د. محمد سيد أحمد |
تراودني منذ فترة طويلة فكرة الكتابة عن ذلك النوع من البشر الذين نلتقي بهم بشكل دائم في مجال العمل السياسي داخل مجتمعاتنا العربية, وأغلبيتهم ينتمي إلى الأحزاب العربية التي لا تمتلك أي شعبية أو جماهيرية داخل مجتمعاتها, فأغلبية الأحزاب العربية التي كانت قبل موجة «الربيع العربي» المزعوم، خاصة التي تنعت نفسها بالمعارضة ليست سوى مقر مكون من عدد قليل من الحجرات, وعدد قليل من الأعضاء الذين يتنافسون على مواقع القيادة وفى أحيان كثيرة يتحول التنافس إلى نزاع وصراع ينتج عنه مزيد من الانشقاق والتقسيم والتفتيت, وبالطبع هناك عدد قليل منهم لم ينتمِ لأحزاب لكنهم ينتمون إلى النخبة العربية في عمومها وعندما هبت رياح «الربيع» المزعوم برزت صورهم في المشهد السياسي الذي لم يقتربوا منه يوماً.
ويمكننا القول: إن الحالة السياسية داخل المجتمعات العربية لم تكن على ما يرام قبل انطلاق ذلك «الربيع» المزعوم, فأغلبية النظم السياسية العربية كانت تفتقد أدنى قواعد الديمقراطية, وكانت فكرة التعددية السياسية شكلاً أو ديكوراً لدى أغلبية النظم التي حاولت تطبيقها, لذلك كانت رموز المعارضة جنرالات بلا جنود تجدهم يبرزون في المشهد السياسي ويتحدثون لوسائل إعلامهم الحزبية محدودة التوزيع على أنهم سيغيرون خريطة الوطن, وأنهم قادرون على صناعة المستقبل, ويمتلكون كل مفاتيح تحويل المجتمع إلى حالة الرفاهية, في الوقت الذي لا تسمعهم الجماهير الشعبية، فهم يوجهون رسائلهم السياسية لعدد محدود من أنصارهم, وليس إلى جموع المواطنين داخل مجتمعاتهم, وسواء كان ذلك بفعل فاعل أو بفعل قدراتهم المحدودة على الحركة والتأثير فإنهم قد تحولوا إلى ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة صوتية ليس أكثر.
وعندما هبت رياح «الربيع العربي» المزعوم كان العديد من الظواهر الصوتية داخل مجتمعاتنا العربية والتي تنتمي إلى الأحزاب السياسية الديكورية التي تنعت نفسها بالمعارضة جاهزاً لتصدر المشهد, وطرح نفسه بديلاً للأنظمة السياسية التي تهاوت خلال أيام من اندلاع الأحداث, وحاول بعضهم عرض نفسه على الشعب الذي لم يكن يعرفهم في الوقت الذي سعى بعض أعضاء النخبة ومعهم القوى السياسية المتأسلمة لعرض أنفسهم مباشرة على قائد المؤامرة ومنسقها ومنظمها ألا وهو السيد الأمريكي.
وبالفعل خسرت قيادات الأحزاب السياسية الديكورية السباق مبكراً فهم جنرالات بلا جنود, ليس لديهم أي شعبية أو جماهيرية, بل هم ظاهرة صوتية تتحدث في نطاق محدود جداً, وأصبحت المفاضلة عند السيد الأمريكي بين بعض رموز النخبة المنفصلين عن الجماهير والذين يدخلون في زمرة الجنرالات بلا جنود وبين القوى السياسية المتأسلمة, فكان خيار السيد الأمريكي هو الاعتماد على هذه القوى التي استطاعت أن تفرض سيطرتها وهيمنتها على بعض الجماهير الشعبية في بعض المجتمعات العربية – التي فشلت أنظمتها في تحقيق تنمية مستقلة وعدالة اجتماعية بين مواطنيها – عبر خطابها الديني المدغدغ للمشاعر من ناحية وعبر مجموعة من الخدمات التي عجزت الحكومات عن توفيرها للمواطنين الفقراء من ناحية أخرى.
وفى الوقت الذي تمكن العدو الأمريكي فيه من فرض أدواته التكفيرية على قمة السلطة في بعض المجتمعات العربية – حتى ولو بشكل مؤقت – كما حدث في مصر وتونس, وإشاعة الفوضى كمقدمة للتقسيم والتفتيت كما حدث في ليبيا واليمن, فإن الحالة السورية ظلت عصية على العدو الأمريكي فلم تنجح الأدوات التكفيرية عبر خطابها المدغدغ للمشاعر في كسب مؤيدين داخل المجتمع نظراً للنسيج الاجتماعي المتماسك الذي ينبذ الطائفية ولا يعتمد على الخطاب الديني المتطرف بقدر اعتماده على التسامح والتعايش والمواطنة, وبالطبع فشلت آلية تقديم الخدمات تلك لأن الدولة السورية استطاعت أن تقدم مشروعاً تنموياً مستقلاً مكّنها من تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتي والعدالة الاجتماعية.
لذلك لم يجد العدو الأمريكي غير بعض الشخصيات التي تنتمي إلى من يمكن وصفهم بـ«النخبة» في المجتمع السوري, وأغلبيتهم لم يكن له سابق عمل في المجال السياسي, وبعضهم لم يكن مقيماً أصلاً داخل سورية, والذين كانوا يعيشون منهم داخل سورية فروا هاربين إلى عواصم الدول التي تشارك في المؤامرة والحرب الكونية على سورية, وهذه الشخصيات الخائنة والعميلة التي تعمل في خدمة سيدها الأمريكي شكلت ما يطلق عليه «المعارضة السورية», وشكلت كيانات ومنصات وهمية, وحاول العدو الأمريكي وحلفاؤه فرضهم على طاولة المفاوضات بديلاً للحكومة العربية السورية الشرعية, وتوهم بعض هؤلاء الخونة والعملاء بأنهم يمكن أن يصلوا إلى سدة الحكم, لكن هيهات أن تتحقق أوهامهم فالواقع يقول: إنهم جنرالات بلا جنود, ولن يتمكن العدو الأمريكي من فرضهم على الشعب العربي السوري الصامد خلف جيشه وقائده, اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
*كاتب من مصر