دعاها الأمريكيون “خطة ترامب للسلام” , “خطة السلام والإزدهار” , ودعاها البعض بـ “صفقة القرن” , واليوم أصبحت التسريبات والتحليلات والتوقعات وراء الجميع , فقد تم الإعلان عنها صراحةً ووقاحة ً , وسط تهليلٍ وحضورٍ لبعض “العرب” .. وعلى الرغم من إعلانها وصدورها علنا ً , يبقى ما خفي أعظم ….
وأقل ما يقال فيها أنها صفقة عارٍ وخذلان وعمالة موصوفة , ولكثرة الحديث عنها وشهرتها , نكتفي بالإضاءة على بعض النقاط , والتي تعتبر الأكثر سلبية ً وخطورة , وبحسب ما خرج إلى العلن عبر وسائل الإعلام.
أولا ً- من حيث التسمية :
من المعروف أن كلمة صفقة تطلق وتستخدم في أوساط رجال الأعمال , ولا تطلق على مبادرات سياسية أو دبلوماسية , وليست نوعا ً من معاهدات أومفاوضات السلام , وقد عمد مطلقوها إلى إختزال توصيفها بالصفقة يالإستناد إلى الشق الإقتصادي الذي تضمنته , لحرف الأنظار عن الشق السياسي الخطير والجوهري فيها.
عادةً ما تُبرم الصفقات بين طرفين أو أكثر, لكن في حالتنا هذه , والتي أساسها القضية العربية – الإسرائيلية , والإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية , يبدو من السخيف ألاّ يُمنح العرب والفلسطينيون أي دور للمناقشة وإبداء الرأي أو حتى حق الموافقة أو الرفض بحرية دون ممارسة الضغوط أو اختيار العملاء.
وتنحصرالصفقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وسلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب فقط , على الرغم من كونها مبنية بالأساس على فرض حل للصراع الناجم عن فعل إحتلال العدو الإسرائيلي وإغتصابه للأراضي الفلسطينية والعربية قبل سبعون عاما ً, واستمر على مدى العقود الماضية وحتى اليوم , بالشراهة ذاتها في قضم معظم الأراضي الفلسطينية وبعض الأراضي العربية.
وتأتي “الصفقة” اليوم , لتضع حدا ً وخطا ً يفصل بين ما حصل في الماضي وبين ما يُرمى به من فتاتٍ إقتصادي حاليا ً, بما يضمن ديمومة نتائج الإحتلال إلى الأبد , بعدما ذهبت “الصفقة” لأبعد من ذلك , لتسمح بضم حوالي 30% من أراضي الضفة الغربية إلى حدود الكيان الغاصب , بالإضافة إلى ضم جميع المستعمرات الإستيطانية البعيدة والقريبة والمتناثرة , لتكون في ظل الصفقة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة , ناهيك عن باقي الأراضي السورية واللبنانية والأردنية المحتلة حتى اللحظة , إما على شكل إحتلال مباشر أو هبات لفظية من الرئيس الأمريكي ( هضبة الجولان السوري المحتل ) , أو أكاذيب حول التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن ( الإنسحاب غير المكتمل من الأراضي اللبنانية المحتلة ) , أو تحت ستار معاهدة سلام بائدة ( وادي عربة ).
ثانيا ً- القفز على القانون الدولي وتحييده ….
فمن راقب كلام جاريد كوشنر – مدعي هندسة وتصميم الصفقة – , في تصاريحه ولقاءاته الإعلامية خلال الستة أشهر الماضية , وخصوصا ً في لقاءه الأخير مع الإعلامي المصري عمر أديب بعد الإعلان عن الصفقة , يستمع بكل وضوح إلى كلامٍ خلاصته وجوب التوقف عن الحديث عمّا جرى في الماضي , إذ يقول :”أنتم تتحدثون دائما ً عن 1967 ونحن في العام 2020 “.
