الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

منظومة “الكليبتوقراطيّة “.. ترفض إرساء دولة القانون!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

 

لا يخفى على عاقل أنّ اليوم هناك صراع بين مشروعين، الأول مشروع الدولة الإجتماعية الوطنية، و بين مشروع الدولة العميقة (قوى النفاق المفضوح و مافيات المال والسياسة، و المتمعشين من العشريّة السّوداء والمتورطين في الفساد و يخشون المحاسبة، و الباحثين عن الغنائم وغيرهم ..) اليوم تعيد الدولة العميقة بناء نفسها والبعض يمنحها الأكسيجين لإنقاذها وإخراجها من الغيبوبة وإعادة بعث مشروعها من جديد وهذا الأمر يقوم به أشخاص موجودين في أماكن عدة.. أطراف خارجية و الإعلام، والفايسبوك و غيرهم ..، هؤلاء يحملون مشروع الدولة العميقة ويريدون أن تعود من جديد.. و لو حتى على حساب تونس الجريحة المنهوبة و على حساب الشّعب الزوّالي..

لكل أزمة لابدّ من حل أو هذا على الاقل ما يفترض في كل الصراعات والازمات مهما طالت والحل قد لا يروق دوما لأطراف معنية التي تحركها حسابات الربح والخسارة خاصة عندما يتعلق الأمر بالمعارك السياسية الطاحنة وعمليات كسر العظام التي تفتقر للحد الادنى من الاخلاق والقيم السياسية فلا تستسيغ بالتالي الحلول التي يمكن أن تحفظ ماء الوجه أو ما بقي منه وتتجه الى مواصلة الهروب الى الامام مع كل ما يعنيه ذلك من سيناريوهات غير محسوبة وخيارات عنوانها “عليّ وعلى أعدائي”.. المستفيدون من عشريّة الريّع الحزبي والسياسي من المفروض ان يحترموا أنفسهم و يحترموا الشّعب بدل الإصرار على تأزيم الوضع و الدفع نحو العودة إلى العشريّة السّوداء التي لم يجني منها الشعب سوى التهميش و الإذلال و التفقير والتجهيل وتفكيك الدولة والفساد.. لا يمكن أن تبقى الدولة أسيرة زمرة فاسدة كانت تتقاسم ثروات البلاد وكأنّها ميراث ورثوه عن أجدادهم وآبائهم..ان الشعب أراد إسقاط النظام لمّا نفذ صبره من الظلم والطغيان والفساد والفقر والجوع والمهانة، ان الشعب أراد اسقاط لا النظام السياسي وحسب وإنّما منظومة الاستغلال بأسرها، وهذا ما اصدح به في كل شعاراته ومظاهراته، انّ ديمقراطية الإخوان المزيّفة تُريد من الاغلبية المنتجة والكادحة أن تحكمها الاقلية المتمعشة التي اسندت نظام الظلم ماليا وسياسيا و إقتصاديا و إجتماعيا …

