موضوع السّورة:
تُطْلِعُنا السورة المباركة على «سِدْريّة» الوجود المحمّدي. تلك «السِّدْرية» التي أنتجتْ «مِرّتُها» (عقلُها المحمدي) من ﴿ جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ «الشِعْرى»/ الزهراءَ، التي «أغنَتْ» بِاسْم «المِرّة» المحمدية النّاسَ بعد فقر.
مقولات السّورة:
– «السِّدْرة»: فضاء الحب المطلق بين الرّبّ سبحانه والفؤاد المحمّدي…
– «المِرّة» : العقل الإنساني الخالص من كل شيطانية. هو العقل المحمدي.
– «الشِّعْرى»: هي الزَّهْراوِية. هي السِّرُّ المِرِيّ المستَوْدع في الكيان الفاطمي. هي العلم والعقل الفاطميان، المُزْهِرَان للسالكين المجاهدين ولكل العالَمين.
1. ماهو «النجم»؟
«النَّجم» هو كلُّ ما طَلَع، مِن نَبْتٍ أو كوكب أو غيره. فالنجوم(مصدر) هو الطلوع. و«النجْم» من القرآن الكريم هو طلوع التنزيل مِنْهُ مرحلةً بعد أخرى، قطعة بعد أخرى[1]، «مَوقعًا» تاريخيّا بعد آخر.
«النَّجم» هو امتداد التحرك النبوي (للنبي والنبويين) بالوقت والمكان، بحظه المهيمن و«حظوظه» التابعة.
و«الحظ» قرآنيا هو التجسيد الاجتماعي للفعل. أما «الفعل» فهو الجنوح المحقق للهدف. وأما «الهيمنة» فهي الاقتدار على توجيه الحركة وبناء تفاعلها، بإمكانيات الوقت والمكان.
تَطْبيقًا، «النّجم» هو المرحلة من التنزيل القرآني الموجّه للحركة النبوية. فيكون «موقع النّجم» هو نواة من النَّوى المَقُوليّة من الشبكة السُّورِية أو شبكة الكيان السُّوَري أو شبكة الكيان القرآنيّ العام. فالنجم القرآني يَطْلع بالجماعة المؤمنة راقيا بها من مَقام إلى مقام أرقى.
فيكون ﴿النَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ (سورة النجم، الآية1) هو وقوع المرحلة التنزيلية في عِشْق قَلب النبيّ (ص) [وقلُوب النبويّين]، مثلما أنّ النبي (والنبويّين تبعًا) عاشق هو أيضًا لـ«النُّجوم» ومواقعها. فهو مستعد لطاعة الله تعالى في مرحلة المجاهَدة المستجدَّة. فالعِشق مُتَبادلٌ بَيْن «النجم» القرآني وبين المتقبل النبوي، عاشقَيْن ومعشوقَيْن لبعضيهما في الآن نفسه. فحركة «حظوظ» المرحلة المُجَاهدية غير ممكنة إذا لم يتدافع «النجم» و«قَلْب» المُنَجَّم عليه، تبادُلاً لـ«الهوى» الإلهي.
2. ما معنى ﴿صَاحِبُكُمْ ﴾ (سورة النجم، الآية2)؟
إنه «صاحبنا»، أي لازِمُنا في كل لحظة، وفي كل مكان، مِنْ قبل «وفاته» الظاهرية إلى يوم القيامة؛ منذ وِلادتنا، بل مِن قبلها. إنه «فينَا»: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ﴾ (سورة الحجرات، الآية7)، ﴿رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم﴾ (سورة التوبة، الآية 128).
ذلك لأنه هو «الإنسانية» خالِصَةً فينا، دون شوائب «شيطانية»، فهو جوهرنا، أي فطرتنا خالِصةً دون ذنوبنا وآلهتنا الداخلية.
إنه يراقب أعمالنا، فيدعو لنا، ويفرح لحسناتنا ويأسف لسيئاتنا: ﴿وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ﴾ (سورة التوبة، الآية 105).
3. ﴿سِدْرَةِ الْمُنتَهَى﴾ بسورة النجم الآية 14 و﴿الوادِ المُقَدَّسِ: طُوًى﴾ بسورة طه الآية 12:
«الوادي المقدّس» بسورة طه الآية 12 هو «عالَم الروح المنزَّه عن آثار التعلق وهيئات اللواحق والعلائق المادية، المسمّى طُوَى لطيّ أطوار الملكوت وأجرام السموات والأرضين تحته»[2]. وقد فَهم العُرفاء أن «الوادي» في الإشارة القرآنية هو «المقام» (ومنهم فريد الدين العطار في منطق الطير).
