إن استمرار تصاعد أعداد المصابين بالفيروس بما يتجاوز العشرة ملايين إنسان حول العالم, يضع إشارة الإستفهام حول عدم إيجاد اللقاح “المنقذ” حتى الاّن, في الوقت الذي تتكرر في جرائم القتل العنصرية بعد مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة.. الأمر الذي يطرح السؤال عن العدد النهائي المطلوب لوقف إنتشار الفيروس والبدء بمحاصرته والقضاء عليه, وعن مدى التسخين والفوضى الذي لم يحققه مقتل فلويد, مما استدعى استمرار الجرائم المماثلة للوصول إلى معدل الفوضى والإحتقان المطلوب.
لا يمكن التكهن حول ماهية “جنود” الفيروس غير المرئي, رغم الإتهامات السياسية المتبادلة بين عديد الدول, ولا يمكن الإعتماد فقط على النسب الأعلى للإصابة في بعض الدول لإعتبارها دولا ً مستهدفة من أعدائها المعروفين, فالأمر مرتبط بعشرات الإحتمالات, وبترهل أو فساد أو ضعف النظام الصحي للدول, ومدى جدية وسرعة ونجاعة أساليب المواجهة الطبية التي اتبعت فيها.
وفي جميع الأحوال, يمكن إعتبار أن ما يمر به العالم حاليا ً من صراعات جدية ومباشرة , بأنه فصل من الفصول التمهيدية للحرب العالمية الثالثة، فيما تستمر المنافسة للسيطرة على العالم بين عدة دول, وهذا ليس إتهاما ً, ويمكن الإعتماد على من جاهر وأعلن هذا الهدف.
فقد أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد أحداث 11/9 إنطلاق حروب بلاده للسيطرة على العالم, مستفيدا ً من إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق, وخضوع غالبية دول القارة العجوز للهيمنة الأمريكية, فكانت الحرب على العراق وتدميره بوابة هبوب رياح الربيع العربي, الذي منح المشروع الصهيو – أمريكي إمكانية مهاجمة روسيا وإيران والصين إنطلاقا ً من مركز العالم والمجال الحيوي لكل منهم, ومنحه إمكانية الإقتراب أكثر فأكثر من دول الشرق الأقصى والهندي, ومحاصرة بعض الدول المتمردة في القارة اللاتينية.
لكن تعثر المشروع كشف نقاط الضعف للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي, وساهم في ظهور قوى عظمى جديدة كالصين وروسيا، وبات على الجميع الإعتراف بالمشهد الدولي الجديد وبعالمٍ متعدد الأقطاب, لن تكون فيه الولايات المتحدة السيد الأوحد وشرطي العالم, الأمر الذي دفعها لإستخدام سلاح العقوبات الأحادية والحصار واستبدال حروبها العسكرية بالحروب التجارية والإقتصادية, على وقع فوضى الفيروس التاجي, وفوضى العنصرية, وعشرات الصراعات الثنائية من سوريا إلى ليبيا وتركيا واليونان ولبنان ومصر ودول الخليج العربي وإثيوبيا والسودان والهند وباكستان وإيران وأمريكا والكوريتين …إلخ, على وقع فوضى إنسحابها من عديد الإتفاقات الدولية مع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا , ناهيك عن إحداث شرخ في بنية حلف الناتو, وبعلاقاتها مع ألمانيا وبتقاربها من بولندا بوجه روسيا….إلخ.
ومع ظهور وتفشي جائحة الفيروس التاجي, تضاعفت سرعة تغيير المشهد السياسي العالمي, وبدأت عديد دول الإتحاد الأوروبي تتجه شرقا ً للبحث عن تحالفاتٍ جديدة, فقد منحتهم فوضى السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية الفرصة للتخلص من سطوتها وهيمنتها, ومنحت الروس والصينين الفرصة لتقديم أنفسهم كبديل موثوق.
يمكن رفض هذا المنطق, لكن على أحدهم أن يقدم التفسير للظهور المفاجئ للكورونا, ولإرتكاب جريمة خنق فلويد أمام عدسات الكاميرات, خلال ما يزيد عن ثمانية دقائق, ارتكبها صديقه الشرطي الأبيض .. ومالذي يعنيه تفجير الشارع الأمريكي اليوم بين البيض والملونين حصريا ً, من يستطيع تفسير العنف الذي يمارسه البيض والتكسير والتخريب وحمل السلاح والترويج للحرب الأهلية هناك.
من هم البيض, ومن يقودهم, وماذا يريدون ..؟ يجدر بنا أن نحيل هذه الأسئلة للرئيس دونالد ترامب الذي أعلنها صراحة “أنا رجل أبيض”, وهلل له سفاح نيوزلندا “برينتون تارانت” قبل عام, ووصفه بأنه “رمزٌ للهوية البيضاء المتجددة والهدف المشترك”, وارتكب جريمة المسجدين في كرايست تشيرتش, وترك كُتيبا ًهاما ً, أجاب من خلاله على كافة الأسئلة التي طرحناها وتلك التي تجول في أذهانكم.