ماحدث في 25 جويلية ليس خروجاً عن الشرعيّة بل إنقاذاً لها من الطغمة الحاكمة ومافيا الفساد التي هددت أركان الدولة، و كشف عن عمق الفساد وسوء التسيير وغياب الدولة، و أوصلوا البلاد إلى حافة الانهيار وإلى ما يشبه الدولة الفاشلة، إن الأزمة المالية والاقتصادية في تونس التي تُختصَر أسبابها الجوهرية في الفساد السياسي والإداري، على نحو تسيير البلاد وفق عقلية تقسيم النفوذ بذهنية الولاءات و بمنطق الغنيمة ، لا تعير اهتماما لمصالح الشعب وأولويات الدولة في شتّى المجالات، و التونسيون يدركون جيدا أن مأساتهم و خيباتهم والفقر والتفاوت الطبقي والبطالة وتردي الأوضاع وتدمير سلمهم الأهلي هو من صنع قياداتهم وحكامهم الفاسدين الذين تحاصصوا وتقاسموا الدولة بجميع سلطاتها ومؤسساتها، فعمّموا عليها الفساد ثم سلبوها هيبتها وأصبحوا عاجزين عن قيادتها وحمايتها وحماية المصالح الوطنية العليا والسلم الأهلي والأمن المجتمعي حتى أصبح التونسيون الأكثر قدرة وشجاعة ووطنية وإنسانية من هذه المنظومة الفاشلة والمفلسة التي سرقت من التونسيين فرحتهم بتغير النظام الدكتاتوري البائد في ثورة 17 ديسمبر 2010 ، و تحولت الطبقة السياسية وحكامها إلى مافيات للفساد تُحاول بل تعمل على مصادرة إرادة التونسيين وتهديد مصيرهم وقتل أمالهم وتطلعاتهم إلى حياة حرة كريمة.. لهذا نجد التونسيين الذين اسقطوا شرعيّة مزيفة في الخامس و العشرين من جويلية 2021 و زاد صمودهم وتجددت إرادتهم وعزيمتهم على مواجهة الفاسدين والتحديات ومن غدر بهم وخانهم بعد أن ازدادوا تمسكاً بولائهم الوطني وبإرادتهم لتغير أوضاعهم الشديدة الخطورة بتقديمهم التضحيات الجسيمة من اجل الوصول لتحقيق أهدافهم الإنسانية والمجتمعية والوطنية وصولا لإعادة هيبة الدولة التي أسقطها وتجاوز عليها الفاسدون بمحاصصاتهم وتوافقاتهم المصلحية بديمقراطية فاسدة واليوم نجد المستفيدون من عشريّة الغنيمة يتباكون على ديمقراطية مزيفة ويتهمون غيرهم بالإنقلاب، عندما خرج الشعب غاضبا مطالبا بالتغيير والإصلاح و إنهاء عهد الغنيمة والولاءات وإنتاج حكومة قوية ونظام سياسي ديمقراطي حقيقي وإقامة شرعية دستورية تليق بهم وتضمن لهم ولأبنائهم الحاضر والمستقبل و تشكيل حكومة بمقدورها حمايتهم وحماية سيادتهم الوطنية ومالهم العام وتحافظ على شرف المسؤولية الوطنية التي فقدت بسبب الحكام والقادة والسياسيين الفاسدين ومن اجل تحقيق هذه الأهداف والمبادئ فعّل التونسيون الشرفاء أدوارهم الشعبية والوطنية لإسقاط النظام و المنظومة الفاشلة و التصميم على محاسبة كل من أساء وعمل على تخريب الدولة وإسقاط هيبتها و سرق المال العام ومن غدر بالشعب وخان الوطن أين كان وفي أي موقع يكون وهذا مطلب التونسيين من اجل تحقيق رسالتهم الوطنية والإنسانية التاريخية في الإصلاح والتغيير رغم كل هذه العتمة و الظلمة التي خلطت فيها الأوراق بعد إن عبث وتلاعب بحياتهم هواة السياسة والحكم نعم هواة لعدم امتلاكهم للمهنية والخبرة وتراكماتها لإدارة الدولة ولا حتى لسلوكيات وصفات وطباع وأخلاقيات المعارضة الحقيقية التي يتبجح البعض ويتحدث عنها، لقد ابتلي التونسيون بأُناس ساقتهم الظروف ودفعتهم مصالحهم للهيمنة على مقاليد هذا البلد وشعبه الذي خرج من حقبة نظام دكتاتوري ظالم أوصل تونس والتونسيين لهذا الحال غير المسبوق لوطن مسلوب السيادة والإرادة منهوب الثروات تحاصصوه وتقاسموه قادته وحكامه بإسم الديمقراطية و الدستور الذي وضع على المقاس وغيرها من الآفات، هذا الدمار الذي يُشرعنه ويُغطيه الإعلام الانتهازي المؤدلج والمشبوه الذي (يعوى وينبح) ليلاً نهاراً من اجل أن يستسلم التونسيون للأمر الواقع و للأوضاع المأساوية المزرية والقبول بثقافة الهزيمة و جعل رغبات الفاسدين و المتلونين و المتآمرين للبقاء في السلطة و الحكم ، و لهذه الأسباب و غيرها خرج الشعب التونسي لتحصين نفسه ووطنه مدافعا عن وجوده بقوه واقفا بوجه الفاسدين ومن يساندهم ويؤازرهم ليستقر الفساد والوهم الأسود في تونس ولتذهب تونس و التونسيون إلى المجهول وهذا لم ولن يحصل مطلقاً بعد أن عرف الشعب طريقه وخرج مطالبا بالإصلاح والتغيير مستعملين حقوقهم التي كفلها لهم الدستور من اجل تغيير أوضاعهم برمتها وفي مقدمتها محاسبة الفاسدين واسترجاع المال العام وتحسين أوضاعهم الإجتماعية وفرض سيادتهم على أراضيهم الوطنية والدفاع عنها من خلال التغيير والإصلاح الذي يجاهد الأحرار من اجل تحقيقه، ولن يتحقق ذلك إلاّ بالحرب على الفساد بتتبع المهربين ومبيضي الأموال في الاقتصاد الموازي من رجال الأعمال ، ولكن ينبغي أن تكون مرحلةً تليها مرحلةٌ أخرى أهمّ هي تتبع حماة أولئك الفاسدين والمستفيدين بالحصول على منافع منهم من السياسيين، بل تتبع المستغلين من هؤلاء لنفوذهم السياسي أو لصفتهم الحزبية بداية من سنة 2011 إلى الآن، فلا يمكن أن نتحدث عن انتقال ديمقراطي أو عن ديمقراطية حقيقية أو عن جمهورية ثالثة ، إلاّ إذا شملت الحرب على الفساد، مصادره و موارده على السواء..

