الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الشيطان الأكبر وبداية فخاخ سياسته العدوانية…بقلم محمد الرصافي المقداد

تاريخ أمريكا مليء بالجرائم والأفعال المستهجنة إنسانيا، وقد بلغت من الاستكبار مبلغا أرهب دولا عديدة أجبرها على الخضوع لها، وفي خضمّ ذلك وقف رجل عالم بها ليقول أنها شيطان أكبر على العالم أن يتخلّص منها، وها هي السّنن الكونية تتفاعل اليوم لتضع فرضية الخلاص منها ممكنة وبقوّة.

منذ انتصار الشعب الإيراني في ثورته الإسلامية سنة 1979، انقلب وضع إيران السياسي والإستراتيجي، من بلد مُوَالٍ لبريطانيا وأمريكا، خادما وفيّا لهما، وحافظا أمينا لمصالحهما في إيران والمنطقة – للحد الذي لُقّب بشرطي المنطقة – إلى بلد ثوريّ أخرجه رجاله من وضع العمالة والذّلّ، إلى الثّوريّة والعزّ، وتواصلت ثورته لتشمل جميع أوجه الحياة، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وتتحوّل من موالاة محور الإستكبار الغربي إلى معاداته، والتعبير عن تلك المعاداة بأشكال مختلفة، شكّلت واجهته التي عرفه بها العالم بأسره، بحيث لم يعُد خافيا على أحد أهداف إيران الإسلامية.

ومن أجل تلك الأهداف الإصلاحية المستحَقّة، أوذيت إيران طوال العشريات الأربعة الماضية، حتى لم يعد هناك أذى آخر يمكن تسليطه عليها، والعدوان الصدامي الذي تعرضت له أراضيها طوال ثماني سنوات، لم يكن سوى حرب متعددة الجنسيات، اشترك فيها الغرب وعملاؤه، وقليلة هي الدول التي احترمت الروابط الأخوية التي تجمعها بها، أما البقية ففي ركب أمريكا سائرة دولها، لا تجد جرأة على معارضتها، كلما رغبت أمريكا  في انتهاك القوانين الدولية.

لكن إيمان إيران وإصرارها على المضي في مشروعها التحرري، كان أكبر من أن يعرقله معسكر استكباري غربي، مهما تحالفت قواه واجتمع ضدّها عملاؤه، وبعد مسيرة نضالية شاقة، تكلّلت جهودها بنجاح كبير، ترسخت فيها ثقافة مقاومة الإستكبار والصهيونية، وتوسعت دائرة حركتها الجهادية، تجاوز منذ سنوات تحذيرات ملك الأردن، من خطر الهلال الشيعي، ولم تكن كذلك واقعا، فقد اشترك في ميدان عزّة الأمّة واستعادة كرامتها، المسلم الشيعي والسني على حد سواء، وتقاسموا مبادئ دينهم في رفض الظلم المسلّط على المظلومين، فتطوّعوا من أجل إزالته من محيطهم، وانخرطوا في منظومة مقاومته، يجمعهم هدف نبيل في إبعاده عن بلدانهم، وتخليص شعوبهم من أذاه.

 لذلك لم يدخر النظام الإيراني جهدا، في الوقوف الفعلي والصادق، إلى جانب هؤلاء المظلومين، فكان السبب في تأسيس محور مقاومة، نجح في وقف عربدة الكيان الصهيوني، كما توفّق في إسقاط  مخطط الإرهاب التكفيري، ممثلا في داعش وأخواتها، بعدما كادت تستولي على كامل العراق وسوريا، وتنجح في تحقيق أمل الغرب، في سَوْقِ الشعوب العربية والإسلامية نحو جاهلية جديدة، باسم الدين والدين منها براء.

الوضع الإيراني الجديد وبفكره الإسلامي المعاصر، لم يكن ليُرضي الغرب الإستعماري، فتجنّد لمحاربته دولا ومنظمات، بكل الوسائل العسكرية والدّعائية، وكان على إيران الإسلامية نظاما وشعبا، أن تدافع على مكتسباتها الإسلامية الثورية، أمام هجمات عدوانية، تعددت وتنوعت أهدافها، فاتجهت برجالها الأوفياء إلى مجال الصناعة العسكرية، لتوفير الأسلحة المختلفة لقواتها العسكرية والأمنية، وعملت على تطويرها بما يوازي تطوّر أسلحة الأعداء، دون أن تستعين بقوى خارجية في تحقيق تلك الإنجازات، وهي ليست بالهيّنة، وأعداءها يدركون ذلك جيدا، وعملت قيادتها على إجراء مناورات عسكرية متعددة في السنة، يكاد لا يخلو منها شهر، تدريبا وإعدادا لقطاعات الحرس الثوري وقوات الجيش والتعبئة، على خطط الدفاع والهجوم المستخلصة من الحروب الحديثة، وهي صاحبة تجربة دفاعية طويلة، استمرّت ثماني سنوات، عُرِفت بالدّفاع المقدّس والحرب المفروضة.

