تشير التقارير والمعلومات والدراسات عن المختبرات البيولوجية المدنية والعسكرية الأمريكية المنتشرة في العالم إلى ضلوع البنتاغون والاستخبارات الأميركية في مشروعاتٍ بيولوجية سرّية، آخرها الكشف عن مختبر بيولوجي في السودان وُصف بالقنبلة الجرثومية.
وعادت قضية المختبرات البيولوجية الأميركية إلى الواجهة مع تصاعد الجدل حول اكتشاف مختبر في السودان، ممول أميركياً، وقع تحت أيدي قوّات الدعم السريع، وهو يحتوي على مسببات أمراضٍ فتّاكة وعبارة عن قنبلةٍ جرثومية.
وأوضح ممثّلٌ عن منظّمة الصحة العالمية أنّ الفنّيين عجزوا عن الوصول إلى المعمل القومي للصحة العامة في الخرطوم، ووصفوا الموقف بأنّه بالغ الخطورة.
وأكد موقع “warroom” الأميركي أنّ المختبر السوداني المعني حصل على دعمٍ من وزارة الدفاع ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لكن مجلة “نيوزويك” الأميركية شكّكت في مصداقية الموقع.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث حول تورط الولايات المتحدة في المختبرات البيولوجية، إذ أماطت روسيا اللثام أخيراً عن خمسين مختبراً بيولوجياً عسكرياً في أوكرانيا تديرها أميركا، وأُجريَت فيها أبحاثٌ سرّية وتجارب على مواطنين بحسب مجلس الاتّحاد الروسي.
ما الذي يدفع الولايات المتّحدة الأميركية إلى إنشاء مختبرات بيولوجية خارج أراضيها؟
قال مراسل الميادين في واشنطن محمد كريم، إن وزارة الدفاع الأميركية شرعت في إنشاء مصانع أو معامل ومختبرات بيولوجية في عدد من دول العالم، بالغة السرية وبعيدة كل البعد عن الرقابة، سواء كانت الرقابة المحليّة أو الرقابة الإقليمية وحتى الرقابة الأميركية بذاتها.
وتابع أنّ هذه المختبرات كانت المسؤولة ربما عن انتشار العديد من الأوبئة التي عانى منها العالم بأسره وعلى رأسها وباء الإيدز آنذاك.
لماذا تختار أميركا السودان أو جنوب السودان لهذا النوع من المختبرات البيولوجية؟
أكد محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية موسى عاصي أن الولايات المتحدة لا تهدف فقط إلى إنشاء مختبرات بيولوجية في السودان وجنوب السودان فحسب، بل تتطلع إلى عدة دول أفريقية.
وتابع أنّه، خلال الأشهر الماضية، خرجت تقارير عديدة تقول بأنّ الولايات المتّحدة أنشأت وساعدت في تمويل بعض المختبرات في نيجيريا، والجانب الروسي عرض في منظّمة الصحة العالمية لقطات ووثائق تؤكّد وجود أربعة مختبرات في نيجيريا وواحد منها موجود في مدينة أبوجا العاصمة، وآخر في مدينة زاريّا، ومختبر آخر في دولة لاغوس الأفريقية.
وأضاف أنّ الكشف عن هذه المختبرات كان قبل ظهور سلالة غرب أفريقيا من جدري القرود التي انتشرت خلال الأشهر الماضية ولا تزال حتى اليوم، وهذه السلالة انتشرت انطلاقاً من نيجيريا حيث المختبرات الأربعة.
لماذا في أفريقيا؟
أشار عاصي إلى أنّ السبب هو أن العالم المتطور المتفوّق يفكر دائماً بأنّ القارة الأفريقية يمكن أن تجري فيها اختبارات من دون حسيب أو رقيب، مستذكراً فترة كورونا في بدايتها عندما خرج بعض الأطباء الفرنسيين وقالوا بأنّه “يجب إجراء تجارب اللقاحات على السكان في أفريقيا”.
إلى ماذا خلص تقرير التحقيق الروسي في قضية المعامل البيولوجية الأوكرانية؟
قال محلل الميادين للشؤون السياسية ناصر أبو نصّار إنّ التحقيق انصب على دراسة أكثر من ألفي وثيقة مختلفة وقعت في يد روسيا بسبب العملية العسكرية الخاصة، واستمرّت روسيا في دراستها لمدّة سنة كاملة تقريباً.