﴿اخلَع نَعلَيكَ﴾ (سورة طه، الآية12)، « أي: نفسك وبدنك أو الكونين لأنه إذا تجرد عنهما فقد تجرد عن الكونين أي: كما تجردت بروحك وسرك عن صفاتهما وهيئاتهما حتى اتصلت بروح القدس وتجرد بقلبك وصدرك عنهما بقطع العلاقة الكلية ومحو الآثار والفناء عن الصفات والأفعال. وإنما سماهما نعلين ولم يسمهما ثوبين لأنه لو لم يتجرد عن ملابسهما لم يتصل بعالم القدس والحال حال الاتصال»[3].
أمّا ﴿سِدْرَةِ الْمُنتَهَى﴾ بسورة النجم، الآية 14، فهي مقامُ «انتهاء» المقام الكامل لرسول الله (ص). ﴿وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَى﴾، وهو بالمقام الأعلى للإنسانية الخالصة، الكاملة.
ولكنّ هذا ﴿الْمُنتَهَى﴾ لا يعني الوقوف، بل العكس. فـ«سَدْر الشعر والثوب إِرْسَالُهُ»؛ و«الانسدَار» هو «الإسراع في العَدْو». فهذا المقام النبوي العظيم، هو مَقَام العَدْو الكَدْحي نحو المعشوق بأقصى درجات السرعة الإنسانية. فـ«السَّدْرُ»، اسم من أسماء البحر، فتكون «السَّدْرة» المحمّدية النهائية، هي بحر الحب والكلام الخاص بينه وبين ربه. قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلَّليۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا﴾ (سورة الإسراء، الآية79).
قال ابن عربي: « الفؤاد هو القلب المترقي إلى مقام الروح في الشهود، المشاهد للذات مع جميع الصفات الموجودة بالوجود الحقاني»[4].
فمن كان متأسيًّا برسوله، وأصبح من «أصحاب اليمين»(سورة الواقعة، الآية90)، جذبه رسول الله (ص) بشفاعته إلى ﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾، (النجم، الآية 15) «مأوى» «المقرّبين»(سورةالواقعة،الآية88)، أصحاب المجاهدات، الذين لم يتولّوا، فبقوا على عهودهم.
4. التكامل مشروط بـ«المِرَّة»:
«المِرَّة» هي «العقل» و «شدة العقل» [5].
لا يُمكن للإنسان، إذا أراد أن يَسلُكَ طريق أهل الله تعالى، أنْ يبدأ في الطريق إذا لم تَكن له «مِرّة»، يستطيع أن «يَطْوي» بها، (= « يَمُر») بها كل «واد» من مقامات التكامل والتربية الذاتية، كدحا نحو وادي المنتهى المحمدي: ﴿بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى﴾.
بـ«المِرَّة»، «يَستَوي» السالِك بهذا المقام، ثم بذاك. ومربّينا الأوَّل (محمد) (ص): ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴿﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ (سورة النجم، الآيتان 6 و7). هنالك تتدفق على «الفؤاد» الفُيوضات على العابد السالك، فـ«يرى» دون خطل في الرّؤية: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (سورة النجم، الآية 11).
ينظُر رُوزْبهان البَقْلي في ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴿﴾ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴿﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (سورة النجم، الآيات: 8، 9، 10 و11). فيذكر أن «العبد إذا استغرق في العشق، وذابت روحه في نيران الشوق، وفني في فراق عالَم الشهادة، تجلّى له الحق، وصار إلى مقام التجَلّي، وهو مقام يختص به العاشق إذ يصبح من أهل خاصة «الدّنوّ»»[6]. هُنا يقرب العبْد من ربّه. ولكنّ ذلك لا يكون إلا إذا فني العبد، أي لا يشهده حسب البَقْلي «أحدٌ غيرُ مَنْ شاهد الله بالله. وذلك مقامٌ فيه المحاضرات والمناداة والمسامرات والمشاهدات، والمكاشفات، والحالات التي لا يجوز كشفها إلا لأهلها»[7].
فقد «دنا» رسول الله (ص) إلى الله تعالى، وترقّى «عن مقام جبريل بالفناء في الوحدة، والترقي عن مقام الروح»؛ ﴿فَتَدَلَّى﴾، «أي مال إلى الجهة الإنسية بالرجوع، من الحق إلى الخلق»[8]، إلى «بِضعته» الفاطمة لكل العالم، وإلى العَالَمين جميعًا ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، «حال البقاء بَعْد الفناء، والوجود الموهوب الحقّانيّ[9]، ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ (سورة النجم، الآية 9). فهو صَلّى الله عليه وآله، «مقدار دائرة الوجود الشاملة للكل، المنقسمة بخط موهوم إلى قوسين، باعتبار الحق والخلق، والاعتبار هو الخط الموهوم»[10].
