لقد تعود حكام السعودية وخاصة بعد رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر وبعد ان أصبحت الثروة النفطية تدر عليها مئات المليارات من البترودولار على استخدام هذه الثروة الهائلة في اتجاهين كلاهما لمحاولة مد نفوذها في المنطقة والعالم الإسلامي. فهي من جانب قامت بشراء العديد من الأنظمة ليس فقط على مستوى المنطقة، بل في دول العالم الإسلامي وعلى نطاق واسع وشراء ذمم النخب السياسية بها وبالإضافة الى ذلك نشر الفكر الوهابي الإرهابي من خلال إقامة المدارس الدينية في الدول الإسلامية وكذلك من خلال الجوامع في الدول الغربية وأكبر دليل على ذلك الالاف اللذين تنادوا وجندوا الى “الجهاد” في سوريا في محاولة لإسقاط الدولة السورية على سبيل المثال لا الحصر. كما وأن جانب من هذه الأموال استخدم حتى في بعض الجامعات الغربية التي استحدثت اقسام لعمل أبحاث ودراسات على الفكر الوهابي ورفع شان المملكة العربية السعودية وكذلك دفع الأموال بسخاء لمراكز أبحاث ومكاتب العلاقات العامة في الغرب لتحسين الوجه القبيح للملكة وللعائلة الحاكمة على وجه التحديد.
ومع مرور الزمن أصبحت الفلسفة القائمة لحكام السعودية في التعامل مع الدول والافراد والمجموعات ان لكل “ثمن” إذا ما قامت بدفعه فإن هذا يمكنها من شرائهم وبالجملة. وقد مارست هذه الفلسفة على الكثيرين حتى على الأمناء العامين للأمم المتحدة الذي كان آخرهم السيد أنطونيو غوتيريش الذي قام بشطب السعودية من قائمة الدول التي تقتل الأطفال مقابل 500 مليون دولار قامت السعودية بدفعها للأمم المتحدة وكذلك قامت بشراء ذمم بعض الدول في مجلس حقوق الانسان مؤخرا حتى تسقط مشروع ادانتها في الحرب العدوانية التي شنتها على اليمن واستطاعت ان تسقط مشروع التمديد لبعثة المجلس لتقصي الحقائق وجرائم الحرب التي ارتكبت في اليمن وحتى عندما تضمن هذا المشروع التحقيق في الجرائم التي ارتكبت من قبل السعودية والامارات والحوثيين. وسابقا اشترت السيد عمر موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية وكذلك الأمين الحالي أبو الغيط.
أما في لبنان فحدث ولا حرج فقد كانت تدفع بسخاء الى تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري الذي تسلم في فترة مليار دولار من السعودية لتتمكن حكومته من الوقوف ضد حزب الله اللبناني، ولكنهم بالطبع ذهبوا الى جيوب المتنفذين في تيار المستقبل كما عودتنا حكوماتهم وما زال اختفاء او بالحري “شفط” عشرة مليارات دولار زمن حكومة السنيورة لغزا لم يحل بعد ليومنا هذا. المهم ان جعجع ومنذ أكثر من سنتين اخذ دور الحريري الذي سقط من أولويات السعودية لعدم قدرته على الوقوف ضد حزب الله. وتسلم جعجع المكان بعد ان اقنع السعودية انه هو رجل المرحلة وهو القادر على التصدي لحزب الله واغدقت السعودية عليه الاموال والجميع أصبح يدرك ان حادثة الطيونةجاءت بما لم يكن في الحسبان له وهو الذي اصبح الان ملاحق من قبل أجهزة الاستخبارات العسكرية للتحقيق معه وهب المطران الراعي لمساندته الى جانب بعض العملاء المحليين.
السعودية درجت على شراء الذمم والرشاوي والدفع لكتبة السلطان وهي غير معتادة على التعامل مع الناس الشرفاء ذوي المواقف المبدئية اللذين لا يحيدوا عنها وبغض النظر عن الأموال التي من الممكن ان تقوم السعودية بدفعها مقابل صمتهم او عدم التعرض لجرائمها التي ترتكب وخاصة في اليمن. هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبتها والتي ترقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وهذا ببساطة ما يفسر هذه الحملة الشعواء التي تقودها السعودية ووسائلها الإعلامية الى جانب مستعمرتها المسماة بالبحرين ضد وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي مجرد لتصريح حيث قال في تعليقه على حرب اليمن انها حرب عبثية ويجب ان تتوقف. ومع ان الكثير من المعلقين والسياسيين قالوا سابقا وحديثا انها حرب عبثية لم تتعرض لهم السعودية، ولكنها قامت بحملة شعواء على وزير الاعلام وقد وصلت درجة الوقاحة بمحمد بن سلمان واذنابه وادواته في لبنان بالمطالبة باستقالة الوزير وتقديم الاعتذار الى السعودية. ولمزيد من الضغط على الحكومة التي شكلت مؤخرا وعلى الدولة والعهد اللبناني قامت باستدعاء سفيرها من بيروت للتشاور وقامت بطرد السفير اللبناني من الرياض معطية إياه 48 ساعة لمغادرتها كما أوقفت الواردات والبضائع اللبنانية الى السعودية. ومن غير المستبعد ان تقوم أيضا بطرد عدد من العاملين والمقيمين اللبنانيين في السعودية لمزيد من الضغط على الحكومة اللبنانية. وبالطبع هنالك من الأدوات والاذناب من الطبقة السياسية اللبنانية تنطحوا لينادوا بإقالة او تقديم استقالة الوزير جورج قرداحي فهي فرصة لاستلام مكارم السلطان. وقامت المستعمرة السعودية المسماة بالبحرين باتخاذ نفس الإجراءات التي اتخذتها السعودية بالنسبة للسفير اللبناني والسفير البحريني في لبنان. ولكننا لا نعتقد ان الدول الخليجية الأخرى باستثناء الامارات ستقوم باتخاذ إجراءات مماثلة بالرغم من الضغوطات السعودية عليها.
واليوم يأتي رئيس الوزراء اللبناني ميقاتي الذي الفارق الوحيد بينه وبين سعد الحريري هو انه أطول من الحريري ليس الا، ليوجه القول الى وزير الاعلام بانه يتمنى عليه ان يأخذ القرار المناسب و “تقدير المصلحة الوطنية اللبنانية”. طبعا هو لا يستطيع ان يطالبه رسميا بالاستقالة لأنه يدرك ان الوزير لا يمكن ان يقدم استقالته لأنه كما صرح سابقا انه لا يرضى ان يتعرض الى عملية ابتزاز من قبل دولة او سفراء او أفرادوان لبنان ليست دولة موز تحكم من قبل دولة خارجية. ونحن نقول بدورنا إذا ما خضعت الدولة اللبنانية الى هذا الابتزاز الوقح والفج فإنها ستكون فعلا دولة موز. لننتظر ونرى ماذا سيكون رد الدولة اللبنانية حول هذا الموضوع مع قناعتنا بان السيد ميقاتي سيعمل على استجداء السعودية بتغيير مواقفها وهو يعتبر السعودية “الأخ الأكبر”.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني