية معروفة، قد دخلت الانتخابات مطمئنة، بان النتيجة ستكون لصالحها، واخص بالذكر منها الائتلاف الحاكم ( النهضة والنداء) الذين لم يستوعبا الصدمة التي تلقتها قياداتهم وقواعدهم، وهم الى الان يعيشون حالة من الإرباك داخل أوساطهم، وصلت الى حد الاستقالات ومطالبة زعمائها بالاعتزال السياسي، كما حصل لقيادات من حركة النهضة.

وأعتقد جازما بأن ما حصل يوم الدّور الاول من الانتخابات الرئاسية بتونس، يعتبر حالة فريدة وغير متوقعة، أذهلت اعداء تونس اولا، وهؤلاء هم المستعمرون، وقوى الاستكبار العالمي، الذين ما فتئوا يبذلون قصارى جهودهم، من أجل السيطرة على الدول الضعيفة، وتسخير شعوبها لخدمة مصالحها، ونهب خيراتها وتوجيهها الوجهة التي تريحهم، وتساعدهم على مزيد من التحكم فيها، اقتصاديا وفي قرارتها السياسية السيادية.

لذلك أقول، إن هؤلاء المستعمرين وناهبي خيرات الشعوب، سيتحركون من أجل تدارك هذه الزّلة التي وقع فيها عملاؤهم ببلادنا، بما يهدد بسحب بساط الحكم من تحت أقدامهم، وفي ذلك تهديد جدّي لمصالحهم، وكشف غير مرغوب فيه من خفاياهم، المتعلقة بعقودهم واتفاقياتهم المبرمة مع تونس، وقد يقع بسب ذلك فتح ملفات قديمة، ستظهر فيها حقائق مخفيّة الاتفاق المبرم بين عن بورقيبة ومانديس فرانس، ذلك الذي دنّس تاريخ الحركة والوطنية بعمالته لفرنسا، ونزوله عند شروطها، بما سمح لها أن تغنم من تونس، أكثر مما كانت تغنمه وهي محتلة للبلاد.

من لم تعجبهم النتائج التي اسفر عنها الدّور الأوّل من الانتخابات الرئاسية، وعوض أن يستوعبوا الدرس ويعودوا الى أنفسهم فيحاسبوها، ذهب عدد من المترشحين الساقطين، الى تقديم طلبات طعون في النتائج لأسباب مختلفة، لكنها جميعها غير مقنعة، ولا تعبّر إلّا عن تعطيل لتحديد موعد الدور الثاني، والفاصل بين المترشحين الأول والثاني قيس سعيد ونبيل القروي يبعد كل شبهة تجاوز، ولا يمكن التأثير في النتيجة الحاصلة، حتى لو زيد لأي طرف آخر – خصوصا الزبيدي الرابع – من الاصوات.

تزامنا مع هذا الهلع والارتباك الواضح الذي داخَل الطاعنين، بدأ اعلام الخزي والعار في شن هجمات تشويه على المترشح الأول قيس سعيد، فكتبوا عنه ما شاء لهم من التجريح في شخصه، والتشكيك في امكانياته، وقدرته على الاضطلاع بمهام الرئاسة، وايهام المواطن التونسي بانتمائه الفكري، على أساس نه إسلامي ينتمي إلى حزب متطرف، تراوح بين حزب التحرير وداعش، الى ما هنالك من شطحات اعلام فاسد، تعرّت منه عورة قبيحة، كنا نراها زمن بورقيبة وبن علي، مزوقة بحبر خيانة وطن، ومساهمة معتبرة في تضليل شعب مظلوم، انتكس الى حد انه كاد يفقد هويّته.

وأنّة الشعب التونسي بشيبه وشبابه، برجاله ونسائه، وخصوصا هذا الشباب الذي دخل الضياع من أبوابه العريضة، أوصلته اليها سياسات خاطئة، لحكومات تعاقبت عليه زمنا، لم ترقب فيه إلّا ولا ذمّة، ومنها حكومات ما بعد الثورة، الى حافة اليأس المميت، من مستقبل يقون فيه أنفسهم من الخصاصة والبطالة، بإتاحة فرص العمل للجميع بكرامة وعزة، وهذا حق من حقوق المواطنة في أي بلد ديمقراطي.

