نعتقد أنّ أغلب التونسيين سواء كانوا من عامة الشعب أو من المتابعين والمهتمين بالوضع العام للبلاد من كتّاب ومفكرين وسياسيين وإعلاميين ونشطاء في الجمعيات المدنية أو أفرادا، شيبًا وشباباً، قد صدموا من هول الصّاعقة ومشهد الهرسلة الارهابية الأمنية ضد الشاب في حي سيدي حسين منذ يومين، والتي وثقتها كاميرا الحاضرين صوتا وصورة، وأكد حيثياتها عددا من المواطنين والشاب المعتدى عليها في كثير من وسائل الإعلام.
لما نشاهد من حين لآخر مثل هذه المشاهد العُنفيّة وغيرها التي تكررت مئات المرات منذ 2011، وأدت إلى قتل عشرات المواطنين دون سبب أو جرم ارتكبوه سوى أنهم طالبوا بحقهم أو بكمعاقبة المجرمين والفاسدين، ولما تكون ردّات فعلنا لا تتعدى عمليات الشجب والتنديد وإصدار البيانات من هنا وهناك، هذا دليل على أننا جميعا ــ دون استثناء ــ قد تطبّعنا مع حالة الاذلال للاستبداد الناّعم ــ الاستبداد الديمقراطي ــ الذي يحتمي حكامه بكذبة الدّيمقراطية والشرعيّة الانتخابية. ومن الأسباب التي راكمت هذه الحالة الإذلالية ــ المادية والرمزيّة ــ تعود إلى الأطماع الشخصية والعقد النفسية وثقافة الريع والغنيمة السياسية التي تحكمت في سلوكيات قادة الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية دون استثناء. كما أن لهذه الحادثة وما سبقها ، دلالات رمزية ونفسية عميقة سوف تتشظى مفاعيلها مثل القنابل الموقوتة في المستقبل، مهما حاولت حكومة النهضة الاخوانية المافيوزية تبخيس الحالة والتغطية على جرائمها في حق هذا الشاب والملايين من التونسيين الذين يقفون وراءه.
إنّ عمليات الاذلال النّاعمة والمترابطة وتشابكها في مختلف مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي نعيشها في تونس منذ 2011، وضعت القوى الوطنية “الثوريّة” في مأزق وطرق تعاملها معها كانت مخيّبة للآمال، بل هناك من تواطأ معها طالما أن مواقفه ظلت ضبابية، وهو في حالة إرباك وتردّد ليمسك باللعبة مجدّدا. وأغلب هذه القوى ــ بما فيها التي تدعي حماية حقوق الإنسان والطفولة ..الخ، قد خير تأمين مكاسبه الخاصة والتفويت في المصلحة العامة دون خجل. وهذه المواقف لا يمكن توصيفها إلا “خيانة في زمن الإذلال” منحت المسببين المباشرين لهذه الحالات ومن يقف وراءهم خارج المساءلة. فالإذلال لا يمحى بمرسوم أو بيان تنديد، بل إن أثره المتأصل في النّفوس بات يتغذى بطرق ذاتية أحيانا ( قد تكون سلوكيات فردية معزولة ..) وموضوعية أحيانا أخرى ( التشريعات والقوانين ..) مما أدى في عملية تراكمية لينة وخفية إلى شخصنة السّلطة في تونس، التي ضاعفت بدورها من زخم النفس الدكتاتورية لقادة النظام.
فلا أحد في تونس اليوم يشعر بالأمن والأمان، ولا أحد في مأمن من عمليات الهرْسلة والعنف سواء من جهات رسمية ومعلومة أو من جهات متخفية مجهولة. بل لم يحصد شعبا في ظل حكومة الاخوان الارهابية على مدى عقد كامل، غير قعقعة العنف، ولم تسمع غير لغة الدم ( افتراضيا وميدانيا) ولم ينشأ شبابها إلا على ثقافة الانتقام والشّحن الاعلامي ( التنمر السياسي) والتعبئة السياسية الطائفية، ولم يجن من الوعود غير عربدة شبكات المافيا في الفساد والارهاب وتبييض الأموال… وهذا هو أساس سياسات الإذلال والانتقام التي لم تنحصر في مستوى ممّن وقعوا ضحية لها بشكل مباشر فحسب، بل كذلك تشملنا جميعا، قادة ورعيّة !