وصلت القضية الفلسطينية اليوم إلى مفترق طرق حلّها، وقد تقاطعت مصالح القوى المعتدية – الصهيونية والغرب – مع مصالح الشعب الفلسطيني، والشعوب الإسلامية المناصرة له، وشعوب أخرى صديقة، وقفت بصدق إلى جانب هذه القضية العادلة، ولم يعد بالإمكان بعد اليوم توقّع حلّ دبلوماسي مقبول لها، بعد الذي حصل منذ أكثر من شهر في قطاع غزة، والفلسطينيون عموما أسقطوا من اهتمامهم مؤتمرات الدول العربية والإسلامية، وقممها الطارئة والعادية، فما تمخّض عنها جميعا لم يفدهم في شيء، وكان من باب أولى منذ البداية أن يفعّلوا مواقفهم بشكل عمليّ، ويسخروا امكاناتهم وطاقاتهم، من أجل فرض حقوقهم على هذا الغرب العنصري المتصهين، الذي هبّ بقطعه البحرية، مناصرا كيانا صهيونيا غاصبا محتلّا، وهو يعلم تاريخه الإجرامي، متيقّن بأنه معتد آثم.
غزّة ترزح تحت القصف الصهيوني الهمجي أعمى، الذي لا يفرّق بين مشفى ومدرسة ومسجدا وبناء سكنيا، ليسقط من جرائه آلاف الشهداء والجرحى، من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، فقد (وصلت حصيلة الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي تجاوز 11 ألف شهيد، من بينهم 4500 طفل و3 آلاف امرأة و700 مسن، في حين بلغ عدد الجرحى، أكثر من 27 ألف جريح معظمهم من النساء والأطفال.) (1)
الدول الغربية وزعيمتهم أمريكا، ترى أن ما يقوم به الكيان الغاصب، هو دفاع عن النفس، فهي بالتّالي عمياء صمّاء بكماء أمام ما يجري من فظائع، ولم تسعى – حتى من أجل التنصّل من شر اكتها في تلك الجرائم – لإيقاف هذا الكمّ من الإنتهاكات، فقد عقد جميع هؤلاء العزم اليوم على انهاء المقاومة الفلسطينية بطريقتهم الاستعمارية الموغلة في الاجرام والحقد على أصحاب الحق في الأرض.
عرفنا من قبلُ – وليست جديدة علينا هذه المعرفة – أن هذه الدول الغربية بنَتْ اقتصادياتها على سرقة موارد الدول الضعيفة، أثناء فترة استعمارها، فما حوّلته من ذهب ومواد خام من تلك البلدان إلى بلدانها، خوّلها وأهّلها لتصبح رائدة الصناعات الكبرى في العالم، بالتالي ازدادت سيطرة فضلا على تفوقها العسكري، وما ارتكبته قواتها العسكرية في تلك البلدان من جرائم، في مواجهة حركات التحرّر يفوق الإحصاء، تماما كما هو حاصل الآن في غزّة، حيث يطْمَر الأحياء مع الموتى والمصابين، تحت ركام الأبنية المدمّرة، بفعل القصف العشوائي، فلا غرابة إذا من مواقف بريطانيا، وهي التي أوجدت هذا الكيان المعتدي، ترتيبا خبيثا منها بعد خروجها من فلسطين، ولا عجب من مواقف أمريكا، وهي التي أخذت على نفسها عهدة حمايته والدفاع عنه، وحذت فرنسا وألمانيا حذوهما في مناصرة الباطل، وهي مدركة تماما أنها تفعل ذلك عن سبق إصرار وترصّد، وواعية سياسيا أنها تتناقض مع مبادئها في الحريّة والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنّها ماضية قُدُما في تنفيذ ما عزمت عليه.
أمّا لماذا يستهدفون هذه المنطقة من العالم تحديدا دون غيره، فمعرفتهم بمستقبله لا يشوبها شكّ، في كونها ساحة تغيير سيكون لها الأثر الأكبر الإيجابي على جميع دول العالم، دراسة علماء الغرب لديننا وتراثنا مستفيضة، فلديه مراكز دراسات أكاديمية دؤوبة في ابحاثها في هذا المجال الحساس، والذي تخفيه الدول الغربية ولا تظهر نتائجه لأيّ كان باعتبرها أسرار لا يجب أن تصل إلى المسلمين تحديدا، وبقاءهم على عماهم وفي مواقعهم المتأخّرة عن ركب الحضارة الإنسانية، مع أن المسلمين هم أولى بتنسّم اعلى مراتب الحضارة من غيرهم.
كنّا كشعوب عربية نتشاءم من جامعة الدول العربية، ومؤتمراتها وجدواها عربيا، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وفائدتها إسلاميا، فانعقادها من عدمه سيّان عند شعوبنا الإسلامية، لم تسفر اجتماعاتها منفردة على شيء يفيد الشعوب الإسلامية، وها هي اليوم تختصر اجتماعين في اجتماع واحد الجامعة العربية والمنظمة الإسلامية في قمّة طارئة، انعقدت في الرياض عاصمة المملكة السعودية، في مجمّع التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومن كان يعتقد أن ما سيتمخّض عليه الاجتماع الثنائي العربي الإسلامي سيكون فيه تضامن فعلي مع المقاومة في غزّة فليستفق من وهمه، فهو واقعا اجتماع مطبعين ظاهرا وباطنا باستثناء إيران والعراق وسوريا واليمن والجزائر وتونس.
