الخميس , 19 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

رحل ترامب …”الترامبية” باقية وتتمدد!!…بقلم الدكتور عماد البشتاوي

إن تسارع و تطور الأحداث, قبيل و أثناء و بعد الانتخابات الأمريكية , فتحت الأبواب لسيل واسع من التساؤلات و التحليلات , في محاولة لفهم و استقصاء ما جرى و استشراف القادم . الرئيس الأمريكي بايدن , و من خلفه أركان إدارته ومراكز القوى , يرمون بكل ثقلهم, في محاولة منهم لترميم و إصلاح , ما أفسدته “الترامبية” من سياسات و قرارات ,عكست انقسامات و أحدثت شروخاً, ليس بالسهولة بمكان جسرها, أو سد فجواتها في السنوات القليلة القادمة .

إن ما يواجه بايدن و المجتمع الأمريكي, ليس التخلص من ترامب , أو ضمان عدم عودته رئيساً مرة أخرى , سواء من خلال الحزب الجمهوري – و هذا هو المرجح – أو من خلال حزب سيعمل على انشائه- في حال عدم ترشيحه من قبل الحزب الجمهوري – واضعاً فيه عصارة شخصيته و ايدلوجيته العنصرية . إن التحدي الأكبر هو “الترامبية” و ليس ترامب.

بعيداً عن مستقبل معارك بايدن التي سيخوضها- في محاولة منه لإعادة صورة “أمريكا زعيمة الحرية و الديمقراطية” أمام العالم – نتساءل ما الذي أوصل أمريكا إلى ما وصلت إليه ؟ هل ترامب هو السبب أم النتيجة لسلسلة تغيرات كانت تجري بهدوء و ببطء على مر السنوات الماضية . هل ترامب هو الذي جذر الانقسام ,و رسخ العنصرية , أم انه فقط أزاح ورقة التوت عن عورة أمريكا. كيف لنا أن نتوهم أن المجتمع الأمريكي مجتمع ديمقراطي مثالي, وفي نفس الوقت صوت بكل هذه القوة لهذا الرئيس العنصري الذي أطاح بتمثال حريتهم.

كيف نفسر فوز ترامب بانتخابات عام 2016 , وحصوله في الانتخابات الأخيرة عام 2020 على ما يقارب 74 مليون صوت من أصوات الناخبين الأمريكيين ,على الرغم من خلو سجله السياسي و العسكري من أي نشاط يستحق الذكر, فلم يتول مقعداً في الكونجرس , و لم يكن حاكماً لولاية, و لا وزيراً في وزارة. لم نجد في سجله إلا مليارات الدولارات و شخصيته العنصرية و المضطربة جنسياً ونفسياً و سياسياً, والتي من الواضح أنها ألهبت حماس اليمين القومي و الديني و الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية .

ألا تستحق هذه الأرقام و المعطيات تأملاً و تحليلاً للظاهرة “الترامبية ” , وللتغيرات البنوية التي أصابت المجتمع الأمريكي, وأوصلت ترامب إلى سدة الحكم متربعاً على عرش قلوب عشرات ملايين المعجبين المؤيدين و المتلهفين لتصريحاته, و أفكاره العنصرية التي أطلقها وعبر عنها بكل وضوح في فترات الدعاية الانتخابية , و مارسها في فترة حكمه إبان ولايته الأولى.

ألا تذكرنا “الترامبية” بالفاشية و النازية التي أوصلت موسوليني و هتلر للحكم عن طريق الانتخابات. إن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو الشعبوية و التطرف و العنصرية و سيادة العرق الأبيض و العداء للآخر, و اتخاذ صناديق الاقتراع والانتخابات جسراً للديكتاتورية و ليس للديمقراطية .

إن الذي أوصل هؤلاء الأشخاص وهذه الأيدلوجيات إلى الحكم شعوبهم الديمقراطية. ما السر في ذلك , وما هو تفسيره ؟ كيف تستهوي الأيدلوجيات و الشعارات والأفكار العنصرية الشعوب الديمقراطية في أوروبا و أمريكا ؟ إن هذه الشعوب هي التي أفرزت هذه الأنظمة, لينطبق عليهم (كما تكونوا يولى عليكم ) , أو يولى عليكم من عزف على أوتاركم, و دغدغ عواطفكم , و ألهب حماسكم ,و أشبع غروركم و عنصريتكم , ووعدكم بتحقيق مصالحكم ولو على حساب الغير, فكنتم له منتخبون .

إن الانعطافة الحقيقية في بنية المجتمع الأمريكي و أيدلوجيته وصولاً الى “الترامبية” و “ما بعد الترامبية”, بدأت منذ أحداث أيلول عام 2001, باعتبارها مرتكزاً و منطلقاً لهذا التغير و التغيير. أننا و منذ أكثر من عشرين عاماً نشهد تنامياً مضطرداً في التطرف في الخطاب الأمريكي و على جميع الأصعدة السياسية, والأمنية و الأيدلوجية ,و الثقافية , وكان و لا زال محور هذا الخطاب المتطرف و مركزه هو “الآخر ” (الآخر الداخلي و الآخر الخارجي ) . إن هذا المفهوم الفضفاض يتم استخدامه و تأويله ,بحسب رؤى النخبة الحاكمة و مصالحها , فكانت النتيجة ما شهدناه وما سنشهده في قادم الأيام .

شاهد أيضاً

حركة حماس والأزمة السورية عام 2011: انقلاب السياسة أم سياسة الانقلاب

توقفت طويلاً أمام تصريحات خالد مشعل الرئيس السابق – وربما اللاحق مع انه عملياً ليس …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024