5.«اللات» و«العُزّى» و«مَناة»: آلهتنا الداخلية:
لا يمكن للقرآن الكريم أن يكون حديثا عن الماضي. فينبغي أن يكون مرآةً للحاضر والمستقبل؛ وإلا كان أقل من كتاب تأريخ، وأقرب إلى أسفار الخرافة اليهودية. فماهي «اللات» و«العُزّى» و«مَناة»؟
– «اللاَّت»: تتكّون هذه الكلمة المركبة مِنْ: «لاَ» + تاء (للوصل). تشير «اللاَّء» إلى النفي والنقص. قال تعالى: ﴿لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ [لا يُنْقصكم] شَيْئًا. إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (سورة الحجرات، الآية 14).
فعبادة «اللاّت»- إذن- هي عبادة النقص، هي التشبث بالقصور الفردي والجماعي، والتخلف.
وإنما نقيض «اللاّت» هو: حب الكمال، هو «الكَدْح» نحو الله تعالى، وهو التكامل الاجتماعي، والتكامل بين الحضارات. إنما نقيض «اللاّت» هو «التعارف»(سورة الحجرات،الآية13) و«التحابّ»، مع الإنسانية، والترقي في المقامات والعبادات مع الله تعالى.
– «العُزَّى»: هي مؤنّث «الأعزّ». هي النفس التي تدّعي، بوعي أو بلا وعي، أنها الإله: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ!﴾ (سورة الفرقان، الآية 43)، ﴿فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (سورة النازعات، الآية 24)،﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِ. فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾(سورة البقرة، الآية 206). هنا تحتكر الذات الفردية أو الجماعية، «العزّة» من دون الناس، ومن دون كل الشعوب، وهنا يبدأ السعي لـ«قهْر» الآخر… بينما: ﴿فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ (سورة فاطر، الآية 10). فحقنا وواجبنا في «العزة»، يجب أن يكون ﴿بِاسْمِ الله﴾، أي باسم «العزة» الجامعة، «العزة» الإلهية..
فعبادة «العُزَّى»، إنما هي عبادة النفس، التي أخذتها ﴿الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ﴾ (سورة البقرة، الآية 206).
– «مَناة»: هي إحدى معبودات «الهوى»، هي عبادة «التمنى» :﴿أَمۡ لِلۡإِنسَٰنِ مَا تَمَنَّىٰ؟! (24) فَلِلَّهِ ٱلۡأٓخِرَةُ وَٱلۡأُولَىٰ (25)﴾. وهي إحدى عبادات «النفاق» و«ضعيفي» الإيمان. قال تعالى: ﴿وَيعِدهُم [الشَّيطانُ] ويُمنيهم. وما يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلّا غُرورًا ﴾ (سورة الإسراء، الآية 64). وقال الإنسان الأكمل: «الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني» (رواه الطبراني…).
لماذا لا نجد في النص القرآني «هُبَل»؟! لأنّ ما يهم القرآن الكريم هو الآلهة الداخلية (اللاّت، العُزّى، مَناة) التي تُنتجُ «هُبَل». إنه «الأجش، الشديد، الغليظ»[11]، تنتجه الآلهة الثلاث؛ بمعنى الخطل في السلوك والفعل. فتحطيم «هُبَل» الخارجي غير ممكن إذا لم تُحطّم «اللاّت» و«العُزّى» و«مَناة» الداخلية. إن القران الكريم كتاب تربية حكيمة!!
إن العابدين لآلهتهم الداخلية «متسمرون»/«سامريون» في معرفة دنيا، فهم «إسميون»، أي ينكرون المفاهيم الكلية التي تُوصلنا إلى معرفة الله تعالى. فالمفاهيم الكلية عندهم مجرد «أسماء» للأشياء الجزئية، فلا وجود عندهم للكليات. ولذلك يبقَون «سامدين» (النجم، الآية61) في الرؤية المادية_الدنيوية البحتة للعالم والوجود:﴿إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍ. إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ﴾. فهي معرفة ظنية، لا يمكن أن تنتج «العلم»: ﴿وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡٔٗا﴾(النجم، الآية28).تلك هي المعرفة ذات العوائق التي تجعلهم «يمارون» على «الرؤية» المحمدية (النجم، الآية 12).
