الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

التغلغل الصهيوني في القارة: وما الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل لافريقيا وتعجز عنه الدول العظمى؟

لننسَ كل ما يثار عن تقنيات إسرائيل الأمنية، إذ ليس لذلك أي علاقة بتلهف بعض دول إفريقيا على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وما الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل من تقنيات أمنية لكل من تشاد ومالي ودول أخرى، تعجز عن تقديمه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، والبرازيل، وجنوب إفريقيا؟

الجواب على هذا السؤال هو «لا شيء»، وفي اللحظة التي نقبل بها هذه الحقيقة، تكون بداية فهمنا للسبب الذي جعل تشاد وهي دولة ذات غالبية مسلمة، تجدد علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وينطبق المنطق ذاته على مالي، وهي دولة أخرى ذات غالبية مسلمة، تطبع علاقاتها مع إسرائيل، وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي زار إسرائيل في نوفمبر الماضي، فيما اعتبرت رحلة نجاح أخرى حققها بنيامين نتنياهو وحكومته، ووسائل الإعلام الحليفة له.

في المقابل قام نتنياهو بزيارة إلى ديبي في نجامينا، حيث اتفقا على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وتحدث ديبي خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرجلان عن اتفاقات تم التوقيع عليها بين تشاد وإسرائيل، لكنه لم يقدم مزيداً من التفاصيل.

ويمكن أن تقدم إسرائيل نفسها باعتبارها المنقذ لإفريقيا، لكن بغض النظر عن مدى قوة الاقتصاد الإسرائيلي من غير الممكن أن تملك إسرائيل المفاتيح التي تحل مشكلات تشاد ومالي أو أي دولة أخرى في القارة الإفريقية. وأسهم الإعلام الإسرائيلي بفاعلية في حملة «التطبيل» التي رافقت زيارة نتنياهو إلى إفريقيا، وهو يركز الآن على التحضيرات التي تجرى من أجل «زيارة تاريخية» أخرى سيقوم بها رئيس حكومة مالي صوميلو بوبيي مايغا إلى إسرائيل خلال الأسابيع المقبلة. ويعمل نتنياهو جاهداً لجعل زيارة مايغا تتم قبل التاسع من أفريل، وهو الموعد المقرر للانتخابات العامة المبكرة في إسرائيل.

محفزات إسرائيل

ويبدو أن محفزات إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع دول إفريقيا نابعة من المنطق ذاته الذي دفع نتنياهو إلى تطوير علاقاته مع دول أميركا الجنوبية، إضافة إلى مناطق أخرى في النصف الجنوبي من العالم. وعلى الرغم من علاقة الحب بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الوقت الحالي، فإن إسرائيل لا تثق في مستقبل وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خصوصاً أن إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة أوضحت أنها تعمل على الانسحاب من الشرق الأوسط الى منطقة أخرى.

وهذا ما لفت انتباه نتنياهو إلى حقيقة أنه يجب على إسرائيل تنويع حلفائها، إذ إن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي لم يعد ضامناً لسيطرة إسرائيل في المنطقة.

ومنذ سنوات عدة يتابع نتنياهو مساراً جديداً، والذي أصبح يمثل الطريق الوحيد لإسرائيل كي تتخلص من عزلتها الدولية، ولسوء حظ الفلسطينيين، يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تهدف إلى الحصول على تحالفات مع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بدأت تؤتي ثمارها. وتأمل إسرائيل حالياً أن تحذو الدول التي تقف تاريخياً مع الفلسطينيين خلال التصويت على حقوقهم في الأمم المتحدة حذو تشاد ومالي.

ويرى كبير موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية في خمسينات وستينات القرن الماضي دان إفني، إن الصراع بين إسرائيل والدول العربية هو «صراع الموت أو الحياة بالنسبة لنا». وقال الرجل هذه العبارة، في الوقت الذي لم تكن الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بالمشروع الاستعماري الإسرائيلي، كما أن إسرائيل كانت بحاجة ماسة للتخلص من عزلتها.

وإثر توسع المشروع الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين والدول العربية الأخرى بعد حرب عام 1967، ساعد الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الأميركي لإسرائيل على معالجة العديد من نقاط الضعف التي كانت تعانيها، ما أدى الى تعزيز قوتها وأصبحت القوة التي لا تنافس في المنطقة. وفي هذه المرحلة لم تكن إفريقيا ولا حتى بقية المجتمع الدولي تشكل أي أهمية بالنسبة لإسرائيل.

