بسم الله الرحمان الرحيم
“من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنّما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى النّاس جميعا “
إنّ التأمل في المنطق القرآني التأسيسي الذي بنى نفسه على أساس رؤية عقلانية منفتحة على عالم الغيب بما يشترك فيه العالمان، الغيب والشهادة، يمكن بسهولة أن يلاحظ بسهولة المتانة والعمق والدقة في فهم الظواهر الطبيعية والاجتماعية والروحية.
لا يفصل القرآن الكريم بين حياة الإنسان وحياة الدين.
إذا تمّ التنازل عن قضية الإنسان فمعنى ذلك أنه تمّ التنازل عن رسالة الإسلام، في سورة الماعون القصيرة وشديدة الوضوح في تثبيت الترابط الوثيق بين الجهاد الروحي والجهاد الاجتماعي والسياسي، يبادر النص القرآني إلى تعريف جديد للدين الجديد:
“أرأيت الذي يكذّب بالدين !فذلك الذي يدعّ اليتيم ولا يحظّ على طعام المسكين”.
فالخاتمة الضرورية والمنطقية للحقيقة الدينية هي الحضور الميداني الإيجابي في العلاقات الاجتماعية.
ينتقل العمل السياسي والإجتماعي من اعتباره بعدا إضافيا إلى اعتباره جزءا أصيلا في الحقيقة الدينية، وقد اهتم القرآن الكريم كثيرا بتثبيت وحدة العبادة والسياسة، وحدة العبادة والاجتماعية، لذلك يتوعّد القرآن جميع الذين حاولوا تفكيك الحقيقة الدينية ومحاولة الفصل بين مكونها الروحي ومكونها الاجتماعي.
” فويل للمصلّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون “
فالرياء مرض يضرب الصدق والإخلاص ويعطّلهما، ومنع الماعون مرض يضرب بعمق التكليف الاجتماعي والسياسي.
وهكذا بإيجاز في غاية البلاغة وضع القرآن تعريفا عميقا للعقيدة الإسلامية الأصيلة: الإخلاص لله وطلب مرضاته والجهاد النفسي والروحي ضد جميع مظاهر الرياء باعتباره مظهرا للشرك العقائدي، والتكليف الاجتماعي في مساعدة الفقراء والمحتاجين.