وأوضح أبو نصّار أن التقارير أشارت إلى وجود أكثر من أربعين معملاً موزّعاً على 14 مدينة أوكرانية، بالإضافة إلى أسماء الموظفين الذين يعملون في هذه المختبرات على إنتاج أسلحة بمكوّنات بيولوجية.
ووفق التقارير، بلغ إجمالي قيمة تمويلها فقط في أوكرانيا 200 مليون دولار ما بين عامي 2018 و2020، كما تكشف الوثائق عن المراسلات الموجّهة من الجانب الأميركي إلى أوكرانيا تطالبها فيها عند بدء العملية العسكرية الخاصة بنقل جميع المواد الحيوية خارج أوكرانيا.
ما طبيعة التجارب العلمية التي تقوم بها الولايات المتّحدة في مثل هذه المختبرات البيولوجية؟
أوضح كريم أنّ ما تمّ الكشف عنه من خلال الحرب في أوكرانيا عن إقدام الولايات المتّحدة على إجراء تجارب بيولوجية للكشف عن مواطن الضعف في سلالة الصرب التي ينتمي إليها الروس.
وتابع أن روسيا كانت تخشى من أن تصل نتائج هذه التجارب إلى مرحلة تهدد حياة الروس، وبالتالي شرعت في عمليتها العسكرية الخاصة.
وأوضح أنّ الهدف لا يختلف كثيراً في المختبرات التي أنشأتها الولايات المتّحدة في عدد من الدول الأفريقية بما فيها السودان والدول الأفريقية النامية الأخرى، لأن الهدف السياسي هو ذاته.
ولفت كريم إلى أنّ واشنطن تقوم بإنتاج عقاقير وأدوية للأوبئة وتفرض على الدول شراءها من الشركات الأميركية حصراً، وبالتالي هي مسألة ليست فقط ذات أهداف سياسية وبُعد سياسي بل أيضاً تحمل في طيّاتها أهدافاً ربحية لخدمة صالح الشركات الأميركية.
واشنطن تنفي أن تكون المعامل البيولوجية لها أي طابع عسكري، ماذا تقول الحقائق؟
أشار أبو نصّار إلى تصريح نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند التي ذكرت خلال جلسة استماع عُقدَت بهذا الشأن في مجلس الشيوخ أنّ إدارة بايدن تموّل بالفعل سلسلة كاملة من المختبرات البيولوجية، وبيّنت أن محتويات هذه المختبرات خطرة.
ولفت إلى أن نتائج التحقيق تشير إلى أنّه من بين سبعة زبائن للمختبرات البيولوجية في أوكرانيا لا يوجد زبون واحد ذو طبيعة علمية أو مدنية بحت، لأن الزبائن الرئيسيين لهذه المختبرات هو البنتاغون، وبالأخص قيادة البحث والتطوير الطبي في الجيش الأميركي، ومعهد ريد المعني بأبحاث الجيش الأميركي.
المختبرات لا تخضع لسلطة الصحة العالمية
قال عاصي إنّ هذه المختبرات لا تخضع لسلطة منظمة السلطة العالمية، حتى وإن كانت تملك معلومات عمّا يجري فيها.
وأضاف أنه يجب على منظمة الصحة العالمية أن تطلب مراقبة بعض المختبرات عندما تشكّ في أمر ما، كما حصل العام الماضي عندما طلبت المراقبة في مختبرات ووهان الصينية على أساس أنّ الاتّهامات الأميركية كانت توجّه لهذا المختبر بأنّه مصدر وباء كورونا.
لماذا تعمل واشنطن على إنشاء مثل هذه المختبرات في الدول الفقيرة؟
أرجع أبو نصّار السبب لكون هذه الدول هي عملياً حقل تجارب واسع في ظلّ غياب الرقابة والسياسات الحمائية التي تحمي هذه الدول الفقيرة من قبَل حكوماتها.
وأشار إلى أنّ أكبر المستثمرين في قطاع تمويل هذه المعامل: هم الملياردير الأميركي جورج سوروس ومؤسسة الفكر الجديد، وهانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي، الذي وفقاً لتقرير صحيفة “الميل” البريطانية مسؤول بشكل مباشر عن تمويل أكثر من 400 معمل بيولوجي حول العالم، عن طريق شركة “ميتابيوتا” المرتبطة بـ”بلاك أند فيتش”.
الميادين نت