من دلائل نجاحات الدول رسمها سياستها الخارجية بحكمة، يظهر من خلالها حسن تعاملها مع محيطها القريب والبعيد، الصديق والعدو، وفق إطار قانوني، تحكمه مبادئ عقائدية، لا تتغيّر تحت أيّ مؤثر، فليس هناك أنجع لها ولشعوبها، من سياسة حكيمة متميّزة في إطارها، ثابتة ومتّزنة في تعاملاها، ومراعية لحقوق شعوبها مع الشعوب الأخرى، وليس هذه الإمكانية والطريقة متاحة لجميع الدول، بحكم عقلية حكامها وميولاتهم الفكرية والسياسية، ولا أتردّد في القول، بأن أغلب الدول محكومة بمؤثرات وعوامل محدّدة لسياساتهم، فإن كانت صبغتها مستقلة، فهي أقرب إلى حسن إدارة شؤون بلدانها، وإن كانت مرتبطة بمخلّفات تبعيّة استعمارية، فهي إدارة فاشلة عقيمة لا يمكنها أن تفيد شعوبها، بل تجعلها مقيّدة في آفاقها المستقبلية، خاضعة لسلطة خفيّة تابعة لقوى أجنبية.
تعتبر إيران من الدول القليلة التي حسمت مصيرها، بعد ثورة إسلامية عارمة، لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا، أطاحت بنظام عُرِف بعمالته لأمريكا وبريطانيا، زعيمتي الإستكبار العالمي، وقطعت بانتصارها المشهود مع حقبة زمنية رديئة، استغلّتها تلك القوى لصالحها، وتسببت في خسائر مادية ومعنوية كبيرة، لحقت بإيران أرضا ومقدّرات وشعبا، وكان ذلك إيذانا بميلاد حجر أساس عالم خال من هيمنة القطب الواحد، وقد تحرك الشعب الإيراني بعد انتصار ثورته نحو قطع اليد الامريكية الغربية من بلاده، ونجح في تلقين مستعمريه والمتحكمين في مستقبله درسا لم يكن ليجرؤ عليه غيرهم.
الشعوب الحرة التي قررت مصيرها وصنعت مستقبلها/ ثائرة على مستغليها من القوى الاستكبارية ( الامبريالية)، ظهرت متضامنة فيما بينها، فما يجمع هؤلاء الأحرار، أعظم من أن يتجاهله غيرهم، وطعم الحرية الحقيقية، لا يتذوّقه إلا من كسر قيد عبوديته للغرب، والشعوب التي لم تصنع لبلدانها واقعا جديدا، تتفاعل فيه من أجل مصالح بلدانها، تضحية ووفاء وفداء، فإنها ستبقى رهينة تحكّم قوى متسلطة عليها بقوة المال والسلاح، وأبهى ما في هذا التوجّه المقاوم للإستكبار العالمي، اجتماع الشعوب أصحاب الثورات الإسلامية والبوليفارية والصاندينية والكوبية، لتطوير علاقاتهم تحدّيا لأمريكا وحلفائها، مراعاة لمصالح بلدانهم.
وقد أتت زيارة الرئيس السيد إبراهيم رئيسي إلى فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، لتؤكّد للمجتمع الدولي، وجاهة السياسة الخارجية الإيرانية، وحسن تعاملها مع الواقع الدولي، المقسم بين شقّ تتزعمه دول حرة في مقدمتها إيران، بتحديها لغطرسة أمريكا، وشق آخر يمثل أغلبية دول العالم، خاضعة للإرادة الأمريكية، وبين هاتين السياستين والموقفين المتباينين، تعيش شعوب العالم بين عزيزة وذليلة.
علاقات إيران الخارجية مبنية على الإحترام المتبادل بين الدول، انطلاقا ومن مبادئ ثورتها، مراعاة العوامل الإنسانية وخصوصياتها في كل بلد وشعب، وقد شكّلت زيارة العمل التي قام بها السيد رئيسي في أهمّيتها عامل تحدّ كبير، في إطار مواجهة العقوبات الأمريكية، وحملة تضامنية بين بلاده المقاومة، وبلدان أمريكا اللاتينية المتمرّدة على سياسة الهيمنة الامريكية عليها، فمعظم دول أميركا اللاتينية، لحقها ضرر متفاوت بين الفداحة وما دونها، وتاريخها التحرّري قد سجّل لها مساع جادة من أجل استقلالها، وان نزعة المقاومة تركّزت فيها بحيث عُرِفت من طرف الجميع، بأنها معدودة ضمن محور عالمي موسّع، لمقاومة نظام الهيمنة الأمريكية، فما يجمعها فكرها الثوري اليساري، السمة المشتركة لشعوبها، وهي رغم بعد المسافة بينها وبين إيران الإسلامية، قد ربطتها علاقات جيدة معها، وصفها السيد رئيسي بالإستراتيجية، مصرّحا بأن الموقف المشترك لبلاده وفنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، هو الوقوف في وجه نظام الهيمنة الأمريكية.
