تمثل مبادرة الحزام والطريق في جوهرها مشروعا ضخما لتطوير المرافئ والبنى التحتية يربط الصين التي تشكل اليوم مصنع العالم بأوروبا. تشكل منطقتنا حلقة وسيطة ضرورية في هذا الربط. هذه المنطقة التي عاش أهلها (فرس وعرب وتركمان وغيرهم) مئات السنين من خلال هذا الدور، وبه بنوا تاريخا مشتركا من التفاعلات الثقافية والحضارية التي بلغت أوج ألقها في القرنين الخامس والسادس عشر قبل أن يلغي الاستعمار الأوروبي هذا الدور أو يجوفه عبر الالتفاف على المنطقة عبر رأس الرجاء الصالح ويحرم بالتالي منطقتنا من دورها ومواردها المتأتية عنه في دورة التبادل العالمي للسلع، بالتوازي مع اكتشاف القارة الأميركية ونهبها.
ولإن كان نهب القارة الأميركية والأفريقية سهلا بالنسبة لقوى الاستعمار، وكذلك استعمار شرق آسيا، فإن منطقتنا متسلحة بإرث ديني تثويري وإرادة عالية في القتال والتصدي بقيت برغم الاختراقات الهائلة والاختلال الكبير في موازين القوى صامدة حتى سقطت بيد قوى الاستعمار بشكل كلي في الحرب العالمية الأولى. وحين تم رسم خرائط المنطقة بشكل نهائي على ضوء نتائج الحرب العالمية الثانية، كانت جغرافيا المنطقة وزرع الكيان الصهيوني فيها ترجمة لموازين القوى العالمية الناشئة وصدى لتكريس غلبة القوى الاستعمارية.
إنكفأت تركيا ضمن جغرافيتها الجديدة ووقعت إيران كما مصر في أسر الاستعمار البريطاني المباشر، قبل أن يستفيد أهل المنطقة كما معظم شعوب العالم من تفسخ مداميك الاستعمار الأوروبي وبروز صراع ثنائي بين قطبين كونيين ممثلين بالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ليطلقوا حروبا تحررية نتج عنها تفكيك الاستعمار واستقلال الكيانات الجغرافية التي رسمها.
نجح أهل المنطقة في التخلص من الوجود الاستعماري المباشر لكنهم ورثوا عن الاستعمار جغرافيا مفتتة وسوقا ممزقة.
وقعت تركيا أسيرة الأتاتوركية وإيران أسيرة الشاهنشاهية، وشهدت المنطقة محاولة استقلالية توحيدية دشنها جمال عبد الناصر، لإعادة وصل ما قطعه الاستعمار.
فشلت هذه المحاولة حيث لم يكتب للعرب بناء دولة، لكن قدر لهذه المنطقة وأهلها ألا تستسلم. ففي موازاة سقوط المحاولة الناصرية، برزت الثورة الخمينية المباركة كبارقة أمل جديدة لشعوب هذه المنطقة.
منذ ما يزيد عن أربعين عاما تقارع إيران بشكل ملحمي التبعية للولايات المتحدة حتى بعد أن تسيدت الأخيرة العالم عقب سقوط الاتحاد السوفياتي.
تغير العالم اليوم كثيرا، الصمود والكفاح من أجل الاستقلال لأربعين عاما مضت توجت اليوم بأن تكون إيران مع الصين وروسيا إحدى ركائز المحور الأوراسي الذي يقارع الهيمنة الغربية الممتدة ل500 عام مضت.
تستظل اليوم إيران بمظلة مركز رأسمالي كوني ناشئ إسمه الصين وبحلف استراتيجي مع قوة عسكرية دولية كبيرة إسمها روسيا وهي تشكل اليوم بوابة للصين إلى جغرافيا المنطقة بموانئها ومضائقها وسوقها.
يقول الراحل جمال عبد الناصر أن “الأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء” ونزيده قولا أن الأزمات الكبرى تفتح الطريق للأفكار الكبرى أو للتفكير من خارج الصندوق. يلحظ مشروع الحزام والطريق اليوم منطقتنا كمحطة أساسية في طرق التجارة الدولية وتقوم فلسفة المشروع على تطوير البنى التحتية لربط جغرافيا المنطقة أي بناء القاعدة المادية التي تجوف الحدود وتعيد توحيد السوق في بارقة أمل قد تعيد لأهل المنطقة دورهم التاريخي وللمنطقة ألقها الحضاري.
المشروع ينتظر تركيا والعرب بقاطرتهم المصرية سيما أن هذا المشروع يحتاج استقرارا في المنطقة وتفاهما وتناغما بين دولها الرئيسية.
ما يزيدنا أملا هو خواء معادلة كامب دايفد، وبدء وعجز البترودولار عن تأمين معيشة سكان المنطقة بالتزامن الانفجار الديموغرافي الكبير فيها، ووجود حركات مقاومة في المشرق العربي مدعومة من قوة إقليمية استقلالية إسمها إيران.
فيما الكيانات العربية باتت مثقلة بالأزمات وأهلها مهددون اليوم كجماعات بالجوع والفناء والاحتراب، يبرز مشروع الحزام والطريق كنافذة ضوء وبارقة أمل في مستقبل يستحق القتال من أجله.