الانتفاضة الشعبية التي عبر عنها شباب، شاعرون حقيقة بالخطر الداهم على بلادهم، جاءت لتأخذ مشعل تصحيح مسار الثورة، واعادتها الى سكة الفعل الحقيقي، الذي انتظره الشعب التونسي طيلة ثماني سنوات وثلاث ارباع سنة، ولم يتحقق منه شيئا، لتؤثر على المشهد السياسي في البلاد، كما أثّر رفاقهم من قبل، فأطاحوا بنظام حكم بن علي المستبد في 14/1/2011 .

ارادة التغيير في هذا الشباب عادت لتتقد من جديد ولم يعد يجدي تدخل أي طرف في اقناع هؤلاء بتغيير مواقفهم من ازاحة السيستام القديم واستبداله بالية معبّرة عن الثورة الحقيقية بكل زخمها وطفرتها في اقتلاع الفساد من جذوره، والقطع مع مسار العمالة والارتهان للغرب، وضرورة التعامل بندّية مع الخارج، قرار وطني أصبح ملحّا – بعد استباحة بلادنا من طرف المقيم العام الفرنسي- يبدو اليوم اقرب للتحقق من أي وقت مضى.

لقد دخنا اليوم في مسار استحقاقي سيؤتي أكله بعد حين، اذا تشبث الشعب بحسن خياره الذي اختاره، ومضى فيه الى النهاية، متحدّيا جميع العوائق سوف تعترضه، وقد بدأت ماكينة الغرب وعملائه تحركها لعلها تفشله، حيث انه لم تعد تنفع المناشدات التي صدرت من هنا وهناك، لتلافي النقائص والانحرافات السابقة، ففي كلمة له قال الشيخ راشد الغنوشي: “أدعوكم الى أن تجددوا الثقة في حزب النهضة، نريد أن تكون قفة المواطن مليانة ومرفقة، كما يشتهي المواطن من إنتاج بلاده. كأني به يبحث عن طريق الى بطون الشعب المرتهن حتى  في لقمة عيشه.” السؤال الموجه اليه اين كان قبل هذا التاريخ؟ أكان غائبا عن البلاد حتى لا يشعر بجسامة الوضع المعيشي على المواطن؟ أم أن الطريقة التي توخاها نبيل القروي، بكراتين المساعدات الغذائية، لمختلف المناطق المحرومة قد اتت أكلها، وجاءت بنتيجة ترشحه للدور الثاني من الرئاسية، وبالتالي سيكون لكلامه أثر في استعادة ما فقدته النهضة من اصوات شياب، كانت متأملة فيها خيرا، لكنه خاب ظنهم فيها.

ما يهمّ الشباب التونسي حقيقة هو كرامته، وحرّية بلده اللتين يعمل الآن على استعادتهما بكل وعي بأن دوره الفاعل على الساحة السياسية قد بدأ فعلا، واستعادته لزمام المبادرة، لا يكون الا بسحب البساط من تحت أرجل خاب ظنه فيها، واعتقد أنه لن يعيد التجربة معها هذه المرة.

من جهة أخرى، جاءنا في الاعلام، أن بقايا النصف الآخر من السيستام، وما عبروا عنه بالعائلة الوسطية – أصحاب الجنسيات المزدوجة – التي (وتضم مهدي جمعة وسعيد العايدي وناجي جلول ومحسن مرزوق) بينما يجدر أن يطلق عليهم، نواب فرنسا وامريكا وبريطانيا، والساهرين على حظوظهم، يعمل على تجميعهم عبد الكريم الزبيدي، من اجل تفادي السقوط والمدويّ، والخسارة الكبرى في الانتخابات التشريعية التي هي على الابواب، ويبدو أنهم قد استبعدوا يوسف الشاهد، أملا في تلميع تجمعهم واعطائه صفة صلاح ما، هؤلاء أيضا لم يعد لهم خيار وبقي لهم بصيص أمل، قد يقدم عليه الغرب وهذه طريقته في التأثير على قرارات الشعوب، وارباك مسارها، فهو إما سيعمل على تزوير واسع النطاق للانتخابات، من اجل عودة السيستام القديم، أو سيلجأ لاغتيال قيس سعيد، وادخال البلاد في فوضى، لأنه بعدها سوف ينتفض الشعب، ولن يفلت زمام الحكم من يديه، مهما تفنن الغرب وعملاؤه في فتنة الشعب التونسي، القادم خير يا ابناء وطني العزيز، فتفائلوا ايها المظلومين، ولكن احذروا احذروا احذروا، فان العدوّ متعدد، وله أوجه وأذرع، تعمل تحت مسميات خادعة، ولنعمل جميعا على الحد من آثارها السلبية، على طموحاتنا ومستقبلنا، عاشت تونس حرة مستقلة وأبيّة.

 

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024