6. تقاطع سورتي النجم وطه:
تتماثل السورتان في إدخالنا عالَم اللقاء بين الله تعالى ورسوله (ص)، بأعلى مقامات الإنسان الأكمل.
النّجم |
طه |
النّجم |
طه |
﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ |
﴿لِأُولِي النُّهى ﴾ ﴿اخلَع نَعلَيكَ﴾ ﴿بِيَمينِكَ﴾ |
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (37) |
ابراهيم صاحب الصحف الأولى ﴿الصُّحُفِ الأولى﴾ (133)
|
﴿قَابَ قَوْسَيْنِ﴾ |
﴿كَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ ﴿اصطَنَعتُكَ لِنَفسِي﴾ |
﴿صُحُفِ مُوسَى﴾ (35) |
الآيات (9_98) |
﴿دَنَا فَتَدَلَّى﴾ |
﴿آنَستُ نارًا﴾ |
||
﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ |
﴿رَأى نارًا﴾ |
﴿ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ (38) السعي |
﴿الطُّورَ﴾ (80) |
﴿سِدْرَةِ الْمُنتَهَى﴾ |
﴿بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى﴾ |
﴿مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ ﴿لا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ﴾ |
_﴿قَبلَهُم مِنَ القُرونِ﴾ (128) _آدم والوسواس والمعصية |
﴿رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (18) |
﴿مِن آياتِنَا الكُبرَى﴾ (23) |
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (5) |
﴿لِتُصنَعَ عَلى عَيني﴾ (الآية 39) |
﴿الْعُزَّى﴾ (19) |
﴿وَاتَّبَعَ هَواهُ﴾ (16) |
﴿الجبال﴾ |
﴿فِرعَونُ ﴾ (الآية 24) |
﴿الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾ |
﴿عَصى آدَمُ رَبَّهُ ﴾ (121) |
﴿الدّاعِيَ﴾ / الإمام المتربص |
﴿مُتَرَبِّصٌ ﴾ (135) |
﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾ |
|
|
من الواضح، حسب السورتين، أن اللقاءات بين الحبيبيْن، وارتفاع مقامات «الإنسان الأكمل» في كل لقاء، لا يمكن أن نحصي لها عددًا: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ (الآية 13). وهل يمكن لمن خلق هذا «الإنسان» قبل كل خَلْق، بل خلَق العالَم مِن أجله، أن لا يختلي به من حين إلى آخر؟!
وإذا كان الرسول (ص) هو﴿حَدِيثُ مُوسَىٰٓ﴾ أو «الموسى الحديث» في سورة طه (الآية 9)؛ فإنه ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ ، أي «الابراهيم الأوفى» بمعنى الأكمل في الآباء الرحيمين، أي محمد صلى الله عليه وآله.
و إذا كانت فاطمة (ع) وخديجة حاضرتَيْن، بوضوح، في سورة طه (كما أوضحنا في تدبرها)، باعتبار أن اللقاء موضوعه: «الإتيان» ﴿بِقَبَسٍ ﴾، أي قبس النور الفاطمي[12]، فإن «فاطمة» حاضرة في سورة النجم التي تدافع عن الأنثويّة (الآيتان 21 و27)، وترفض التمييز الجنوسي، رغم أننا نجد محمدًا (ص) وحده مع حبيبه في سورة النجم.
7. ضرورة الوجود الفاطمي:
أ. التوْهين من «الأنثى» وتمييزُ «الذكر» عند الذين لا يؤمنون بالآخرة:
– ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (…) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [قسمة ظالمة]﴾ (سورة النجم، الآيتان 21 و22): إنها قسمة «أبترية»، لا «تشْنأُ» «الأنثى»، وإنما «تشنأ» الكيانَ الإنساني.
– ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى ﴾ (سورة النجم، الآية 27) :ان الذين لا يقدّرون الخالق يحقِّرون الأنثوية. ولذلك يجعلون وسائط الله تعالى إناثاً، رغم أن تلك الوسائط دون جنوسة.ولكن مشكلتها الوحيدة لدى هؤلاء أنها أوصلت إلى النبي معلومة التفضيل الإلهي_الموضوعي لعلي(ع) ولقبس النور الفاطمي(ع).
يذكّر الله تعالى البشرية بأنّ الذكور والإناث كانوا جميعا حالة واحدة بدايةً: ﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ (سورة النجم، الآية 32). وعليه: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ. هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ (سورة النجم، الآية 32). فلا يُمكن أن نزكّي الإناث (لأنهم إناث)، وأن نزكّي الذكور (لأنهم ذكور)، لأن الطرفين كانوا في حالة أوَّلية متماثلة، حالة الجنين الضعيف، الواهي، بين الحياة والموت، إلا برحمة من الله تعالى.
