ما حدث و يحدث في تونس منذ 25 جويلية الماضى كان لابدّ أن يحدث و هي إرادة مئات الآلاف الذين خرجوا يومها للمطالبة بإنهاء حكم الإخوان و دستورهم و برلمانهم و حكومتهم العاجزة.. إنّها إرادة الشعب التونسي الحر التي لا تكسرها إرادة أخرى، ولا يثنيها قمع ولا استبداد..
ما نلاحظه اليوم و انّ حركة النهضة استفاقت من الصدمة.. وبدأت تنفيذ المناورات و التكتيك ..، النهضة بإختصار تُحاول و تُناور و تُعدّل أشرعتها مع اتجاهات الرياح ، للتقليل من خسائرها ، من خلال المناورات و إستغلال الإحتجاجات و الركوب على أحداثها و هي متورطة مع حلفائها في كل ما يحدث في البلاد بسبب عجزها وفشلها في إدارة شؤون البلاد و العباد ، وربما ترى أنّه ملاذها الأخير من أجل إعادة التموقع من جديد.. خصوصاً بعدما لفظها الشارع مُطالباً برحيلها و رحيل المنظومة السياسية الفاشلة برُمّتها.. النهضة كانت ولا تزال لا ترى مانعا في التحالف مع الفاسدين و توفير الحماية لهم ما دامت هناك مصلحة للجماعة، وفي ظل حكم النهضة عاشت تونس أسوأ الأوضاع خاصة على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي و تدهور فيها الاستثمار الداخلي و الخارجي بسبب الابتزاز المفضوح الذي مارسته.. النهضة إستفاقت من هول الصدمة و تستعيد أنفاسها و ترتمي في أحضان المعارضة و تتملص من المسؤولية ، و من المفارقات المخجلة أن نرى وقاحة أولئك الذين تورّطوا مع منظومة الخراب واستفادوا منها على حساب شعب بأكمله يتحدثون و يعبرون عن مخاوفهم على الديمقراطية المزعومة..، ما نلاحظه و أنّ المتمعّشون من منظومة الخراب قد إتحدوا و يُتقنوا في إستقطاب الإنتهازيين و”قلاّبي الفيستة” و المغفلين والعائدين من أنفاق الماضي الملوّث بدنس ممارساتهم الوضيعة و الفاسدين و المتلونين و الإنتهازيين المنافقين و أتباعهم و غيرهم..ضـــــدّ إرادة الشّعب و شماتة في قيس سعيّد.. هؤلاء المستفيدون من دولة الغنيمة مخاوفهم المُبالغ فيها ليست خوفاً على الديمقراطية و إنّما خوفاً من ضياع المغانم.. و المرحلة القادمة ، معركة شعبنا ضد لصوص وعملاء الداخل ورُعاتهم في الخارج الذين يضغطون اليوم من أجل منع انهيار منظومة الفساد والعمالة حفاظا على مصالحهم.. و من المفارقات المخجلة أن نرى وقاحة أولئك الذين يتمسّحون على أعتاب السفارات و البرلمانات يبحثون عن دعم من دوائر خارجية لحشد الدعم الخارجي للعودة إلى شرعيّة أسقطها الشّعب.. إنّ اليوم و أكثر من أي وقت مضى على الشعب التونسي وقواه الوطنية المؤمنة بالمسار التصحيحي رصف الصفوف والاستعداد للدفاع عن سيادة بلادنا وكرامة شعبها.. لا يمكن أن نسمح بإنتكاسة أو إرتداد الــ 25 جويلية ، إنها معركة تونس الجديدة و شعبها العظيم و شرف لنا مجرّد خوضها..