ويدرك النظام الإسلامي الإيراني التحديات الجسيمة والجمّة التي تواجهه في المنطقة، فليس الذي وعى وآمن بتحرير وتخليص الشعوب الإسلامية، من هيمنة قوى الإستكبار والصهيونية، غافلا عن هؤلاء المستبدّين بحقوق المستضعفين، وما يريدون تحقيقه للخلاص من إيران الإسلامية، وهم يتحيّنون الفرصة السّانحة، لو أمكنهم فتح ثغرة مناسبة تُمكّنهم  من ضربها في مقتلٍ، والتخلّص من مشاريعها نهائيّا، وإنّ محاولاتهم في هذا الإطار لا تزال تختمِرُ في تحالف بائس، تشترك فيه أنظمة العمالة والتبعية العربية، بقيادة صهيونية أمريكية، بما يؤشّر إلى ضعف أمريكي باد، في الإستعانة بدول أخرى لتنفيذ اعتداءاتها، وقد ظهر هذا التحالف اليوم، في ثوب تطبيع سياسي واقتصادي مُهِين، أعقبته مناورات عسكرية تكتيكية، تؤشّر لإعداد مخطط عدواني جديد يستهدف إيران.

لقد أصاب الإمام الخميني رضوان الله عليه كبد الحقيقة، عندما كشف لشعبه ما تمثله أمريكا من خطر كبير على إيران، ومنذ انتصار ثورته الإسلامية المباركة، قبض أبناؤه من الطلبة الثوار، على طاقم سفارتها رهائن عندهم، لمدة 444 يوما، إلى أن توسّطت الجزائر لحلّ أزمة فريدة سُمّيت حينها أزمة الرهائن الأمريكيين، وانتهت عن طريقها بعملية خداع أمريكي أثبت مجدّدا أن أمريكا لا عهد لها ولا ميثاق.

لذلك لم يتردّد الامام الخميني رضوان الله عليه في القول، بأن أمريكا هي الشيطان الأكبر(1)، فما تقوم به من مؤامرات وأعمال عدوانية، جعلها تستحق أن تُلَقّب بذلك، ولن تُحيّد أمريكا بسهولة، فدون ذلك تضحيات جسام، ولكنها في النّهاية ستكون نتيجة سعيدة لبقية شعوب العالم عندما تُزفّ إليها، وتتخلّص من عبئ ثقيل ظل جاثما على صدر أنظمتها 77 سنة.

لم تكتفي إيران بفضح ستر أمريكا، والتشهير بسياساتها، فقد أسهمت أيضا في الحط من مقامها الاستكباري، بإهانة جواسيسها، وقصف أكبر قواعدها في العراق 2019(2)، وإسقاط أحدث طائراتها التجسسية(3)، ما شجّع دولا على كسر حاجز الرّهبة منها، والوقوف في وجهها بندّية كما هي حال الصين الشعبية وروسيا الإتحادية وكوريا الشمالية، وما إقدام الرئيس الروسي بوتين على غزو أوكرانيا، لوقف دخول حلف النّاتو إليها، ومنعه من المتركز على حدوده الشمالية، بعدما سمح لهم الرئيس الأوكراني الصهيوني، المتربّع على السلطة بالخداع والمال الخارجي.

وعندما يصرّح الرئيس الصيني بأن أمريكا تمثل خطرا على السلم العالمي(4)، فمن باب قناعته التّامة، بأن دورها منذ أن إستلمت عهدة تطويع الدّول وإخضاعها، من عجوز الإستعمار بريطانيا، لا يتعدّى استلاب قدراتها الذّاتية، لتصبح محميّة من محميّاتها، وبالتالي فأمريكا لا تقبل أن ينافسها في التحكم بالعالم أحد، قطبا متعاليا على الجميع، حتى أقرب حلفائه الغربيين إليه مودّة.

سياسة الإستكبار التي تمارسها أمريكا على دول العالم، وصلت اليوم إلى طريق مسدود، وقد أوصلت نفسها إلى حالة من التخبّط، مشوبا بحمق سوء التعامل مع دول تعتبرهم أعداءها، ما جعلهم يجتمعون شيئا فشيئا ضدّها، ويذهبون بقوّة إلى كسر أحكامها الجائرة ضدهم، عملا بمقالة عدوّ عدوّي صديقي، فلم تعًد إيران الاسلامية اليوم وحدها في مواجهة العقوبات الأمريكية، فقد اشتركت معها الصين وروسيا وكوريا الشّمالية في شكل اتفاقيات استراتيجية قد تتطور من الاقتصادي إلى العسكري حسب الضرورة التي تقتضي ذلك.

قناعات شيطنة أمريكا لم يسبق إليها أحد غير إيران من جهة، ولم يكن ليجرؤ على أمريكا وجبروتها وغطرستها أحد أيضا سوى إيران، التي اعتمد نظامها على الله قبل أي شيء آخر ونجحت في أدائها الإسلامي، لتقدّم نظامها نموذجا رافضا للإستكبار العالمي من جهة ثانية.

حلف معارضة الشيطان الأمريكي أخذ حجما كبيرا بسبب سياسته القاسية الظالمة، فليست روسيا والصين وكوريا وإيران بالدول الهيّنة، حتى يرضخوا لمشيئتها، ويبدو أن مواجهة ما ستقع، ستؤدّي بالتأكيد إلى سقوط أمريكا سقوطا مدوّيا، ومن يدري فقد تسقط معها أنظمة أخرى غربية وعربية، موالية للشيطان الأمريكي.

المراجع

1 – أمريكا الشيطان الأكبر

https://al-vefagh.ir/News/333401.html

2 – تسلسل الأحداث بعد القصف الصاروخي لقاعدة عين الأسد

https://arabic.rt.com/world/1074532-

3 – تعرّف على طائرة التجسّس الأمريكية التي أسقطتها إيران

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-48705993

4 – الصين: الخطر الحقيقي على العالم هو الولايات المتحدة

https://arabic.rt.com/world/1328946-

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024