ولذلك من غير المنطقي، التمييز الجنوسي: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى ﴿﴾ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ (سورة النجم، الآيتان 21، 22)، أي قسمة غير عادلة، والـ«عَدْل»، هو المقسط المطلق.
إن المستكبرين والمترفين وأتباعهم «الأعراب»[13] ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ (سورة النجم، الآية 27)، ولذلك قاموا بـ«القسمة الضِّيزَى» بين الجنسين. ولذلك هم «أبتَرُون»، أي منقطعون عن الإنسانية و«المِرّة» والكمال، لأنهم لن يروا مقام الكوثرية الفاطميّة. فمن لا يعرف فاطمة (ع) هو «أبْتَر» لا يستوي «إنسانًا».
ب. «الشّعرى»/ «الزهراء» بتربية «ربها»:
إن الله تعالى هو مربّي «الشّعرى»/ «الزهراء»، التي إذا وقفت في محرابها للعبادة أزهرت كل الأكوان: ﴿وإنه ربّ الشعرى [جوهرها المُزْهِر]﴾. ف«الشِّعْرى» المحمدية مُزْهِرة لكل السماوات والأرضين، ولكل الكائنات دون اسثتناء: ﴿وَأَسِيرًا ﴾، أي حتى الأسير لآلهته الداخلية الثلاث(سورة الإنسان، الآية 8).
إن «الشِّعْرى» «هي النجم على الثريّا»[14]. كما أنّ «الشّعور» و«الشِّعْر» هما«العِلْم». فعندما نقول «ليت شعري!» معناها: «ليت علمي !»، «ليتني أعْلَم!»[15]. فتكون «الشّعرى»، مؤنث «الأشعر» أي الأعلم في النساء، بل في الجميع مع الإمام علي (ص)، ففاطمة «على معرفتها دارت القرون الأولى»، أي دارت حولها علوم العلماء الأعظم في الأرض، فهي العالِمة المحدَّثة، التي لم يعلمها إلا والدها وجبريل (عن الله تعالى). فـ«الشِّعْرى» هي«السِّرّ» الأنطولوجي المزهر المُستوْدعُ فيها، مِن ﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾، التي جعلها ربُها، اللهُ تعالى، «زهراءَ»، تُزْهِر قلوب العابدين، السالكين، عاشقيها[16].
إن الله تعالى هو «ربُّها»، ربّاها بواسطة والدها الأعظم في العالَمين، وبواسطة جبريل، وهي التي أضحكها (إذ أضحكها أبوها)، وأبكاها (إذ أبكاها أبوها). قالت عائشة: «ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»، «وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه. وكان إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها. فلما مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلت فاطمة فأكبت عليه، فقبلته، ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت (…) فلما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلت لها أرأيت حين أكببت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرفعت رأسك فبكِيتِ، ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكتِ، ما حملك على ذلك. قالت إني إذا لبذرة أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أَسْرَعُ أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت»[17].
ت. مرّةً أخرى: التحذير من التولِّي!
تحذّر سورة النجم، مِنْ قَبْل أيِّ تحوّلٍ لدى المسلمين، مِنْ «التولّي»، أي التحوّل من الإيمان بكل ما جاء به محمد (ص) من «ربه» تعالى إلى الإيمان بالتمني وعبادة «مَناة» الملوِّنة لآثار النبي (ص)، كما فعل «السامري»، أي كل «سامريّ» في التاريخ الديني يريد أن «يُسَمّر» الأمة المحمدية في «العزى».
فلأنه ﴿(…)أَعْطَى قَلِيلًا ﴾ (النجم، 34) منة وتمنية ورياءا، نجده قد ﴿ (…)أَكْدَى﴾ أي إن زرعه «ساءت نبتته»، ف«أمسك عن العطية وقطع»[18]. فالإكداء هو مراكمة «حظوظ» اجتماعية_سياسية من أجل «تسمير» الأمة المحمدية أي جعل نبتها سيئا إذ أن مسعى «المُكْدي» هو تعميم «العزى» على كل نفوس الأمة. فيُغْضِبُ «القَبس» الكوثريَّ، و«الطُّورَ الأيْمنَ» العلوي[19]، محاولاً أن يُطفئ ذلك «القبس» الإلهي، الحَوري_الإنسي، الذي أتى به الرسول (ص) مِن الله تعالى مباشرةً لمَّا طَوى «الوادي المقدّس» النّهائي، عطيةً للبشرية، والذي «أزهر» طويلا مطعما كل «مسكين» و«يتيم» و«أسير» معاد(سورة الإنسان، الآية 8).
