بسم الله الرحمان الرحيم “و من يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”
يعتبر يوم القدس العالمي من مصاديق الشعائر التي تميزت بها الأمة الإسلامية في العقود الأخيرة.
وقد اختار لها الإمام الخميني رحمه الله يوم الجمعة في الأسبوع الاخير من شهر رمضان المبارك، لتحمل جميع الأبعاد الإيمانية و السياسية. فهي مظهر لوحدة الأمة الإسلامية و لوحدة المستضعفين في خط مواجهة الظالمين والمستكبرين. و مناسبة لتجسيد وحدة الرؤية الإسلامية القرآنية حيث لا يجوز فصل العبادة عن شؤون الأمة.
-1- الرمزيات المتعددة
أكد الامام الخميني عند الإعلان عن تظاهرة يوم القدس العالمي في أوت من عام 1979. خلال أول شهر رمضان بعد انتصار الثورة الإسلامية. رؤيته لهذا اليوم والأهداف المرتبطة بهذه الحركة الجماهيرية العالمية.
فهو حسب تعبيره يوم المواجهة بين المستضعفين والمستكبرين. وهو يوم لإحقاق الحق ودحض الباطل. وهو يوم تعلن فيه الأمة الإسلامية عزمها واصرارها في خط العمل والجهاد من أجل زوال الكيان الصهيوني الغاصب.
وهو اليوم الذي تعلن فيه الامة والمظلومون معها عن رفضهم القاطع لبقاء الظلم واستمرار الاحتلال والهيمنة.
ويقررون أن المستضعفين سيؤسسون عالما جديدا خاليا من الصهيونية وما من وراءها من المستكبرين.
وهو يوم الوحدة الاكبر و الأعظم،وحدة الإسلام المحمدي،حيث سعى جميع الظالمين عبر التاريخ إلى تفكيك الإسلام وفصل العبادة عن شؤون الأمة الإسلامية وشؤون المظلومين، المستضعفين،لكن يوم القدس العالمي هو الرد التاريخي والرد العملي والرد الشعبي العالمي، الذي يعيد الوحدة والتماسك بين العبادة والأمة، بين الصوم والقدس، بين الروح والمادة، بين الدين و السياسة.
وقد عبّر الامام الخميني بوضوح عن فكرته قائلا:
“يوم القدس يوم يجب ان نخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب ان تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات الى القوى الكبرى”
ويقول الامام رحمه الله أيضاً:
“انه اليوم الذي يجب ان يتجهّز فيه المستضعفون في مقابل المستكبرين ليمرّغوا انوف المستكبرين في التراب”.
وكذلك فانه يوم يجب توجيه التحذير فيه لكل القوى الكبرى بوجوب رفع يدها عن المستضعفين ويوم تثبيت حق المستضعفين في الوجود والحياة والحضور والتأثير على ساحة وميدان الحياة الدنيا:
يقول الإمام الخميني رحمه الله :
“يوم القدس، يوم يجب ان تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه ان تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين “
و قد سعى الظالمون الى بث روح اليأس والإحباط في جماهير فلسطين وجماهير الأمة كلها، ودعوتهم للتسليم والتطبيع، ووجوب التعامل بواقعية مع موازين القوة التي تميل بشكل مطلق لصالح العدو وجبهته.
لكن يوم القدس العالمي يرفض مطلقا هذا الواقع الظالم، ويؤكد وجوب بالنصر القادم النابع من وعد الله الحق.
فتصبح مسيرة يوم القدس العالمي تثبيت للتفاؤل والأمل وحركة تصاعدية في خط الأمل وخط القوة وخط التحرير.
ويؤكد يوم القدس العالمي على القطيعة التامة مع تاريخ طويل من القتل والنهب والهيمنة وسرقة ثروات الشعوب المظلومة، فالاحتلال الصهيوني تعبير عن قرار عالمي اجتمع عليه الظالمون من قوى الغرب والشرق، وهو امتداد لجرائم استمرت لقرون خمسة قادها الرجل الأوروبي فذبح مئات الملايين من الناس في افريقيا وأمريكا وآسيا،
ولأجل ذلك ليس صدفة أن نجد جميع تلك القوى مصطفة وراء الكيان الصهيوني الغاصب، تدافع عنه وتدعمه بالمال والسلاح و النفوذ.
بهذا المعنى تكون المعركة ضد الصهيونية و كيانها الغاصب،تحمل الرمزيات المختلفة، وتختزل مشهد المواجهة العالمية من طرف المستضعفين جميعا ضدّ المستكبرين جميعا.
-2- يوم القدس العالمي و الكورونا، المحنة التي تتحول منحة و فوزا
يتم هذه السنة 2021،إحياء هذه المناسبة في ظروف الكوفيد،الوباء العالمي الخطير، وهو ما يزيد في رمزية الرسالة النضالية و الثورية، فروح المقاومة ثابته و التمسك بالحقوق التاريخية الشرعية للشعب الفلسطيني المظلوم ولكل الشعوب المتضررة من الإمبريالية والصهيونية،هذه الروح لن تتوقف عن النبض والحركة، ولن تخمد نار المقاومة ولن تتراخى عزائم الرجال الصادقين،فهؤلاء اعتادوا أن يخرجوا الفرصة من قلب التهديد، وأن يحوّلوا المحنة الى منحة ونصر.
وسيتم ابتكار وسائل جديدة، تؤدي رسالة يوم القدس العالمي وتثبّت القضية في وجدان الجميع، ولن ينعم العدو بالراحة ولو لمدة قصيرة، او لأسباب طبيعية.
-3– يوم القدس و مواجهة صفقة القرن.
يأتي يوم القدس العالمي هذه السنة بعد الحملة الكبرى التي قادها الأمريكان و الصهاينة، من أجل فرض واقع التطبيع مع العدو الصهيوني والعمل على أن يصبح الكيان جزءا طبيعيا وقياديا في خارطة المنطقة، وتسارعت الخطوات من الإمارات العربية المتحدة الى البحرين ثم سلطة المغرب الأقصى وسلطنة عمان والسودان.
وهذا المشهد التطبيعي الذي يقوده الأمريكان والصهاينة إنما يعمل على أن يسوق الأمة العربية والإسلامية كلها نحو التنازل النهائي عن الوجود والكرامة والحقوق الشرعية والثروات العظيمة.
إنّ القدس وفلسطين هما عنوان المعركة الكبرى،
و لكن الهدف هو بناء نظام عالمي جديد ونظام إقليمي جديد، أطلقوا عليه الشرق الأوسط الكبير، يمتد من أفغانستان إلى المغرب الأقصى مرورا بايران و الدول العربية و تركيا.
ويقوم هذا النظام على مركزية الكيان الصهيوني وقيادته المطلقة للنظام الأمني الأقليمي، وذلك باعتبار أن كيان العدو هو الشريك الأساسي للإمبريالية الأمريكية.