حين تفقد الأمة العربية بوصلتها نحو الوحدة, تبقى الذاتية والأنانية والقطرية , وتندثر الروح القومية – وحتى داخل القطر الواحد تفتقد الوطنية أهم شروطها فى إنكار الذات للصالح العام .
منذ زمن كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو , والعالم العربي فى صراع مع الذات لتتغلب الآن الروح القطرية على القومية من أجل اندثار الشعور الوحدوي والقضاء على فكرة القومية العربية , وتلك بداية الإستراتيجية الامبريالية الصهيونية لتفتيت عالمنا العربى.
وقد كان لغياب ” جمال عبد الناصر: أكبر الأثر لتحقيق هدف الاستعمار والصهيونية , وحتى حينما بدت روحه مازالت تهيم فى العالم العربي والإنساني , واصلت الآلة الإعلامية الممولة ببتر ودولار الخليج والمُسيرة صهيونيا رفع وتيرة التصعيد في هجومها لاغتيال روحه , حتى يفقد الشعب العربي كل آماله فى وحدته وصعود قوميته العربية.
وعلى مدار نصف قرن مارس الإعلام العربي الممول ببتر ودولار الخليج والموجه للسير على طريق الصهيونية العالمية , “والديماجوجية” الفكرية على جماهير شعبنا العربي ,آملا فى تكفيرها بكل القيم الإنسانية ومُحبِطاً تطلعها نحو تحقيق أهدافها فى الحرية والاشتراكية والوحدة , حتى صارت على ماهي عليه الآن من انعدام وزن , وفكر منغلق وكفر حتى بالذات وبفعل سياسات حكامها .
ما سلف هو تمهيد الأرض من أجل التطبيع وأمن إسرائيل , وحينما أينعت أشجار الأفيون والخشخاش , كانت قطوفها تغييب العقول والدوار , فهرولت الأمارات والبحرين والسودان الى التطبيع ,واستقبلت عُمان وقطر مافيا الموساد ,وفى الرياض وزعت الأدوار بعد الأقصى ليأتي الدور على الحرمين .
قد تختلف السياسات والرؤى وتبقي الثوابت ومن اجلها يبقي النضال والتضحية بالغالي والنفيس –وفى عالم الإنسانية واحترام مواثيقها, فاِن الاختلاف فى الرأي لا يفسد للود قضية , طالما لا تباع الأديان والأوطان – هذا الشعار هو سمة العالم المتحضر , فما بالنا بعالم عربي يجمع دولا تربطها , روابط الدين واللغة والأرض -عالم الأشقاء العرب – والعروبة من أواصرها (النخوة والشهامة والرجولة والكرم) وما يتفرع عنهم من عدم استغلال معاناة الآخرين , ونجدة من يتعثر على الطريق , من أجل الوحدة العربية كهدف استراتيجي فى سبيله يكون الأيمان بالصراع مع إسرائيل صراع وجود لا يتزعزع ولا يلين .
لكنهم الآن قد تخلوا عن كل هذه القيم منذ تنصيبهم بفعل الاستعمار وقد بدوا الآن الأكثر حظاً لمرافقة الشيطان, مولوا الإرهاب و ببتر ودولاراتهم دمروا الزرع والحجر فى الشام والعراق وليبيا ومازالوا يزهقون الأرواح فى اليمن الى الآن – فلا غرابة حين يستغلون معاناة الشعب العربي وأزماته الاقتصادية الخانقة , من أجل الضغط عليه أكثر وأكثر, حتى تنفجر البلاد , آملين من ذلك أن تهرول كل الدول للتطبيع مع الكيان الصهيوني ,بوهم أتقاء الانفجار .
وتبقي الطامة الكبرى أنه حين وقف رئيس دولة أوربية محورية , يهين الإسلام والمسلمين , وجد من بعض حكومات العرب ,وإعلام هذه الحكومات , من يبرر لهذا الرئيس أهانه رسول الله النبي محمد الصادق الأمين – وفى ذلك النهج تتجلى قمة الخسة والدناءة , وأعلى مراتب الانتهاك لمبادئ الإسلام وقيمه السمحة.
ولا عزاء بأن ذلك مرتبط بالسياسة والاقتصاد , فذلك هروب وتبرير لانتهاكات الإرادة والنخوة العربية ومبادئ الإسلام , وتحقيقا لحلم الصهيونية وإستراتيجية الإمبريالية والاستعمار.
وهذه الحادثة واِن دلت فإنما تدل على أن بعض من النظام الرسمي العربي فقد روح الأخوة العربية وأثبت أنه نتاج سفاح .
وحين يكون الحديث عن الإسلام ونبيه ،يجب أن نكون دائمًا أول من يحتج ضد أي إساءة إلى ديننا ونبينا.
وتبقي الإساءة لنبينا محمد مرفوضة تمامًا، وإذا كنتم تعتبرون الإساءة لنبينا حرية تعبير فنحن نرفض هذه الحرية شكلًا ومضمونًا، وسوف نتتبع الذي يسيء إلى نبينا في المحاكم الدولية حتى لو أمضينا عمرنا كله في الدفاع عن النبي ، هذا الرسول الكريم الذي جاء رحمة للعالمين، وأطالب دول الحقوق والحريات أن تتخذ خطوات حقيقة ملموسة لوقف أي تصريحات تربط الإرهاب بالإسلام وتقول الإسلامي أو الإسلاموي، فهذه المصطلحات جميعها تجرح مشاعر المسلمين – وأن الإرهاب صنيعة دولية، والعالم العربي هو المسرح الذي تنفذ عليه جرائم الإرهاب ( كما قال شيخ الأزهر الشريف ).
وأخيراً ..فإن محور مقالي نقطة ضوء للانتباه , فمازلنا عرب .. النخوة فينا هي المعيار.. والأخوة تفضيل الأخ على الذات والوطن على الأسره والأوطان تذوب فى قوميتنا من اجل وحدتنا العربية إن شاء الله – “وإلا رسول الله” ليست شعارا , إنما هي عقيدة و إيمان .
* كاتب ومحامى – مصرى