و«التولّي» عن الغديرية، إنما يعني أيضا التولّي السياسي محلَّ «الطُّورِ الأيمنِ»، بَعد البيعة الغديرية. فلم يكن المتولي عند عهده مع ﴿ (…)إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (النجم، الآية 37)،أي الإبراهيم النهائي، الأوفى، الأكمل.
لقد تضخمت «العزى» عنده فأصبح يتوهم نفسه منافسا للمحمدية في النبوة وللعلوية والفاطمية في الخلافة ﴿ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى﴾ (النجم، الآية 35)، فيعرف خيرًا من أهل البيت علمَ الميراث، ويعرف خيرًا من الرسول (ص) أن القيادة الدينية والسياسية يجب أن تكون بيد «الطّور الأيمن»، وأن القيادة الاقتصادية بيد الزهراء (ع)، كما كانت في عهد الرسول (ص): ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّـهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الحجرات، الآية 16). لقد أظهرت له ﴿الشِّعرَى﴾ عليها السلام البراهين في حجاجها ولكن ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾.
ولذلك فإن «إضحاك فاطمة» بإرضائها ترسانةُ حَسَناتٍ لنا. أمّا «إبْكاؤها» وإيذاؤها وإغضابها، فهو إغضاب لرسول الله (ص)، ولمن خلق العالَم من أجْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ (سورة النجم، الآية 33)، فهو المضحك والمبكي النهائي والحقيقي:«رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى ابنتي فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني» (رواه ابن قتيبة والبخاري والترمذي والحاكم…).
ث. «المتولّي» يغضب«الشِّعرَى»/ الزّهراءَ و«ربَّها»:
تندّدُ سورة النجم بـ«المتولّي» (بالمعنيَيْن) لعدم معرفته قيمة «الشِّعرَى» الفاطمية: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ؟!﴾ (النجم، الآية 55). فـ«الآلاء» هي: النِّعم[20]. وعندما تقول السورة: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ؟!﴾، تعني أن هذه «الآلاء» المحمدية ليست عادية في كل «النّعم» الإلهية: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، أي الخير الكثير جدًّا الذي لا ينقطع مطلقا. فنحن ندعو كل يوم خمس مرات بالأقل: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿﴾صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ (الفاتحة، 6 و7)، بنعمة النبوّة أو بنعمة خلافتها: ﴿ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾ (النساء، 69). وسيدتنا «الشِّعرَى» (ع) هي التي أنجبت طبيعيا ووجوديا هؤلاء «الكواكب» الصّديقين.
و«التماري» هو الجدل القائم على الشكّ الريبي و«الظّن» كما تريد «مَناة»: ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ﴾ ( سورة النجم، الآية 23 ).
أمّا إذا قرأنا «ألاء» بأن تكون الألف الأولى همزة قطع، فهو «شجر حسن المنظر»، «شجر من شجر الرمل، دائم الخضرة أبدا»، «و: أرض ألاء: كثيرة الألاء»[21]، أي كثرة على كثرة، وخضرةُ جَنّة «مأوى» (= دوام) على خضرة، وجمال على جمال. وذلك هو «الكوثر». أما «الشجرة» فهي (ج. شجر)، هي الأسرة، أي الأسرة الشِّعراوية _ العلوية ذات الإحدي عشر كوكبا.
هذا «المتولّي» (بالمعنيين):﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ﴾ (النجم، الآية 36)، أي لم يستطع «النُّبوءَ» أي «الطلوع» والترقي، بصحف المُوسَى (= سور«المُنقذ»، صاحب الوَسْي الأعظم)، وصحف ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (النجم، الآية 37)، أي الإبراهيم الخَاتم، «الأب الرحيم» الأعظم والنهائي، «المُوفّي» للرسالات الإلهية جميعا، صلى الله عليه وآله، لم يتحرك قَلْبُهُ بالقرآن الكريم ونُذُرِهِ الأولى (سورة عبس[22] مثلا).
إنّ هذا «المتولّي» وأتباعه ﴿سَامِدُونَ﴾ (النجم، الآية 61)، أي رغم «اغتلامهم»، فإنهم «ثابتون في الأرض»، «سامريون» أي متسمّرون من نوع الذي ﴿أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ ( الأعراف، الآية 176) فعبدوا «العُزَّى» في نفوسهم، وكانوا «متكبرين»[23]؛ وغلبتهم «الغفلة» و«اللهو» (أي غلبتهم «اللاّت» التي تنفي الحضور الإنساني). ولذلك «يُبكون» الزهراءَ فتغضب عليهم حتى وفاتها. وقد جاء في نُذُرِ النبي الأولى:« فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»[24] .