ولكن الآن ثمة لعبة كبيرة تعمل على تغيير قواعد اللعبة القديمة من جديد، فالولايات المتحدة لا تخسر قبضتها على الشرق الأوسط وإفريقيا فقط نتيجة ظهور النفوذ الروسي والصيني، وإنما لأن واشنطن نفسها منشغلة بأماكن أخرى، إذ إنها تعمل بصورة يائسة لاستمرار سيطرتها الدولية المتضائلة إلى أطول فترة ممكنة.

وعلى الرغم من أن العلاقات المتينة بين أميركا وإسرائيل، فإن القادة الإسرائيليين يدركون التغير الكبير في المشهد السياسي الدولي. ووفق الحسابات الإسرائيلية، فإن «القتال من أجل الحياة أو الموت» سيعود مرة ثانية مطروحاً أمام القادة الإسرائيليين، وبناء عليه تريد إسرائيل تحفيز الدول الفقيرة في إفريقيا وأماكن أخرى، بدعم سياسي ووعود اقتصادية كي ترفض التصويت لمصلحة الفلسطينيين في الأمم المتحدة.

ولهذا السبب ليس من المستغرب أن تبدو حكومتا تشاد ومالي اللتان تعانيان على المستوى الاقتصادي متلهفتين على التقرب من إسرائيل لتطوير اقتصادهما فقط، وإنما من أجل شرعيتهما السياسية أيضاً. ونظراً لانقسامها بين طرفي الصراع العالمي للسيطرة على العالم بين الولايات المتحدة والصين، تشعر هذه البلاد بأنها تواجه ضغوطاً كبيرة تجبرها على اتخاذ الخيار المناسب، الذي يمكن أن يصنع الفرق بين نجاتها واستمراريتها أو اندثارها، خلال الاضطرابات المستقبلية.

وترى هذه الدول أن التحالف مع إسرائيل يعد بطاقة ضمان لضمها الى عضوية النادي السياسي الأميركي، حيث سيثبت أهمية هذه العضوية من خلال المساعدات الاقتصادية والسياسية، والأهم من كل ذلك حصولها على حصانة ضد الانقلابات العسكرية، ولذلك فإن من يواصلون تكرار الرأي القائل بأن تغلغل إسرائيل في إفريقيا يستند إلى تطورها التقني المتقدم وتقنيات المياه؛ واهمون.

ومن المهم الملاحظة أن الطريق إلى إسرائيل ليس ما تصبو إليه تشاد ومالي، وإنما الطريق إلى واشنطن ذاتها، ففي إفريقيا، وكذلك في الأجزاء الأخرى من جنوب العالم، الولايات المتحدة هي التي تمنح الشرعية السياسية أو عدمها، وليس الأمم المتحدة. وبالنسبة لقادة دول إفريقيا الذين لا يتمتعون بشرعية ديمقراطية، يمكن أن يعادل إجراء مصافحة مع نتنياهو بالنسبة لهم ضماناً للحياة السياسية.

رمزي بارود كاتب وصحافي أميركي

طريق جميل

ستواصل إسرائيل السير في هذا الطريق الجميل، حيث تغتصب الموارد والدعم السياسي الأميركي كما هي الحال دوماً، وهي تعلم جيداً كيف تمشي وحدها عن طريق تطوير سياسة خارجية تأمل من خلالها التخلص من عزلتها في المستقبل.

ولم يستوعب حتى الآن قادة إسرائيل أن الطريق الأقصر إلى كسر العزلة عنها هو باحترام القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، وسيادة أراضي جيرانها.

ويمكن أن تفضي العلاقات الدبلوماسية مع تشاد ومالي إلى منح نتنياهو مزيداً من أصوات الناخبين في أفريل المقبل، لكنها ستسهم في استمرار الوهم الإسرائيلي الذي مفاده أنها تستطيع أن تكون الدولة المدللة في العالم، وتحكم بنظام الفصل العنصري «أبارتهايد» في الوقت ذاته.

ترجمة: حسن عبده حسن عن «كاونتر بانش»

الامارات اليوم

 

شاهد أيضاً

فرنسا في السنغال زرعت الريح.. هل تحصد العاصفة؟…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

أوقات عصيبة شهدتها مؤخراً ستة دولٍ في القارة السمراء, وبدا المشهد وكأن عجلة الإنقلابات تتدحرج …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024