يبدو أن كوشنر يراهن على قبول من تمسّهم الصفقة , ورضوخهم لسياسة الأمر الواقع , ولا يريد العودة والحديث عمّا حصل في عام 1967 وما بعده , ولا يريد استعادة المشهد الأممي والقرار /242/ بمضمونه وتفاصيله , بما يتعلق بـ “ضرورة إنسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلي” من الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة والجولان السوري المحتل وما تبقى من الأراضي اللبنانية , ولا يريد الحديث عن “اللاجئين” و”حق العودة” , ولا يريد الحديث عن “حرمة الأراضي المحتلة” , بما يعني منع أية أعمال بناء أو هدّ فيها , وكل ما يهمه إلغاء القانون الدولي والمرجعية الدولية وقراراتها الواردة في القرار /242/ , ونسف الصفة الدولية والقانونية وكل ما يتعلق بأساس المشكلة ألا وهو العدوان والإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
ثالثاً – طروحات خيالية ووعود وقحة …
يقول جاريد كوشنر: “قرأت للتو 25 كتابا ً, وأنا هنا لأجري عملية قلب مفتوح”, ويقدم هذا “الطبيب” – الجزار وعدا ً بوجود وقيام الدولة الفلسطينية خلال أربع سنوات , من إعلان الصفقة وتطبيق بنودها على الجانب الإسرائيلي عبر تنفيذ ضم المستوطنات والضفة الغربية وما يتعلق بضم الأراضي الأردنية والجولان السوري المحتل , ومع ذلك يبقى الوعد رهينة تنفيذ الفلسطينيين لأمورٍ ( شروط ) عديدة , وعلى رأسها تطبيق نظام حكمٍ ودستور ينص على انتخاباتٍ نزيهة , واحترام حقوق الإنسان , وحماية الحرية الدينية وحماية الأقليات , وحرية الصحافة , وأن يتمتع بنظام قضائي يضمن العواقب القانونية العادلة والمناسبة لإنتهاك القانون , بالإضافة لإنتهاء الفلسطينينن من تأسيس مؤسسات مالية شفافة ومستقلة , تكون قادرة على الإنخراط في سوق المعاملات الدولية , بحيث تكون مشابهة من حيث الهيكلية والنظام على غرار المؤسسات المالية في الديمقراطيات الغربية , لمنع الفساد وضمان الإستخدام السليم للأموال , وحماية الإستثمارات , والإلتزام بقوانين الصندوق الدولي ….
بالإضافة إلى إنتهائهم من تحضير وطباعة المناهج الدراسية والتعليمية والكتب المدرسية والجامعية , وأن تكون خالية من التحريض على الكراهية ومشاعر الخصومة مع الجيران وفي جميع المناطق منزوعة السلاح في غزة أو الضفة وغيرها.
وفي حال التزم الفلسطينيون بكل هذه الأمور , وبعد أربع سنوات , سينظر الجانبان الأمريكي والإسرائيلي بالموافقة على تنفيذ – الوعد – بإقامة الدولة الفلسطينية ..!
رابعاً – شكل الدولة الفلسطينية المتوقع بحسب الصفقة …
ففي حال طبق الفلسطينيون خلال أربع سنوات , كل ما تضمنته “معاهدة” – الصفقة , فكيف سيكون حالها وشكلها ..وهل يمكن تسميتها دولة ؟
مع العلم بأنه لن يكون لها سيطرة على المعابر والحدود , حتى على المجال الجوي والمجال الكهروفغناطيسي , ولن تستطيع إبرام أية معاهدة مع أيا ً من دول العالم سواء كانت دولة جوار أم لا … وفي الحقيقة لن تكون دولة أو شبه دولة , وبالكاد ستكون مجموعة من الجيوب تفصل بينها شوارع وطرق فوق الأرض أو تحتها , تسيطرعليها سلطات الكيان الإسرائيلي بالمطلق.
وعليه لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة , وسيتبخر حلم عودة اللاجئين , الذين يفضل “كوشنر” بقائهم حيث يتواجدون الاّن , ولن ينالوا أي تعويض , لا بل وعلى النقيض سيكون هناك تعويضات لليهود اللذين غادروا الدول العربية نحو “إسرائيل” أو اتجهوا إلى أوروبا وغير أمنكة , بالإضافة إلى دفع تعويضاتٍ لسلطات الكيان الغاصب , عمّا “تكبده” من خسائر من أجل إحتواء اللاجئين اليهود – أيُّ وقاحة هذه -.
أخيرا ً… عرضنا لكم أهم ما تضمنته “الصفقة – الخطة” , ولكم أن تحكموا على كل عربيٍ ( رئيس , حكومة , ملك , أمير, ولي عهد ..) حاول نقلها وإقناع الفلسطينيين بها , وعلى من مولها , ومن هلل لها , ومن حضر إعلانها , ومن امتدحها ووجد فيها مادة جديرة بالإهتمام والبحث والدراسة….
وتحت أي ظرف وأي عنوان , لا يمكن قبول هذه الجريمة – المهزلة, وتكفي المراهنة على ذرات قليلة من العقل , والعدل , والإنسانية , والأخلاق , والكرامة … لرفضها ومقاومتها.