فمن الواضح أن المُغْضِب لـ«الشعْرَى» (للسِّرّ الأنطولوجي الفاطمي) ولـ«ربّها» ولـ«أبيها»، إنما هو «مُغتلم» في الوجود التاريخي الإسلامي، كما في معنى «السّمود»، ولذلك كان الخطاب لمسلمٍ لا لغير المسلم: ﴿تَوَلَّى﴾ (سورة النجم، الآية 29 و32)، أي تراجع عن العهد الغديري، وكان الأمر في هذا الخطاب: ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ﴾ (النجم، الآية 62)، من أجل التخلّص من هذا «السُّمود».
وتحذّر سورة النجم من أن إقصاء «الشِعْرى» من تدبير المَعاش الإسلامي، سينقلنا من «الإغناء» العام على الجميع، إلى حالة «الإقناء»[25] أي الدُّولة، المحتكرة للثروة دون الأمة جميعا، وخاصة قرى فدك: ﴿ أَنَّهُ هُوَ أَغْنَى [بتدبيرها القائم على «المِرّة»/«الشعْرَى»] وَأَقْنَى [بإقصائكم لها وللإمام]﴾ (النجم، 48). ومِن نتائج ذلك فضيحة مجاعة الرَّمادة، في بلاد لا تضم مجال فدك فحسب، بل تضم دجلة والفرات والنيل، وغيرها من الأنهار…
*-*-*-*
تقدم سورة النجم نُذُرَها بهلاك الأمة المتوَلية بأصنافها: ﴿ وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعۡرَىٰ (49) وَأَنَّهُۥٓ أَهۡلَكَ عَادًا ٱلۡأُولَىٰ (50) وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبۡقَىٰ (51) وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَىٰ (52) وَٱلۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَىٰ (53) فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ (54)﴾.
إن «هلاك» ﴿عَادً﴾ الجديدة هو هلاك «تُبّع» الجزيرة العربية للاستكبار العالمي. أما «هلاك» ﴿ثمود﴾ الجديدة فهو هلاك الثمودية الشامية العائدة. وأما «قوم نوح» فهم قوم نوح «الغابرون» «السامدون» المتسمّرون في آلهتهم الداخلية الثلاث بالعراق المُحْدَث، رغم نُوحِية/ أهل البيت هناك، ونوح هو «ضجيع الإمام» بالنجف. وأمّا «المُؤْتَفِكَة» فهم ناشرو «الإفك» في أمة محمد (ص) المُحْدَثة.
ولكن الله تعالى ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ بالإنسان، يعدنا بان هناك إعادة خلق لأمة حبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بظهور الإمام المهدي و«المتربصين» له (المنتظرين له): ﴿ وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ (47)﴾ التي ستستمر طويلا إلى يوم القيامة. ولكن ذلك مشروط بالبكاء الانتظاري الإيجابي وإعلان المجاهدين للثورة الدائمة على الاستكبار العالمي أي إعلان ﴿ٱلۡأٓزِفَةُ﴾ الممهدة للظهور والمستأصلة للحالة «السُّمودية» للأمة: ﴿أَزِفَتِ ٱلۡأٓزِفَةُ (57) لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنۡ هَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ (59) وَتَضۡحَكُونَ وَلَا تَبۡكُونَ (60) وَأَنتُمۡ سَٰمِدُونَ (61) فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩ (62)﴾ وذلك باسترشادهم بالمعرفة العلوية_الفاطمية المقتبَسة من «سدرة» رسول الله(ص).
*-*-*-*
خاتمــــة:
1. ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ (سورة النجم، الآية 42): سنلاقيه في النهاية!
وهل أنت عندما سَتُلاقى العظيم الأكرم، ستقابِلُهُ بزادك (بما فيه من إيجابيات)؟! إن ذلك من سوء الأدب!!
نذهب إلى العظيم الأكرم بأيدي فارغة، لا بِمَنٍّ عليه أنْ أسلَمْنَا وأعطينَا…
فلا تخذلنا في ذلك اليوم أيها الأكرم!! وامنح رسول الله (ص) وأهله الكرام فرصة الشفاعة فينا، فهم أهل الكرم والجود، وأنت لا تخيّب سؤالهم!
