تلقّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفعةً قويّةً، ومُهينةً، يوم الجمعة عندما أسقط مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يُطالب بتمديد حظر بيع الأسلحة لخَصمِه الإيراني، والأهم من ذلك أنّ المشروع لم يَحظَ إلا بتأييدِ دولةٍ واحدةٍ هي جمهوريّة الدومنيكان وامتناع 11 دولة عن التّصويت من بينها تونس، إلى جانب مُعارضة كُل مِن الصين وروسيا.
خُطورة هذه الصّفعة المُؤلمة تأتي في كَشفِها عن حجم الخِلافات بين الولايات المتحدة وشُركائها الأوروبيين، وخاصّةً فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي كانت مِن بين الدّول التي امتنعت عن التّصويت في رسالةٍ واضحةٍ تُؤكّد أنّ الزّمن الذي كانت تتحكّم فيه واشنطن بالسّيطرة على الأُمم المتحدة، والتحدّث باسم العالم الغربيّ، قد ولّى، وربّما إلى غير رجعةٍ.
الإيرانيّون الذين احتفلوا بهذا الانتِصار لَعِبوا أوراقهم بشَكلٍ جيّد، عندما وجّهوا إنذارًا قبيل التّصويت إلى الدّول الأوروبيّة مفاده أنّ تصويتهم إلى جانب مشروع القرار الامريكي سيُؤدّي إلى نهاية الاتّفاق النووي والتِزامها به بالتّالي، ويبدو أنّ هذا التّهديد أعطى ثِماره بقوّةٍ.
صفاقة الرئيس ترامب ووقاحته بلغت ذروتها عندما توعّد بإعادة فرض العُقوبات وتمديد حظر الأسلحة بتفعيل بُنود في الاتّفاق النووي (الزّناد) تُعطيه هذا الحق، الأمر الذي أثار سُخرية مُعظم المُراقبين، فكيف يُفعّل هذه البُنود في اتّفاقٍ انسحب مِنه قبل عامين؟
***
تصويت كُل من الصين وروسيا ضدّ مشروع القرار الأمريكي وتعطيلها له، دون الحاجة لاستخدام حقّ النقض (الفيتو) يَعكِس حجم تراخِي القبضة الأمريكيّة في المنظّمة الدوليّة، وتمرّد الدّول الأعضاء على زعامة واشنطن، وتجلّى ذلك بوضوحٍ بامتِناع مُعظمها عن التّصويت في مجلس الأمن، وهذا تطوّرٌ غير مسبوق.
الآن، وبعد الفشل الأمريكي الذّريع الذي جاء قبل شهرين تقريبًا من بدء الانتخابات الرئاسيّة، سيُفتَح الباب “نظريًّا” أمام تدفّق صادرات الأسلحة الروسيّة والصينيّة الحديثة إلى جمهورية إيران الإسلاميّة اعتبارًا مِن الخريف المُقبل (حظر الأسلحة ينتهي في 16 تشرين أوّل المُقبل) ممّا سيحرم ترامب من ورقةٍ انتخابيّةٍ في غاية الأهميّة.
القيادة الإيرانيّة التي تمتلك ترسانةً مُزدحمةً بالصّواريخ الدّقيقة مِن مُختلف الأحجام والأبعاد، علاوةً على أعدادٍ هائلةٍ مِن الغوّاصات والزّوارق والسّفن الحربيّة، والمُسيّرات الجويّة، ما زالت تُعاني من نقصٍ حادٍّ في امتلاك طائرات حربيّة، ودبّابات، وهُناك تقارير تؤكّد أنّ روسيا وافقت مَبدئيًّا على بيع إيران طائرات مُقاتلة مِن نوع “سو 57″ و”سو 35” التي تُضاهي نظيراتها الأمريكيّة، وربّما تتفوّق عليها، إلى جانب دبّابات من نوعِ “تي 90″، ومنظومات صواريخ “إس 400” وطائرات عموديّة هُجوميّة من نوعِ “هيلكوبتر KA52”.
***
امتلاك إيران لهذه الأسلحة الروسيّة الحديثة إذا تأكّد، ودرّة تاجها منظومات صواريخ “إس 400” سيُؤدّي إلى خلق قوّة ردع إقليميّة عُظمى، وسُقوط مُعظم، إنْ لم يَكُن كُل، مُعادلات التفوّق العسكريّ الإسرائيليّة السّابقة، وزعزعة النّفوذ الأمريكيّ في مِنطقة الخليج بشَكلٍ كبير.
الزّعامة الأمريكيّة للعالم تتآكل بشكلٍ مُتسارعٍ في ظِل صُعود القِيادة الصينيّة الروسيّة البديلة، وهزيمة مشروع القرار الأمريكيّ الأخير في الأمم المتحدة ومجلس أمنها هو المُؤشّر الأهم الذي يُبشِّر بالعديد مِن المُفاجآت القادمة، وما علينا إلا الصّبر والانتظار.