غياب الفرد عادةً لا يمنع من سير السفينة وأحيانًا حتى لو ترجّل قبطانها، لكن في السياسة، قد تختلف الأمور قليلاً، فأحياناً حضور بعض القادة قد يدفع بالبلاد قُدُماً للأمام، وغيابه، قد يُنهي حزباً أو تنظيماً، أو حتى تقسيم البلاد، وضعفها على جميع الأصعدة، والعالم العربي مليء بغياب قادة كانت بعدهم نهاية أوطانهم.
الرئيس رجب طيّب أردوغان، وكما ينظر له المُتحمّسون لتجربته السياسيّة، واحد من هؤلاء الذين قد ينطبق عليهم مسألة صُعود وهُبوط بلاده، بوجوده، وعدمه، لكن الثابت وفق خبراء أتراك، أن الانقسامات ستدخل صالة حزبه العدالة والتنمية، فالرجل الآن هو المُرشّح الرئاسي الأوحد، لانتخابات 2023، في حين لا تزال المُعارضة تبحث عن مُرشّحها، وتضرب الخلافات عُمقها.
وحده المرض من قد يُزيح أردوغان عن السلطة، وهو تعبير تستخدمه المُعارضة التركيّة في دلالة قوّة الرئيس أردوغان، وسيطرة حزبه على الحُكم لسنوات طوال، كانت له الإنجازات الاقتصاديّة، بالرغم من ضياع بوصلة السياسة الخارجيّة، والتدخّل في سورية، وليبيا، وتعقيدات اللاجئين السوريين والأفغان، والخلافات المُتصاعدة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وشراء السلاح الروسي، وما تتعرّض له الليرة التركيّة من هبوط حاد هذه الأيّام.
يبدو الرئيس أردوغان (67 عاماً) في مُناسبات سياسيّة عديدة جيّد الصحّة، ولكن هذا المظهر للرئيس الستيني، قد لا يتناسب مع تقرير نشرته مجلّة “فورين بوليسي” الأمريكيّة الجمعة، تحدّث عن أن أردوغان قد يكون مريضاً لدرجة قد تجعل إعادة انتخابه صعبة، وهو ما قد يضع وفق مُعلّقين حزبه وتحالفه في موقفٍ صعب إن صح ما جاء في التقرير.
المجلّة الأمريكيّة، وغيرها من وسائل إعلام ومنصّات، رصدت بالفعل للرئيس التركي، مشاهد عديدة، ظهر عليه التعب، ففي مرّة احتاج لمُساعدة زوجته لنزول أحد الأدراج، وأخرى لم يستطع الاتزان في مسيره عند زيارته ضريح مؤسس الدولة التركيّة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
هذه المشاهد يُقلّل من أهميّتها المُناصرون للرئيس، فالأخير برأيهم إنسان، وقد يظهر عليه التعب، والمرض، والمسألة ليست خطيرة لدرجة عدم قُدرته على حُكم تركيا، لكنّ الأذهان لا يغيب عنها مشهد الرئيس في كلمة ألقاها خلال اجتماع سابق في يوليو، واجه فيها صُعوبةً بالنطق والتذكّر، وهي مشاهد وقع فيها أيضاً خصمه الرئيس بايدن، والذي يتعرّض هو الآخر لتشكيك بالقُدرة على حُكم الولايات المتحدة، حيث كان وقد أسماها “الأمم المتحدة” بالخطأ.
خلافة أردوغان بعد حُكمه الطويل لتركيا، ليست بالمسألة الجديدة، فالمُعارضون له في حزب الشعب الجمهوري المُعارض تنبّأوا لأردوغان نهاية بالإعدام، فيما آخرون يُعوّلون على سُقوطه في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة القادمة من خلال صناديق الاقتراع، وسُقوطه وارد بالنسبة لهؤلاء بالنظر إلى استطلاعات الرأي التي كشفت عن تراجع شعبيّة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد، خاصّةً أنه المسؤول عن جلب اللاجئين السوريين، الذين يتعرّضون لأسوأ حملات الهُجوم المُطالبة بعودتهم إلى بلادهم، وفرض قوانين خاصّة بهم، أبرزها سحب بطاقة العلاج المجّاني “الكيملك” منهم.
المرض أو “شائعات المرض” كما تناولتها المجلّة الأمريكيّة وصلت لحد القول بأن الرئيس التركي قام بزرع جهاز تنظيم لضربات القلب، بالنظر للتوقيت الحسّاس قد تخدم صورة الرئيس المريض المقرونة ببعض الدلائل الحيّة، خُصوم أردوغان في معركة الانتخابات القادمة.
المرض المُفترض الذي قد يُؤدّي إلى وفاة الرئيس أردوغان، دفع مجلّة “فورين بوليسي” لطرح تساؤلات حول خليفته المُفترض، وأبرزهم من المُعارضة أكرم إمام أوغلو، رئيس بلديّة إسطنبول، الذي نجح في هزيمة الحزب الحاكم في عُقر داره مرّتين، وأصبح عُمدة إسطنبول، وقد يكون الطريق مُمهدًا له بالأكثر حال غياب أردوغان عن المُنافسة، أما من بيت أردوغان، فطرحت المجلّة رئيس المُخابرات حقان فيدان، وزير الدفاع الوطني خلوصي آكار، أو وزير الداخليّة المُقرّب من أردوغان سليمان صويلو، حيث الأخير يُرجّح البعض أنه سيكون مُرشّح أردوغان نفسه، حال منع المرض الأخير من الترشّح فعليّاً، وذلك منعاً لانقسام البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
ولم ترد الرئاسة التركيّة من جهتها على شائعات مرض أردوغان، لكنّ الأخير قرّر فيما يبدو الرد بطريقة غير مُباشرة، ونشر مقطع فيديو على حسابه في “تويتر”، وهو يلعب كرة السلّة.
وظهر أردوغان خلال مقطع الفيديو وهو يُسَدِّد كرة في الشبكة، مُعلّقًا: “التمرين مهم جدًّا للصحّة.. وأحاول مُمارسة الرياضة ثلاثة أيّام في الأسبوع”، وأضاف: “في الحركة بركة”.
رأي اليوم