2. لم تكن لقاءات الرسول (ص) بمعشوقه الاختلائية مرة وَاحدة: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ (سورة النجم، الآية 13).
ولكن لقاء سورة النجم، كان قرب ﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ (سورة النجم، الآية 15). فقد اطّلع في «سِدرة» الاختلاء، «سِدرة المنتهى»، سدرة المطلق والمرسَل على عطية الله تعالى له الكُبْرى، كَوْثَرِهُ: ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ (سورة النجم، الآية 18)، أي «الزهراء»، وما يتبعها من ﴿ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ (سورة النور، الآية 35)، وذلك اكتمال «الآيات الكبرى»، من ثِمار «جنّة المأوى» المحمدية.
بل هي «جنّة المأوى» عينها. فإذا «حَنَّ رسول الله (ص) إلى الجنة، شمَّ فاطمة».
3. اِلتقى «الرَّبُّ» سبحانه في عدّة «نزلات» تربوية بـ«الإنسان الكامل» فمنحه «المِرَّة»، أي تكاملات العقل الإنساني الخالص. فلمّا كان «الاستواء» المحمدي بــ«سدرة المنتهى»، أرادَ «الرَّبُّ» أن يجعل «المِّرة» المحمدية «شِعْرًى»، أي مُزْهِرة على كل العالمين، فأدخَلَهُ سبحانه ﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾، جنة السعادة الإنسانية السَّادِرَة، وأعْطاهُ ما يُرْضِيه: «القبس» الفاطمي المُزْهر، الذي سيجعل الوجود المحمّدي مستمرًّا إلى الأبد. فانتقلت «المِّرَّة» إلى «شِعْرًى»: علمًا وعقلاً وازدهارًا و«إغناءًا» للجميع (مَعَاشًا وقَلْبًا) بتربية ﴿رَبُّ الشِّعْرَى﴾ (النجم، الآية 49).
4. هذه العطية الإلهية هي «آية كُبرى» (الآية 18) رآها الرسول قبل تشكلها جسدًا، إذا أغضبناها، و«توَلّينا» سِرَّها الشِّعْرَاويّ وصاحبَ الغَدير، بعبادتنا لآلهتنا الداخلية (اللات والعُزى ومَناة)، سنصبح «سَامدين» (الآية 61)، معرَّضين للغضب الإلهي، والعياذ بالله تعالى.
5. يعدنا رب «الشِّعْرَى» بأن هناك «نشأة أخرى» لأمة «عَبْده» محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بظهور الإمام المهدي و«المتربصين» له (المنتظرين له). تلك النشاة التي ستستمر طويلا إلى يوم القيامة. ولكن ذلك مشروط بالبكاء الانتظاري الإيجابي وإعلان المجاهدين ل«الآزفة» على الاستكبار العالمي الممهدة للظهور والمستأصلة للحالة «السُّمودية» للأمة.
[1] ابن منظور، لسان العرب، دار الفكر، بيروت،1997، المجلد 12، ص 568.
[2] ابن عربي، تفسير القرآن العظيم،ج2 ، ص 17.
[3] ابن عربي، م. س.
[4] ابن عربي، م.س،ج2، ص 277.
[5] ابن منظور، م. س، المجلد الخامس ص168 و169.
[6] الغزّي (ثامر)، الشطح الصوفي بين التضليل والتظليل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، دار الاتحاد، تونس 2021، ص96.
[7] م. س.
[8] ابن عربي تفسير سُورة النجم، ضمن تفسير القرآن العظيم.
[9] ابن عربي، م. س.
[10] ابن عربي، م. س.
[11] ابن منظور، لسان العرب، مادة ه. ب. ل.
[12] … راجع هنا «دعاء النور» للزهراء (ع).
[13] انظر تدبرنا في سورتي التوبة في الكيان السُّوَري: الفتح والحجرات ومحمد.
[14] ابن منظور، م. س، مادة ش. ع. ر.
[15] ابن منظور، م.س.
[16] انظر تدبرنا في سورة الكوثر.
[17] رواهُ البخاري في «الصحيح».
[18] ابن منظور، م.م، مادة «كدا».
[19] راجع تدبرنا في سورة طه.
[20] ابن منظور، لسان العرب.
[21] ابن منظور، م. س.
[22] راجع تدبرنا في سورة عَبس.
[23] … كل التفسير اللغوي عن ابن منظور في مادة: س م د.
[24] البخاري ، عدد 3523 و 3556 ؛ومسلم، عدد 2449 .
[25] «أقنى: اتخذ الشيء لنفسه»، و«لزمه (ومنه المال)»، (راجع: ابن منظور)