فاجأني بعض المتاسلمين، الذين غلب عليهم سوء فهم الدين، فطفقوا يخبطون في مواقفهم وردودهم خبط عشواء، لا جوهر الإسلام ومبادئه اصابوا، ولا الأخلاق التي تحتم على المسلم أن يتحلى بها ادركوا، فيكونون محتاطين لدينهم، بما ينقذهم من الوقوع في سقطة قد تحبط كل أعمالهم.
الهجمة التي تعرضت لها. جاءت من أشخاص توسمت فيهم خيرا، واعتقدتهم ذوي توجهات ثورية، بقطع النظر عن انتماءاتهم العقائدية راوا في لعني ودعائي على الطاغية بن علي، خروجا عن الدين وسماحته، وانحرافا عن الأخلاق وقيمها، الى الحد الذي دعا من دعا منهم الى الحكم علي خطأ، بما سيجنيه على نفسه يوم القيامة.
ما دعاني إلى أن أكتب من جديد في هذا الموضوع، امل في ان يهدي الله به هؤلاء، ويصلح شانهم وحالهم، وما وصلوا اليه من انحراف، كان نتيجة بعدهم عن الفهم الصحيح للدين الإسلامي، وما هو الا ولاية وبراءة، وعدم الإلمام بهذه الشعيرة المقدسة، جعل الكثيرين يتعبدون بدونها، مما نتج عنه اختلاط في فهم وإدراك حقائق ومعاني الإسلام في مسألة العلاقات، فتراهم كما هي الحال يقفون عند ويل للمصلين.
ماذا تعني الولاية والبراءة؟
لم ينزل الله دينه الخاتم، وشريعته التي تعتبر زبدة جميع الشرائع، وتاجها الرفيع، الا من أجل أن يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئا، ومن الشرك الإيمان بأي حكم مخالف لكتاب الله، يعطي مجالا لغير الله في اقتحام باب امره ونهيه، فيصبح معه شريكا في التشريع، والأدلة على اقتحام بورقيبة وبن علي هذا الباب أكثر من ان تعد.
وكثير من المسلمين واقعون اليوم في هذه المصيبة، ولا يدركون خطورتها على سلامة اعتقادهم بدينهم، فيتولون حكاما برزوا لله بتعطيل أحكامه، وحصر شمولية دينه في مجرد صلاة وزكاة وصوم وحج، دون اعتبار لمسالة حساسة ومهمة جدا، في اطار التعامل الاسلامي، وهي تولي اولياء الله، من حكام عادلين، ومؤمنين صالحين، وعلماء عاملين عارفين، وإعطائهم ما يستحقون من تقدير وطاعة ومودة، فيكونون في مقام النفس والأهل، بل ومقدم عليهم في أغلب الحالات.
اما التبري من أعداء الله، فذلك ما بقي دون فهمه أغلب المسلمين، حيث كانوا عوض ذلك، يتولون هؤلاء الأعداء، اعتقادا منهم بان ما جرى عليهم من خير، فبفضل هؤلاء الحكام، وينسون بسرعة ان الأرزاق والاقوات، هي من الله وحده ولا احد سواه.
ان اتباع الظالمين معذرتهم بالتبرير والمواساة بالدعاء لهم والترحم عليهم مدعاة بسخط وغضب الله ولا أخال من في قلبه ذرة من إيمان يجرؤ على ذلك خوفا وخشية من الله ان يكون في مقام عقابه، هذا الظالم وكل الظلمة ماضيا وحاضرا ومستقبلا يجب البراءة منهم تنصلا من تبعات اتباعهم التي ستكون وبالا على من بقي ملازما لهم بالقول والفعل وحتى بالقلب. (اذا تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرا منكم كما تبراتم منا كذلك بريهم الله أعمالهم حسرات عليهم…)
واعتقد انه لم يسئ فهم الأحكام الإسلامية، بالقدر الذي اسيء فيه فهم هاتين الشعيرتين، فقد عشنا ورأينا ان كثيرا ممن قالوا بأنهم مسلمون، لم تظهر عليهم ولاية لأولياء الله، ولا براءة من أعدائه، بل ان بعضهم حسب فهمه القاصر، لم يتردد في الهجوم على مطبقي هذه الأحكام الضرورية، لإقامة الدين والحفاظ على تماسك بنيته التشريعية، فلا يتداخلها شيء من صنع الطغاة وبنيته الجماهيرية، فلا يتسلل إليها وهن وتفكك لحمتها.