ما يبثّه المنافقون من أراجيف وأكاذيب ومقولات و تأويلات وتضليل مريب وإشاعات لتزييف الحقائق والترويج لثقافة الحقد والكراهية وبث روح اليأس وثقافة الهزيمة، وممارسة مختلف أشكال الوقيعة و التشويه ، بهدف ضرب عوامل الثقة والوحدة بين التونسيين وتسميم الأجواء وإثارة النعرات والفتن والصراعات الداخلية، وفي حالات عديدة نجح المزايدون والمنافقون السياسيون في المجتمع التونسي في مسعاهم للإساءة إلى وطنهم وتسببوا بالكثير من المآسي والويلات للشعب وأضروا بإقتصاد الدولة و تحولت تونس إلى دولة الغنيمة..، هؤلاء المستفيدون من العشريّة السّوداء يحاولون ويتلونون بكل الألوان بحثاً عن مصالحهم وتتغير في مواقفهم وقناعاتهم بحسب اتجاه الرياح السياسية للهروب إلى الأمام بحثاً عن دور جديد بثوبهم الجديد بالنفاق والمزايدات وتقلّب المواقف ومحاولات التطّهر من الفشل الذّريع الذي كانوا أبرز صُنّاعه والمشاركين الفعليين والأساسيين في أحداثه.. إلى جانب ما أحدثته الأزمة السياسية التي ساهم المنافقون السياسيون في إضرام نارها في تدمير كل القيم المادية والمعنوية بالإضافة إلى تدمير و إنهيار الدولة وبقائها في مربع الفقر والفوضى ، حتى أصبح إنقاذها و إصلاحها و تتطهيرها لا يتحقق إلاّ بتضحيات كبيرة وجهود مضنية وإمكانات هائلة من الصعب تعويضها إلاّ بعد فترة من الزمن قد تطول إلى عشرات السنين مهما بلغ حجم التفاؤل..
عهد العشريّة السّوداء زمنٌ تراكَم فيه هذا الكمّ من الرداءة والدناءة السياسية دفعةً واحدةً، في بلدٍ يتجسّد الفساد السياسي والمالي فيه بـ منظومة فساد متماسكة بحدّ ذاتها ترعاها طُغمة قوامُها مزيجٌ من إنتهازيين وعصابات المال التي تتحكّم بمفاصل الدّولة ومقدّراتها، وترتكبُ بإسم الشّعب زوراً وبهتاناً شتّى أنواع الكبائر بدءً بالتبعيّة والارتهان لقوى الخارج، و المحاصصة الحزبية و التوافقات المغشوشة والمزيّفة بين الفاسدين و التستّر على بعضهم البعض حفاظاً على مكتسباتهم وعلى المصالح المشتركة بينهم.. كانوا حاكمين بأمرهم عاثوا في البلاد فساداً ونهب للمال العام و محسوبية و تفريط في أملاك الدولة بغير وجه حق للمقربين و الموالين و العبث الكبير هو التداين المفرط إلى حد الارتهان وبلوغ شبح اعلان إفلاس الدولة لكثرة القروض و التداين من الخارج.. والآن قد حان وقت الحساب للضالعين في كل هذا الخراب، فقد أصبحوا يلجؤون إلى شتى انواع التشكيك وإثارة الفتن و التشويه الممنهج وهذه وسيلتهم وغايتهم مستغلين حرية الرأي والتعبير وهم يحلمون بإعادة ماضي أسود في عهد العشريّة السّوداء..
مهما كانت قرارات الرئيس بعد الخامس و العشرين من جويلية جريئة ولكنها كانت ضرورية من المنطق السياسي لأنها تضع حداً لأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية لم يعد بالإمكان أن يتحملها الشعب.. ولو لم يتدخل لحدث انفجار شعبي كبير سيعصف بالجميع.. و هناك البعض من يدفع نحو الإجراءات التصعيدية، و يدفع الرئيس إلى الصدام المباشر مع المنظومة و مع مافيا الفساد بالخصوص وهو أمر خطير ، لكن الرئيس قيس سعيّد كان مصرا على أن يتم كل شيء في إطار القانون وأن تتم المحاسبة في إطار القانون والقضاء، و بالتالي ام المعارك اليوم؛ تطهير البلاد و تطهير القضاء..