من المفارقات المخجلة أن نرى وقاحة أولئك الذين تورّطوا مع منظومة الخراب واستفادوا منها على حساب شعب بأكمله ، يتحدثون عن الديمقراطيّة، و أنهم يمثلون الإرادة الشعبية في نظام لا علاقة له إطلاقًا بالديمقراطية، لأنّه في واقع الحال هو نظام “كليبتوقراطي”، إذ أصبحت الديمقراطيات الهشّة في الدول الفاشلة مصانع لتفريخ مافيات الفساد، ولا يمكن لها أن تنتج إلاّ نموذجاً لنظام حكم اللصوصية، نظام “الكليبتوقراطية” هو نظام السرقة القانونية والممنهجة للمال العام والثروة الوطنية، لأن هؤلاء “اللصوص القانونيين” إنما يقومون بسرقاتهم من خلال التفويض “الديمقراطي المزيّف” الذي يحصلون عليه، وبواسطة “القوانين على المقاس” التي يشرّعونها، والتي يمكن تلخيصها في قاعدة أساسية عندهم تقوم على ” نظام الكليبتوقراطية”.. وما يزيد من حدة الألم وشدة البؤس، أن الديمقراطية لم تجلب للشعب سوى الفقر والمرض والجوع والمديونية والقلق على المستقبل، بعد أن ذهبت أموال خزائنها إلى جيوب النهّابين و المافيا وأحزاب المتدينين الزائفين وشبكات المقامرين والمغامرين وضاعت ثرواتها تحت أقدام المراهقين السياسيين والديمقراطيين المزيفين..، و بالتالي مكّن “النظام الكليبتوقراطي” طبقة الفاسدين من حماية وحصانة من قبل بعض الحكومات المتعاقبة بسبب هيمنة بعض الأحزاب النافذة ضمن المشهد السياسي العام والتي تعمل لحساب لوبيات تمول نشاطهم السياسي المبتذل الذي مادته الأساسية التمتع بالامتيازات الوظيفية المجحفة وخدمة مصالحهم الذاتية لا غير.. نحن اليوم في حاجة ماسة لبناء وعي جماعي اجتماعي وطني يعبر عن نفسه وعن قيمه النبيلة ومبادئه الأخلاقية لمجابهة آفة الفساد وشبكة المفسدين وإسقاط منظومة الكليتوقراطيين وطابورها الخامس من أجل حماية أمننا القومي ودفع عجلة التنمية المستدامة، نحن اليوم في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد ومنوال اقتصادي جديد لإنقاذ البلاد و إرساء دولة القانون و القطع مع منظومة العشريّة السّوداء و الإفلات من العقاب..