وشعيرة التولي والتبري لا علاقة لها بتكفير احد، الا من قال كلمة الكفر، وحكم بنفسه على ذلك فذلك شأنه، فلا يظنن احد انني بصدد تكفير بن علي مثلا بهذا الموقف، الذي استغربه البعض مني، وااكد ان بن علي ليس كافرا، ولم اكفره ابدا، وتفكيره في هذه الحالة ظلم له، فمثله مثل الحجاج بن يوسف غلام ثقيف، صنيعة الأمويين في التنكيل بالمؤمنين، أمثال سعيد بن جبير رضوان الله عليه، كذلك بن علي عندما نكل بالإسلاميين كان بامر من الغرب، أو من تلقاء نفسه فالأمر سيان، وهو صنيعة مزدوجة فرنسية أمريكية، بمعنى اخر انه خادم وحافظ مصالح فرنسا والغرب، ومفتك ادوات الخدمة من سلفه بورقيبة، أول عملائهم ونائل رضاهم وحظوتهم.
بن علي مسلم هذا أمر مؤكد ومفروغ منه، لكنه عوض ان يتقي الله في خلقه، وينضبط تحت احكامه، حارب الإسلام خفية، كما حاربه بورقيبة من قبل جهرة، ونكل بالمسلمين ايما تنكيل فاقبية الداخلية وزنزانات المراكز والسجون وادوات التعذيب والقتل تحت التعذيب، ويشهد بها التاريخ ودونها على صفحاته ، وهو لا يرحم اخطا بحق الله ورسوله ودينه.
بن علي مسلم، لكنه استعمل اسلوب النفاق والخبث في التعامل مع المسلمين وإسلامهم، فواصل سياسة بورقيبة في تعطيل أحكام الله فيه، وانتهاك حرمات المسلمين وإشاعة الفاحشة بينهم، ومن كان كبن علي في سياساته تجاه الإسلام والمسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
والى الذين اعترفوا بأنهم مسلمون، أقول عودوا الى القران الذي هجرتموه، وعلماء الإسلام الذين تنكبتم عن صراطهم، وانظروا لأنفسكم اين موقعكم من الدين؟ وماذا قدمتم له؟ فان كنتم من أصحاب بطاقات تعريف، تحمل اسماء إسلاميا فقط، ولا يعرفون من الدين سوى الشهادتين، فراجعوا أنفسكم، وانقذوها من يوم لا مفر لاحد منه، ولا تقتحموا أبوابا ليس لكم بهل علم، فتكونون قد ارتكبت جرما بحق من نازعتم وبحق اسلامه.
لا أعتقد أن مسلما عاقلا يرى للشيطان أملا في رحمة الله، ومن تشيطن من الإنس، وحكم في الناس بأحكامه ظلما وعدوانا، فهو من حزب الشيطان، وما يعدهم الشيطان ويمنيهم الا غرورا، وإذا سمح المسلم لنفسه بالترحم على شيطان مثل بن علي، فقد تعد حدود الله.
اسال الله تعالى أن يهدي هذه الأمة إلى معرفة تكاليفها الصحيحة في دينها، وان يجمعها على قلب رجل واحد، يخلصها من ثقافة طالما غرسها الظالمون، لينفذوا بظلمهم في الدنيا، وعند موتهم يتسابق قليلوا العلم والايمان الى معذرتهم والترحم عليهم (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)