فقد وجه رسائله إلى الولايات المتحدة الأمريكية كممثل للجنس الأبيض الذي أسس أمريكا, ولتركيا الدولة الحالية كممثل لدولة الخلافة العثمانية, ورسائل خاصة لمن دعاهم بالأوروبيين البيض... وأسهب الشرح حول “القومية البيضاء”، “الإستبدال العظيم”، و”الإبادة الجماعية الكبرى”، رافضا ً لنظرية “الإنصهار”، والتعددية والديمقراطية الأمريكية، وقارب هذه الملفات، من خلال مسارين الأول عرقي عنصري إنتقامي، والثاني ديني متطرف بحت...وكان واضحا ً بتعريف البيض وبأنهم الشعب الأوروبي الحقيقي في أوروبا وحيث وطأت أقدامهم ( على سبيل المثال , في البرازيل والأرجنتين واستراليا ونيوزيلندا ).
وعبّر عن خشيتهم من”الاستبدال العظيم” للغالبية البيضاء بغيرهم من السود والمهاجرين والأقليات … هذه النظرية التي يتجمع حولها اليمين المتطرف في عموم أوروبا, ويجد أصحابها أن الهجرات الجماعية ستؤدي إلى صدامٍ مباشر, وأنها شكلٌ من أشكال “استعمار أوروبا”… هل يستطيع أحدكم تحديد عدد “البيض”, وتقييم توجهاتهم الإيديولوجية القومية المصبوغة بالعنصرية والكراهية وميلهم للعنف والإجرام ؟.
ماذا عن تركيا ممثل دولة الخلافة … فقد توعد “تارانت الأبيض” إسطنبول وماّذنها ومساجدها, وطالب الدولة والشعب التركي بالعودة إلى الأراضي التي أتوا منها, وألاّ يتخطوا أراضي شرق البوسفور والإستيطان فيه وإلاّ “فسيُقتلون” … وأراد إخراجها من الناتو و”إعادتها إلى مكانتها الطبيعية كقوة غريبة ومعادية”, واستحضر الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية تحت عنوان ديني دفعتها لتخطي حدودها واحتلال أراضي الأوروبيين البيض, واستجلبت بشر غرباء بالعرق والدين, وارتكبت الجرائم وسفكت دماء الأوروبيين البيض , ولم ينس أن يطالب بقتل أردوغان الذي قدم نفسه كقائد إسلامي وكزعيمٍ إرهابي لكافة التنظيمات المتوحشة كداعش والنصرة والإخوان المسلمين... ناهيك عما يقوم به من دفعٍ للموجات البشرية وللغرباء نحو أوروبا “بلاد البيض”, الأمر الذي يعزز تحقيق غايات وأهداف نظرية “الإستبدال العظيم”.
من الواضح أن ترامب كرئيس أبيض، لا يتحدث عن عشرات المجازر العنصرية التي قام بها أجدادهم, في أوروبا وأفريقيا وأمريكا, وبأنهم طبقوا “الإستبدال العظيم” على عشرات الشعوب والأمم, وجلبوا البشر عنوة ً ليعبروا “حدود البيض”, وأسسوا على أكتافهم مملكة الشرّ الساعية للسيطرة على العالم.
لا يمكن التمييز بين كلام تارانت وترامب فكلاهما من البيض, ويتحدثان عن “الإبادة الجماعية الكبرى”، ولطاما وقف ترامب إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب, واتخذ عشرات القرارات التي تعزز بقائهم وتوسعهم وإستخدامهم لمئات اّلاف الأفارقة والأقليات، للوصول إلى “الإستبدال العظيم” في فلسطين المحتلة.
وعلى الرغم من إطلاق ترامب لبعض التصريحات “المهدئة” للسود والأقليات , إلا أنه ممن يعارضون فكرة “الإنصهار” ويبحث في مكنوناته العنصرية عن “الديمقراطية والحرية – البيضاء”, فقد وصف المتظاهرين بأبشع الألفاظ والنعوت وتوعدهم بدفع الثمن.
خاتمة….لا يمكن تفادي الحرب العالمية الثالثة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على العالم, ولا بد للثور الأبيض أن يهدأ من تلقائه, فبذور الفتن التي زرعتها الويات المتحدة, وتعويلها على النزعات العنصرية والدينية والعرقية والقومية على كامل مساحة العالم, وقيادتها لمئات اّلاف المتطرفين والإرهابيين, يجعل العالم قلقا ًوخائفا ً, وربما يقدم لها العقلاء – الكبار بعضا ًمن أهدافها ليكون طوق نجاةٍ للعالم قبل أن يكون طوقا ً لنجاتها, ليحصل العالم على فرصة تأجيل الحرب العالمية الثالثة, وإخماد حرائق الـ”كورونا” والعنصرية البغيضة, وبعض الحروب الساخنة في العالم.