“الكليبتوقراطية” هي كلمه يونانية تعني حكومة أو حكم اللصوص، وهذه الكلمة لو بحثنا دون عناء سنجد أنها كلمة تنطبق على نظام الحكم الساقط في تونس ، وإن كان هناك الكثير من السقط لم يسقطوا حتى الآن فما زالت عروقهم تضرب في كل المؤسسات وما زالت أذرعتهم تتحرك هنا وهناك، تحركها مافيا من المنتفعين من منظومة العشريّة السّوداء و المتمعّشين من النظام الساقط.. تلك الطبقة أو الفئات والتي يجمعها مسمى “الكليبتوقراط” ترفض بل تنشب مخالبها بأي مشاريع تغييرية و ترفض إرساء دولة القانون و تخشى المحاسبة ، كونها ستقضي على مصالحهم ومن الطبيعي أن ينظروا إلى هذه البلاد بأنها إقطاعية يملكونها هم وأبناؤهم، وما الشعب إلاّ عبدًا لهم مسخرًا لخدمتهم وخدمة أولادهم وأزلامهم..

اللعبة انتهت و محاولات العودة إلى الوراء لن تجدي نفعا ، وكل من يتخلّف عن نصرة البلاد وإنقاذ شعبه سيلفظه الحاضر ويلعنه التاريخ، فتونس لن تصنعها الأيدي الآثمة، ولا النظريات الخائنة، ولا وشوشة الأوكار النائمة، ولا الغرف السوداء، بل تصنعها الإرادة الوطنية و الشعبيّة ، فزمن الإنبطاح والنفاق و الغنيمة ولّى إلى غير رجعة، واليوم ليس كالأمس، وسيثبت الآتي من الأيام أن سماسرة الأوطان والأوكار و الإحتكار والنفاق السياسي لا محل لهم في هذه البلاد ، ومن يتآمر على وطنه و يسترخص نفسه وبلده هو أرخص عند القوى الأجنبية وأزلامها.. فلا يقدر أحد على مقاومة الإرادة الشعبيّة وعلى كل من لا يريده الشّعب أن يتنحّى جانبا.. اليوم أم المعارك تطهير القضاء و محاسبة كل من أجرم في حق تونس و شعبها.. الأمر قد يبدو صعباً، ولكنه ليس بالمستحيل في ظلّ توافر رغبة شعبيّة مؤيدة لفكرة إرساء دولة القانون ، التي لا مكان فيها للمحاصصات المبنية على منطق الغنيمة و الإفلات من العقاب ، ويقتضي الدفع بإتجاه مسارات متعددة: مسار إعادة البناء السياسي والدستوري للدولة، ومسار الإصلاح الاقتصادي و الاجتماعي وتنفيذ برنامج إنقاذ حقيقي، ومسار تنفيذ إصلاحات جذرية بإتجاه الحوكمة والحكم الرشيد، بالإضافة إلى مسار الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ولكل مسار خطة عمل يجب أن تتوافق وتطلعات الشّعب التونسي الذي بات ينزف في انتظار الحل و طيّ الصفحة التعيسة من تاريخ تونس..

إنّ الفساد قد اغتصب البلاد و جعل من اللصوص هم من يقررون مصير شعب و دولة … هذه هي تونس في صراع مع الكليبتوقراطية و الحزبوقراطية و اللصوصقراطية و السُرّاق …إنّ طريق التغيير شاقّ ومؤلم ومزروع بالأشواك، لكنّه سوف يؤدّي حتماً إلى ولادة تونس جديدة تعكس طموحات ورؤية الأجيال الصاعدة التي طوّرت في السنوات الماضية وعياً ثورياً واكتسبت نضجاً سياسياً، هذه المرّة، التونسيين هم الأبطال الرئيسيين وسوف يقرّرون مصيرهم بأنفسهم، و يمسكوا بزمام الأمور بأيديهم وأن يوحّدوا صفوفهم، لإرساء ديمقراطية حقيقية في الجمهورية الثالثة المنشودة ، من خلال الإستفتاء و الإنتخابات المقبلة للقطع مع منظومة حكم الأوليغارشيّة الكليبتوقراطيّة..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024