إنّ قيامة تونس تعتمد بشكلٍ أساسي وضروري على إجراء تغيير كامل باتجاه دولة مواطنة، وفق خطّة مرحليّة هدفها النهائي؛ التعجيل بمحاسبة من أجرم في حق التونسيين طيلة 10 سنوات، وتنقية الحياة السياسية في تونس، من خلال فتح ملفات الفساد المالي والسياسي والاغتيالات السياسية والإرهاب، و الإصلاح العميق للنظام الانتخابي الذي سمح للفاسدين بالوصول إلى موقع القرار في الانتخابات التشريعية، وإصلاح النظام السياسي من خلال تنقيح الدستور وتوحيد السلطة التنفيذية وجعلها بيد رئيس الجمهورية.. و تطهير البلاد و تطهير القضاء و القطع مع منظومة العشريّة السّوداء..
إنتفاضة الخامس و العشرين من جويلية أرست ثقافة جديدة، فبعدما كانت القيم السائدة ترتكز على الولاء للمرجعية والإنتماء الحزبي والزبائنية السياسية، ومقايضة الولاء للزعيم بالخدمات الأساسية للمواطن و على حساب مصلحة الوطن ، جاء الـــــــ 25 جويلية ليصنّفها حقوقاً مواطنية ، وليضع قيماً جديدة تنبذ المحاصصة و منطق الغنيمة ، ويُعلي قيم المواطنة بإتجاه بناء دولة مدنية حديثة، دولة قانون ومؤسسات، دولة سيّدة على نفسها داخل حدودها و خارجها ، جمهورية جديدة تُكرّس سيادة القانون كلّ قانون، أدانت الفساد كجريمة، وطالبت بمحاسبة الفاسدين ، معلنةً الخروج من عباءة الزعيم و الحكم من وراء الستار ،و أدانت العنف وإلتزمت بحرية الإحتجاجات السلمية والدستورية، فعن أي خوف على الديمقراطية و عن أي إنقلاب تتحدثون ؟..
في خلاصة الأمر وواقعه المرير، إنّ مسيرة التونسيين من أجل استعادة جمهوريّتهم المتهالكة والتي دمّرتها مطامع فئة فاسدة خطفت الدّولة وأهدرت ثرواتها ، في ظلّ صمتٍ سياسي رهيب واستشراء الزبائنيّة والمحسوبيّات لابدّ أن تستمر نحو تحقيق حلم بناء دولة كل التونسيين و القطع مع عشريّة الدمار والخراب ..، عهد الغنيمة يجب أن ينتهي و تونس اليوم على الطريق القويم، وإن كان طريقاً صعباً، و الإستثـناء التونسي، سيتغلب مرة ثانية على صعوبات الولادة القسرية، مهما تعاظم الألم، و نجاح الإستثناء التونسي، وتحقيق حلم الجمهورية الثالثة ، مطلب مستحق لشعب كريم، وأفضل ما يمكن عمله هو تفهّم هذه الرغبة واحترامها التام.. إنّ إعادة بناء الدولة هي مسيرةٌ طويلة وشاقّة ولكنّها ليست مستحيلة، وقيامة تونس من مستنقع السياسة الملوثة يتطلّب إيجاد هويّة وطنيّة جامعة تسمح ببناء دولة مواطنة، وإقرار قوانين تقطع الطريق على عودة القوى السياسيّة البائدة و منظومة الفساد إلى السلطة و المحاسبة و لا شيء غير المحاسبة.. إنّ قيامة تونس من أزمتها الاقتصادية المصطنعة والتعطيل المقصود للحياة السياسية حاجة ملحّة وضرورية لأبناء الوطن.. آن الأوان لتحقيق إرادة الشّعب و تحصين المسار التصحيحي التاريخي !!..
المجد لتونس و السيادة للشّعب
عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم