الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الولايات المتحدة والسعودية لا يمكن أن تنفصلا…بقلم: د. أسامة اسماعيل

د.اسامه اسماعيل

هناك القليل من التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية التي تُسبب إزعاجاً أو انقساماً أكثر من العلاقات مع السعودية اليوم. فقد يبدو أن مصالح الولايات المتحدة تُملي إنشاء علاقات وثيقة، إلا أنه ليس هذا ما تقتضيه القيم الأمريكية. فبالنسبة للرئيس ترامب، الذي لا يمكن أن يرتبط ذِكره إلا بالصفقات، لا يتطلب التركيز على مبيعات الأسلحة والنفط وبعض القضايا الأخرى الكثير من التفكير. وبالنسبة إلى الكونغرس الأمريكي، يجب أن يكون هناك ثمن لمقتل الصحفي المنشق جمال خاشقجي، فضلاً عن إدارة الحرب في اليمن. وقد أعاق البيت الأبيض محاولات الكونغرس لمعاقبة السعوديين، من بينها إنهاء جميع الدعم العسكري الأمريكي للنزاع في اليمن.

على مر التاريخ، غضّ الرؤساء الأمريكيون – الديمقراطيون والجمهوريون على حدٍ سواء – الطرف عن السياسات المحلية القمعية في السعودية، مقابل ضمان استقرار سوق النفط. واليوم ثمة أمران مختلفان. أولاً، هناك إجماع كبير في الكونغرس على أن السعوديين تجاوزوا الحدود وأن حماية الإدارة الأمريكية لهم ليس أمراً صائباً بكل بساطة. وثانياً، تعتمد الولايات المتحدة بشكل متزايد على الطاقة وتشتري القليل من النفط السعودي – مما يجعل الكثيرين في الكونغرس يعتقدون أن الأسهم الأمريكية في السعودية أصبحت أدنى بكثير من السابق.

وبصرف النظر عن واقع وجود تجمّع وحيد للطاقة حول العالم، وواقع أن انقطاع النفط إلى حدٍ كبير بسبب التهديدات أو انعدام الاستقرار في السعودية من شأنه أن يؤدي إلى طفرة في الأسعار بالنسبة للأمريكيين والجميع، هناك في المقابل عامل آخر يحقق التوازن في سلسلة المصالح والقيم مع المملكة الذي لا بد من النظر فيه. فالسعودية هي في خضم تحوّلٍ جذري لمجتمعها ولمصادر شرعية نظامها. وصحيحٌ أن النظام الملكي يسيطر على كامل السلطة السياسية، إلا أن القومية والحداثة تحلّان محل الوهابية، وهي تفسير صارم وغير متسامح للإسلام غذّى تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» والتفجيرات الأخيرة في كنائس سريلانكا. إنها العقيدة التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاربونها في جميع أنحاء العالَم.

إن الذي يتولى قيادة التغيير هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فهو يقود ثورةً من منصبه تُضعِف مصداقية الإيديولوجيا الإسلامية المتشددة، التي تشمل إبعاد عدة آلاف من رجال الدين وعشرات القضاة الذين يُعتبَرون متعاطفين مع تنظيم «القاعدة» عن مناصبهم.

بإمكان أي زائر رؤية التغييرات الاجتماعية في السعودية – فيكفي الذهاب إلى أي مطعم ورؤية اختلاط الرجال والنساء؛ وبإمكان ملاحظة النساء عند زيارة الشركات أو المكاتب الحكومية؛ كما أن دور السينما تفتح أبوابها؛ أما الموسيقى الممنوعة وفقاً للقانون الوهابي الصارم فلم تعد تنحصر في الجلسات الخاصة بل أصبحت تجذب آلاف الناس في الحفلات. حتى أن القصور الملكية أصبحت تحتوي على غرف استراحة للنساء. ولم يكن من الممكن تصوّر هذه الأمور في الماضي.

وللأسف، إن الاستبداد وقطع الرؤوس علناً والحملة على المنشقين – والتي تشمل عمليات اعتقال الناشطات من النساء واحتمال تعذيبهنّ – [ما زالت قائمة]، وهي أمور تسيء أيضاً إلى القيم الأمريكية. فالعديد من الأمريكيين عميقي التفكير الذين ينتقدون السياسة السعودية يجادلون بأن على الولايات المتحدة تجنّب ولي العهد ورفض الفكرة بأنه دكتاتور يتولى عملية التحديث باعتبارها فكرة وهمية.

