كان في حساب أمريكا ومن وقف معها في مشروعها الخبيث (الشرق الأوسط الجديد)، ملخّصه تمكين الكيان المسمى بإسرائيل من الهيمنة على المنطقة، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ولا يمكن أن يتمّ ذلك، دون تشجيع الدول العربية والإسلامية، على التطبيع مع الكيان الصهيوني، على أنّه الحلّ المناسب الذي يمكّن حكوماتهم من الخروج من أزماتها المُفْتعَلة، ويُرسي بها على وضع أفضل مما هي فيه، لا يمكن بلوغها دون الإقدام على خيانة القضيّة المركزيّة، بإسقاط حقوق الشعب الفلسطيني.
ولا يمكن لأمريكا تزامنا مع ذلك، أن تمرّر مشروعها المتسلّط، من دون استدراج الشباب العربي والمسلم، عبر سفاراتها في البلدان المستهدفة، والتي تعجّ دائما بالخبراء الجواسيس وبرامجهم التأهيلية للشباب، لاستلام دور المروّج لفكرة أن أمريكا صديقة، وتريد خيرا للشعوب، وتسعى من أجل مساعدة شبابهم العاطل، لبناء مستقبل مهني يتوقون إليه، خصوصا وأن هؤلاء الشباب يعيشون حالة من البطالة والضياع، ولا يجدون فرصة تمكنهم من إيجاد مكان ضمن فئات الشعب العاملة.
السياسة الأمريكية نجحت لحدّ الآن، في إغواء دول عربية عديدة، رضيت بأن تدخل رأسها تحت مظلة التطبيع المُهِينة، رغم معارضة شعوبها لما أقدمت عليه، فكلّنا نعرف يقينا، أن الشعوب العربية هي آخر ما تقيم له هذه الحكومات وزنا وقيمة، لمسلّماته التي لا يقبل المساس بها، وفي مقدّمتها قضيّة الشعب الفلسطيني، التي تعطي لها شعوبنا قيمة كبرى، ولها مكانة مميّزة في قلوب غالبية أفرادها، ولها قداسة في نفوسهم، لا يمكن أن تزول تحت أي عامل أو ظرف.
أمريكا التي كانت ولا تزال تضخّ مليارات الدولارات، على المستَدْرَجين من الدول والشعوب، في شكل مساعدات وهبات وإنفاقات، على نواد متعددة الإختصاصات، وتقديم تسهيلات قنصلية لعناصرها للسفر، بغية المشاركة في تربّصات وورشات داخلية وخارجية، وهذا ما أوجد من بين شبابنا عناصر متأثّرة بظاهر السياسة الأمريكية، متسامحة معها لا ترى فيها خطرا، بينما هي الخطر بعينه، وأمريكا بتاريخها أظهرُ من أن تخفى على العالم.
من الحمق بما كان أن نصدّق من كذب مرارا وتكرارا، واتخذ مواقف عدائية ضد حركات مقاومتنا، في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، معتبرا إيّاها جماعات إرهابية، وهي من أسّس ومهّد لدخول الجماعات الإرهابية إلى بلداننا، في العراق ولبنان وسوريا، كما في تونس والجزائر، غايتها تفتيت وحدة هذه الشعوب وإرباكها، تمهيدا للتدخل في شؤونها الداخلية والتحكّم فيها أكثر، هذه حال أمريكا والدول المتحالفة معها بمخططات التخريب، التي عملوا على نشرها هنا وهناك، ومن المؤكّد أن قضيّة فلسطين هي الهدف الأساس الذي كان وراء نشر الإرهاب في العراق وسوريا، وصولا إلى أطراف لبنان، للقضاء على روح المقاومة، وفكرها القائم على الحرّية والعزة والكرامة، لكنه بعزم وإرادة الشعوب الواعية، أمكن افشال مشروعها الهدّام، وتقزيمه إلى حدود محافظة (إدلب/ شمال سوريا)، وبعض الجيوب المتبقية منها، غربي العراق وشرقي سوريا، برعاية القوات الأمريكية المحتلة لبعض المناطق ( منفذ التنف الحدودي السوري العراقي الأردني(1)/
قاعدة الشدادي(2)/ حقل عمر النفطي) (3) ، والتي تستخدم تلك الفلول المتبقية في اعمال إرهابية مستهدفة المدنيين، لإبقاء الأوضاع غير مستقرّة هناك.
