مسؤولية علماء الامة في وأد الفتن

الشيخ شادي المصري |

إن “ورثة الأنبياء” هم الذين يرثونهم علماً وعملاً، ويقتدون بهم في السرِّ والعلن، ويلتزمون منهجهم في الغضب والرضا والمنشط والمكره، ولا يكونوا كمَنْ “يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ” (الحج: من الآية11)، أو كمن “أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ” (الأعراف: الآية176)

إن مسؤولية وحدة الأمة تقع على عاتق أهل العلم ورجال الدين، الذين يحملون الأمانة الشرعية، ويمثلون الإرث النبوي في تبليغ الدين وحمل رايته وتعليمه وإرشاد الناس لما فيه خير دينهم ودنياهم .

وتكبر المسؤولية ويشتد خطرها في الأزمنة الصعبة والأوقات الحرجة، وخاصة عندما تنقلب المعايير وتختلط الأولويات، وعندما تصاب الأمة بأمراض فتاكة قاتلة، أهمها وأخطرها العصبية المذهبية والتعصب الديني والتطرف الفكري .

فكان لا بد أن يأخذ العلماء دورهم التاريخي، ويتحملوا مسؤولياتهم أمام الله تعالى أولاً ثم أمام أمتهم لأنهم هم الأقدر على إيضاح المبهم، وكشف المستور، وإنارة الظلام .

إن للعلماء المسلمين منزلة عالية عند الله تعالى وعند الناس، وتناط بهم أدوار عظيمة في حياة المسلمين، قال تعالى :” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ” .

كما أوجب الله تعالى لعظيم علمهم وسديد رأيهم، الرجوع إليهم عند نزول المشكلات وحدوث الحوادث الصغيرة والجليلة، ليكون أمر الأمة على بينة ورشد للوصول الى حل مبني على أصول الدين والقيم، لأن من أهم ما يميز العلماء المخلصين هو نشرهم لما يحسن نشره وكتم ما يحسن كتمه . فهم الذين جعلهم الله تعالى مرجعاً للأمة يرجعون إليهم في قضاياهم ويحتكمون إليهم عند خلافهم، وملاذاً يفزعون إليهم عند الشدائد والملمات .

ومن أهم الأدوار المناطة بالعلماء تربية الأجيال وتنشئتهم تنشئة وحدوية قائمة على أسس المحبة والأخوة، وأن يرسّخوا ويغرسوا فيهم حقيقة الخشية من الله تعالى .

ويبرز دور العلماء أيضاً في تحديد ضوابط فهم معايير التعامل مع الكتاب والسنة مع ما يتلاءم مع الأولويات ومع واقع العالم اليوم، واستبدالها بمفاهيم جامعة، حتى لا تستحسن الأفهام المفاهيم المغلوطة .

ويناط بالعلماء العودة لتصحيح المفاهيم التاريخية والتي استغل المستشرقون بعض وقائعها ومحنها فكبروا الصغير وصغروا الكبير، وسلطو الضوء على العيوب والمآسي والأحزان والآلآم وليس بغرض التفكر والاعتبار بل في سبيل تحقيق أهدافهم وغاياتهم في النيل من تاريخ الاسلام ورجال الاسلام .

إن علماء الأمة اليوم مدعوون لكي يصححوا هذا التزوير المتعمد ويعودوا لإبراز الصور المشرقة والتغاضي عن المحطات السيئة، خوف أن يصاب المسلم بالإحباط ويظن ظن السوء بالسلف الصالح، ويربط كافة السلبيات والعصبيات الحاضرة بالماضي .

وإنهم مدعوون أيضا الى وقفة جادة لله تعالى، لينظروا نظرات فاحصة يبحثون من خلالها عن أسباب الضعف والهوان .

وللعلماء دور مهم ايضا في نزع ووئد مشاعر العصبية، بل حتى في إقامة أسس الوحدة بين الأمة، وأسس انتفاع الأمة بعضها من بعضها الآخر، وتعاونها وتآلفها، وذلك بمد جسور التعاون والتنسيق مع مختلف شرائح المجتمع وأطيافه أفراداً ومؤسسات .

ويجب على العلماء أن يكونوا سداً قوياً ينبذ العصبية المذهبية، وتسقط عند حدودهم كل الدعوات العصبية لأنهم هم أدرى الناس وأعلمهم بأن الأمة الإسلامية بمجموعها وكثرة عددها وتنوع شعوبها وأوطانها، واختلاف ألسنتها وألوانها . . تشكل جسداً واحداً وبناءً متراصاً، ووجداناً ومشاعر متقاربة ومتطابقة، وهذا هو ما أراده الإسلام .

ومن الأدوار المهمة للعلماء أن يعايشوا واقع مجتمعهم وأن يتلمسوا الظواهر الاجتماعية الإيجابية فيعملوا على تنميتها واستثمارها، وأن يتلمسوا الظواهر الاجتماعية السلبية ويعملوا على وأدها وتحجيمها ومعالجتها وإنهائها، ولهذا يقتضي أن يكون العالم ذا بصيرة لما يجري حوله وذا بصر مدرك أن جماعته لن تستطيع أن تعيش في المجتمع لوحدها .

ويمكّن العلماء من القيام بدورهم المنتظر منهم إذا توافرت عندهم هذه النقاط :

أن يتحلى العلماء بالشجاعة العلمية .

أن يأخذ العلماء بزمام المبادرة .

أن يعيد العلماء جسور التواصل مع عامة الأمة .

ختاما، باعتماد العلماء المنهج الوحدوي التصالحي تكون الأمة قد حصّنت المسلم من أن يقع فريسة الجهل أو المال أو القوة أو الطغيان، بل يتم تحويل ذلك وغيرها من أنواع الفساد الى وسائل وأساليب للإحسان والمعروف والخير وجمع الكلمة ولمّ الشعث ورفض العصبية ، ووأدها أو إخماد سعيرها .

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023