بعد عودتي للتو من المملكة العربية السعودية، لفتني ما بدا أنه عالَمان مختلفان تماماً. فما زال الإقبال على ولي العهد واقعيّاً، لا سيّما بين الشباب الذين أصبح باستطاعتهم الآن التحدث علناً عن قدرتهم على صياغة مصيرهم ومصير بلادهم. غير أن السعوديين الذين تحدثت إليهم – سواء من الشبّان أو كبار السن – مستاؤون بشدّة من انتقاد الكونغرس الأمريكي لولي العهد ويشعرون أنه إذا تجنبت الولايات المتحدة السعودية، فستتجنب المملكة بدورها الولايات المتحدة أيضاً. وحيث أصبحت القومية الآن تشكّل ركيزةً لدعم النظام، يجب ألا تفاجأ الولايات المتحدة من مثل ردة الفعل هذه.

وقد يَعنون ذلك، لكن هل هذا واقعي؟ فالأسلحة والبنية التحتية والتدريبات العسكرية السعودية تعتمد كلها على الدعم العسكري الأمريكي. وتفوق قيمة الممتلكات الاستثمارية للمملكة في الولايات المتحدة 800 مليار دولار. وتُقيم الغالبية الساحقة من الطلاب وأعضاء الأسر المُرسَلين إلى الخارج والبالغ عددهم 190,000 في الولايات المتحدة، وهم يعودون حاملين معهم شعوراً طبيعيّاً بالتعلق بأمريكا. وخير مثالٍ على ذلك هو أن معظم وزراء الحكومة في المملكة الذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثين وزيراً تخرجوا من جامعات أمريكية. وقد يكونون غاضبين من الانتقادات، لكنهم يميلون بشكلٍ طبيعي إلى الولايات المتحدة.

وعلى المنوال نفسه، ما مدى سهولة الأمر بالنسبة للولايات المتحدة في تجنّبها السعودية حقاً ؟ فحتى لو قلل الأمريكيون من شأن التبعات الأمنية، وهو ما لا يجوز أن يحصل، هل هم مستعدون لإيقاف السعوديين عن الإصرار على إجراء كافة العمليات التجارية النفطية بالدولار؟ وكم ستطول مدة إجراء 70 في المائة من إجمالي التجارة العالمية بالدولار إذا كان ذلك سيتغير؟

وفي حين أنه ليس من المصلحة الوطنية لأي طرف تجنّب الآخر، تكمن المسألة في كيفية قيام كلٍ منهما بإدارة العلاقة حالياً. فلا بد من أن تكون إدارة ترامب صادقة مع الكونغرس والسعوديين وتقول: سنبقى ملتزمين بالأمن السعودي وبالاستثمار في الجهد الذي تبذله المملكة لتحويل البلاد، بينما نوضّح أننا سننتقد ما نعتقد أنه خطأ. فقتْل المنشقّين وتحدي المعايير العالمية له عواقب. وسيؤدي رفض النقد المحلّي إلى تقويض أهداف بناء اقتصاد قائم على المعرفة ومجتمع مجازف في ريادة الأعمال. ومن الضروري التصدي للمتطرفين الإسلاميين الإيرانيين والسنّة، ولكن يجب تنسيق ذلك لتجنب اتباع سياسات غير مدروسة ومتهورة.

ستكون واشنطن بحاجة إلى مساعدة السعوديين، مع قيام ولي العهد بتكرار عباراته التي تفيد أن مقتل خاشقجي كان “جريمة بشعة”، وبشرح الدروس المستخلَصة والتغييرات البنيوية التي حصلت بسببها. كما على السعوديين أن يسعوا إلى إجراء حديث هادئ مع قادة الكونغرس الأمريكي للاستماع إلى انتقاداتهم والرد عليها والتعبير عن انتقاداتهم الخاصة.

إن قواعد لاس فيغاس لا تنطبق على الشرق الأوسط: فما يحصل هناك لا يبقى هناك. وسواء شئنا أم أبينا، سيكون لسياسات السعوديين أثر كبير على ما يُصاغ في الشرق الأوسط. ولا تستطيع الولايات المتحدة إهمالها.

*دينيس روس هو مستشار  ، وقد شغل مناصب أمنية وطنية عليا في إدارات ريغان وبوش وكلينتون وأوباما.

 

شاهد أيضاً

وبالمناسبة… هكذا يولد النصر…بقلم د. أسامة إسماعيل

تمر أيام (العدوان) الصهيوني على (فلسطين) محملة بمزيد من الألم والقهر نتيجة ما لا يمكن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024