فشل إذا مشروع أمريكا الإرهابي، وفي المقابل تقوّت حركات المقاومة في المنطقة، والفضل يعود إلى رعاية إيران لها، فتطوّرت أداء وتجهيزات، وقد أثبتت جدواها، وحققت توازنا عسكريا استراتيجيا، وهنا باب أداء الحق إلى صاحبه، أن نترحّم على الشهيد قاسم سليماني، الذي استلم مهمّة رعاية حركات المقاومة في المنطقة، فأحسن وأجاد، وعلى يديه انتهت داعش في (البوكمال/ شرقي سوريا)(2)، وكان مؤمّلا أن يقود معركة تحرير فلسطين، وهذا ما أزعج أمريكا وأربك حساباتها، فعملت على اغتياله بكل جبن ووقاحة، وهو ضيف على العراق خارج مطار بغداد، وذلك طبع فاسد كريه، لم تتخلى عنه شيطانة هذا العالم.
يبدو أن استباق مخطط وضع اليد عسكريا على قطاع غزة، للتخلّص من عناصر مقاومتها بعدما تقوّت، واستعصت على الحلول السلمية والعسكرية، ألجأ حركتي حماس والجهاد إلى القيام بهجوم (طوفان الأقصى)، وشكّل في حدّ ذاته حدثا سعيدا لشعوبنا الإسلامية كلّها، طالما انتظرته، وهي على يقين أنّه سيحصل يوما، هذا الطوفان الذي صدق من أطلق عليه هذا العنوان، عرّى ما بقي من هيبة الكيان الصهيوني، فإذا هو كما سماه سيد المقاومة أوهن من بيت العنكبوت.
وكردّ فعل على الهزيمة النكراء التي مني بها الكيان، و تهدئة للإضطراب الداخلي الذي أصبح عليه مستوطنوه، قررت قيادته مسح قطاع غزة بالقصف، واجلاء من تبقى منه إلى صحراء سيناء أو صحراء النقب، وهو حلم صهيوني أمريكي لن يتحقّق، فليس اليوم كالأمس، ومحاولة لإرهاب حركات المقاومة وشعوبها، حشدت أمريكا أساطيلها وحاملتي طائراتها، شرق البحر المتوسط، قبالة المنطقة المستهدفة، وهي مدركة أن اسطولها مرجّح أن يتضرّر ضررا فادحا، لكن عنجهية التسلّط لا تترك قيادتها، بمنأى عن التورّط في حرب مدمّرة، قد تكون سببا في سقوطها من برج كبريائها العاجي، وما قيمة حملة طائرات، قد ينهي وجودها صاروخ دقيق واحد، وهي تحمل آلاف الجنود؟
هذا تصرّف غبيّ، ينبئ بحقيقة هذا النظام الإستكباري، في عربدته المتواصلة، ودخوله عسكريا دون إذن للعراق وسوريا، وإقامته قواعد هناك، لن تفيده في شيء، سوى مزيد من انكشاف نواياه الاستعمارية الخبيثة، وهدفها وضع اليد على حقول النفط والغاز هناك، وبه تُفتضح نوايا زعيمة الاستكبار العالمي، في السيطرة على المنطقة، واخضاعها بالقوة العسكرية بعد استعصائها بالأساليب السياسية الماكرة.
الساحة اليوم مرشِحة على احتمالين، كلاهما مرّ على الصهاينة والأمريكيين، التراجع عن غزة ورفع اليد عليها، وهو نصر لحركتي حماس والجهاد، ونصر لمحور المقاومة برمّته لأنه هيكل مترابط بعضه ببعض، وإما اندلاع حرب شاملة، تكون فيها نهاية كيان إسمه إسرائيل، وما سيستتبعه من نتائج متعلّقة بهذه الحرب، ومنها تضرّر وسقوط أمريكا من علياء مجدها الكاذب، وظهورها على حقيقتها عارية من كل قيمة، كفيدرالية يحكمها متعصبون للصهيونية، وهذا ما سيسرّع من تفككها وانقسامها، وهذه نهاية كل متسلط شخصا كان أم نظاما، يسعى للوقيعة بين الدول والتطاول على حقوقها.
المراجع
1 – التواجد العسكري الأمريكي في سوريا غاياته وأهدافه
https://alaalam.org/ar/politics-ar/syria-ar/item/599-611031117
2 – مصادر للميادين: تعرض قاعدة الشدادي الأمريكية جنوب الحسكة لقصف من داخل العراق
https://www.elnashra.com/news/show/1643197/
3 – قصف يستهدف القاعدة الأمريكية في حقل العمر النفطي بسوريا
https://www.alalam.ir/news/6736033/