وقد اثمرت هذه الزيارة، إبرام اتفاقات متعددة معها، في مجالات شتى، صناعية، وزراعية، وعلمية، وتكنولوجية، وطبية، وعلاجية، ويأتي تصدير الخدمات الهندسية والتقنية، من مجالات التعاون بين إيران وهذه الدول الـثلاث، وأضاف: إن هذه الدول وكذلك الدول الجارة لنا، وباقي الدول الصديقة، والدول ذات التوجه المشترك مع إيران، أعربت دوما عن رضاها، ورغبتها في الإستفادة من القدرات الإيرانية في المجال التقني والهندسي.(1)
زيارة آية الله السيد رئيسي الأولى كانت للعاصمة الفنزويلية كاراكاس تلبية لدعوة من الرئيس الفنزويلي (نيكولاس مادورو)، والثانية لنيكاراغوا، تمت بدعوة رسمية من الرئيس (دانيال أورتيغا(، والثالثة الختامية إلى هافانا كوبا بدعوة أيضا من رئيسها (ميغيل دياز-كانيل)
وخلال زيارته إلى كاراكاس التي استغرقت يومين، التقى الرئيس الإيراني نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، ومن ثم جرت بحضورهما محادثات بين وفدي البلدين رفيعي المستوى وفي ختامها تم توقيع 19 وثيقة تعاون مهمة بين البلدين.(2)
في فنزويلا، المحطة الأولى من جولة مصغرة يقوم بها في أمريكا اللاتينية، أكد الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الصداقة بين البلدين بوجه أعداء مشتركين.وقال إن للبلدين “مصالح ووجهات نظر وأعداء مشتركين”. وتابع أن “الشعب الإيراني أثبت صداقته للشعب الفنزويلي على مدى السنوات الماضية وأظهر دائما أنه صديق أيامهم الصعبة.
فيما أعلن مادورو أن إيران تلعب دورا من الطراز الأول بصفتها إحدى أكبر القوى الناشئة في العالم الجديد. وقال: نحن في الجانب الصحيح من التاريخ.. معا لن يكون بالإمكان قهرنا.. أطلب من الرئيس الإيراني المزيد من الدعم على الدوام من أجل تطوير تعاون علمي وتقني قوي.
وقد منح الرئيس مادورو، وسام الشرف الوطني الفنزويلي وسام الدرجة الأولى لمحرري رجال ونساء فنزويلا كَعربون تقدير وثقة به.(3)
في محطته الثانية، بعدما حلّ ركب الوفد الإيراني الرفيع المستوى بنيكاراغوا، تم توقيع مذكرة تفاهم حول آلية التعاون والمشاورات السياسية بين وزير الخارجية الايراني (حسين أمير عبد اللهيان) ونظيره النيكاراغوي (دينيس مونكادا) في وزارة خارجية نيكاراغوا. وصرح وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الايرانية (حسين أمير عبداللهيان) إن النظر إلى أمريكا اللاتينية في إطار عقيدة السياسة الخارجية الإيرانية، يحظى باهتمامنا الجاد ونحن نشهد تسارع وتوسع العلاقات بين إيران ونيكاراغوا.(4)
وكانت خاتمة الزيارات الرسمية إلى كوبا، حيث استقبل الرئيس الكوبي (ميغيل دياز-كانيل) السيد رئيسي، مصرّحا إن البلدين واجها ببطولة ومقاومة شرسة العقوبات والضغوط والتهديدات والحصار ولامبالاة الإمبريالية الأميركية وحلفائها.(5)
بجهود إيران توسعت دائرة المعارضين لأمريكا، ووصلت تحالفاتهم إلى تخومها، ولن يطول انتظارنا لرؤية انهيال هذا القطب الفاسد مع تكاثف جهود المتحررين من هيمنتها، غدا ستتفكك الولايات المتحدة وبوادرها قائمة، وسيسقط الدولار حتما، ليصبح مجرّد ورقة نقدية فاقدة لقيمتها.
المراجع
1 –رئيسي يتوجه الى أميركا اللاتينية لزيارة فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا
https://www.farsnews.ir/ar/news/14020322000096/
2 – الرئيس الايراني يصل الى نيكاراغوا قادما من فنزويلا
https://www.farsnews.ir/ar/news/14020324000061/
3 – توقيع 19 اتفاقية.. السيد رئيسي من فنزويلا: علاقاتنا ليست عادية ونشترك في الأعداء!
https://almanar.com.lb/10701968
4 – إيران ونيكاراغوا توقعان مذكرة تفاهم حول آلية التعاون والمشاورات السياسية
https://www.farsnews.ir/ar/news/14011113000088/
5 – إيران وكوبا تتعهّدان التصدي “للسياسة الإمبريالية العدوانية” الأميركية
https://www.france24.com/ar/20230615-