وتمخّض الجبل فولد فأرا، هذا المثل ينطبق تماما على هذا المؤتمر العربي الإسلامي المنعقد في الرياض، فلم يشذّ عن سابقيه في بيانات الشجب والتنديد والإستنكار، والدعوات الفارغة كحلّ الدولتين، واعتبار السلطة الفلسطينية دولة واعطائها شرعية بلا أهلية ولا شعبية ولا تاريخ مشرّف، وكسر حصار غزّة، وقد ثبت يقينا أن مبادرة السلام العربية في الأرض مقابل السلام، والمتلخّصة في حلّ الدولتين، ساقطة بفعل الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة، وسلطة أو دولة كما هي شأن جوقة محمود عباس تعتبر مهيعا ليرتع فيه عملاء الصهاينة في الضفة والقطاع يتجسسون فيه على المقاومين، أسماء وأخبارا ومواقعا.
رفع الحصار عن غزّة لن يكون بالمفاوضات بل بالقوّة وجوبا، وأسمعت لو ناديت حيّا في هذا العالم بإمكانه أن يفعل شيئا لرفع الحصار سلميا، فبوابة رفح عند النظام المصري، فهل فعل هذا النظام شيئا لفائدة اخوته الفلسطينيين المحاصرين في غزّة، منذ أكثر من تسع سنوات؟
وهل رخصت دماء الفلسطينيين في غزة فيقتل الصهاينة عشوائيا ودون اعتبار لأي قيمة قانونية دولية أو إنسانية، ولا تتخذ الدول المطبّعة من الكيان المعتدي قرار طرد السفراء الصهاينة من عواصمهم ( تركيا/ مصر/ الأردن/ الإمارات/ المغرب/ السودان/البحرين/ أذربيجان)، ألا يخجل هؤلاء من بوليفيا وكولومبيا وجنوب أفريقيا التي قامت بطرد السفير الصهيوني من عواصمها؟ ألا تستحي من كوبا وهي التي لم تزل ثابتة في عدم الاعتراف بالكيان على أرض فلسطين على خلفية أنه مغتصِبٌ وغير شرعي؟
أمام البيان الهزيل الذي تمخّض عن ائتلاف المؤتمر العربي الإسلامي، وإن كان طويلا ب31 بندا (3) بيان انشائي جافّ جفاف مشاعر من كتبه، خال من أيّ تحذير جدّي للكيان الصهيوني بوقف عدوانه الدّموي، كأنّما دماء الفلسطينيين بلا قيمة عند هؤلاء، وكأنّما قدرهم أن تبقى حياتهم مستباحة دائما وهم أصحاب حقا، بيان استفاض في نقاطه، لكنّه نقاط عجفاء عرجاء، لا يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية، في الوقوف بقوّة إلى جانب أهلنا في غزة وفلسطين، فقد طالت محنتهم وتعاظمت مآسيهم، ولم يعد بالإمكان السكوت عليها، فقد عبّرت حركة الجهاد الإسلامي في بيانها الصادر يوم الأحد (أن صيغ الإدانة والمطالبة والدعوة التي ضجّ بها البيان الختامي توحي وكأنّ البيان صادر عن هيئة على غير صلة بما يجري من مجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفّة، ولا عن اجتماع 57 دولة، بدت من خلال بيانها وكأنها لا تملك شيئا، ولا تقوى على شيء سوى المناشدة والمطالبة.. وأضاف البيان: ما ورد من مقررات في البيان الختامي يرسل إلى الأمة العربية والإسلامية رسالة مفادها أن هذه الأنظمة باتت عاجزة عن حماية شعوبها وعن الدفاع عن مقدسات الأمة، وأن شعوبها متروكة لقمة سائغة للكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية) (3)
الأمل الآن أصبح مناطا بالشعوب الإسلامية جميعها عليها أن تضغط من أجل الدفع بدولها نحو مواقف عملية لصالح فلسطين وليبدؤوا أوّلا بحسن اختيار حكامهم فالجبناء والعملاء لا مكان لهم في الحكم بيننا، اضغطوا من أجل أن تبقى المقاومة شوكة في عين وحلق الصهيوني والأمريكي، وإن لم تفعلوا فيا خيبة المسعى.
المصادر
1 – شهداء وجرى في قصف إسرائيلي لمناطق متفرقة من قطاع غزّة .. والإحتلال يواصل محاصرة واستهداف مجمع الشفاء الطبي https://daaarb.com/
2 – ننشر نص القرار الصادر عن القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض بشأن غزّة
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11112023&id=
bf8f78df-c299-4446-9615-d1584728611a
3 – الجهاد الإسلامي” تهاجم البيان الختامي لقمة الرياض: لا يوحي بأنه صادر عن اجتماع 57 دولة!
https://arabic.rt.com/middle_east/1511840-