الخميس , 21 نوفمبر 2024
Breaking News

حاملات الطائرات في الصراعات العسكرية.. هل انتهى التفوّق الأميركي؟…بقلم محمد منصور

منذ انتهاء الحرب العالميَّة الثانية، تراجع دور حامِلات الطائرات في الحروب والنِزاعات العسكريّة الدوليّة بشكلٍ تدريجيّ، لصالح القاذِفات الاستراتيجيّة والصواريخ الباليستية ووسائل الردع النوويّ، لكن أهميّتها استمرت على المستوى العملياتيّ في ما يتعلَّق بالدّعم البحريّ للقوات العامِلة في مسارح عمليّات بعيدة.

في حقبة ما بعد الحرب البارِدة، طرأ تحوّل واضح في الاستراتيجيات العسكرية العامّة والتكتيكات المُتّبعة في إدارة الصّراعات السياسية، بشكلٍ اختلطت فيه الاعتبارات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية بالجوانب الأمنية والعسكرية، وامتد هذا الواقع إلى سباقات التسلّح التي كانت سِمةً من سِمات الحرب البارِدة، وعادت بشكلٍ تدريجي إلى الحياة مرة أخرى، بعد جمودها خلال تسعينات القرن الماضي.

لقد شكَّلت حامِلات الطائرات، وما زالت، ثقلاً عسكرياً أساسياً يمنح الدولة التي تمتلكها قُدرات عسكرية جوية وبحرية واسعة تُتيح لها شنّ هجمات مُدمِّرة على مناطق تبعد عن أراضيها مئات الأميال.

هذا السلاح البحري النوعي كانت له أدوار أساسية في حروبٍ عديدة، على رأسها الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً أنَّ حامِلات الطائرات الأميركية التي كانت بعيدة عن ميناء “بيرل هاربور” خلال الهجوم الجوي الياباني المُفاجئ في العام 1941، كانت المفتاح الذي مكَّن الولايات المتحدة وسلاح بحريتها من استيعاب حجم الخسائر الذي تعرَّضوا له في هذا الهجوم، وإدامة تواجدهم في المحيط الهادئ، ولاحقاً كَسْر شوكة البحرية اليابانية، التي كانت حامِلات طائراتها المنصَّات التي انطلقت من خلالها القاذِفات وحامِلات الطوربيد اليابانية للهجوم على “بيرل هاربور”.

الحرب العالمية الثانية.. مسرح عمليات حامِلات الطائرات

كانت البحرية الأميركية الأكثر امتلاكاً لحامِلات الطائرات خلال الحرب العالمية الثانية، بنحو 97 حامِلة، تلتها البحرية البريطانية التي امتلكت 85 حامِلة، ثم البحرية اليابانية بـ24 حامِلة، و4 حامِلات للبحرية الألمانية، و3 حامِلات لكلٍّ من البحرية الإيطالية والبحرية الفرنسية، وحامِلتان للبحرية الهولندية، وحامِلة واحدة لكلٍ من رومانيا والسويد وكندا.

وكانت اليابان والولايات المتحدة الأميركية الدولتين الأكثر استخداماً لحامِلات الطائرات. وقد تناوبتا على إغراقها خلال معارك المحيط الهادئ، وخصوصاً معركة “ميدواي” ومعركة “خليج ليتي” في الفيليبين، التي تعدّ أكبر معركة بحرية في الحرب العالمية الثانية، وشاركت فيها 20 حامِلة طائرات من الجانبين.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تراجع دور حامِلات الطائرات في الحروب والنِزاعات العسكرية الدولية بشكلٍ تدريجيّ، لصالح القاذِفات الاستراتيجية والغوَّاصات النووية والصواريخ الباليستية ووسائل الردع النووي، لكن أهميّتها استمرَّت على المستوى العمليّاتي في ما يتعلَّق بالدعم البحري للقوات العامِلة في مسارح عمليات بعيدة.

وقد كانت الحرب الكورية والفييتنامية من أهم مسارح العمليات التي تمَّ فيها الاستخدام الفعَّال لحامِلات الطائرات، التي تحمَّلت 5 في المئة من إجمالي المجهود الجوي الأميركي في الحربين.

حقبة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي

عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، استمرَّ تراجُع دور هذا النوع من أنواع الأسلحة البحرية، إلى أن جاء غزو العراق في العام 2003، والذي نشرت خلاله البحرية الأميركية في الخليج 3 حامِلات للطائرات، وحامِلتين في البحر المتوسّط، من أجل تقديم المُسانَدة الجوية للقوات الغازية، عبر أكثر من 9 آلاف طلعة جوية، بعد إحجام عدَّة دول إقليمية عن السماح للطائرات الأميركية بالإقلاع من أراضيها. وبهذا، عاد الزُخم مرَّة أخرى إلى حامِلات الطائرات ودورها في الاستراتيجية العسكرية الحديثة.

هذا الزُخم تمَّت ترجمته خلال السنوات الماضية بلجوء الولايات المتحدة إلى حامِلة طائراتها “جورج بوش”، لتنفيذ القسم الأكبر من المجهود الجوّي للتحالف الدولي الذي تمَّ تشكيله لمُحارَبة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.

وقد شاركت حامِلة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” في هذا المجهود أيضاً، وكان لحامِلة الطائرات التابعة لأسطول الشمال الروسي “الأدميرال كوزنيتسوف” دور مهم خلال العام 2016 في دعم عمليات الجيش السوري.

البحرية الأميركية.. ريادة في حامِلات الطائرات

كانت الولايات المتحدة الأميركية رائِدة دوماً في مجال تصنيع حامِلات الطائرات وتشغيلها منذ تدشينها أول حامِلة طائرات في العالم في العام 1922. حالياً، تمتلك 10 حامِلات طائرات من فئة “نيميتز” عامِلة بالطاقة النووية، وتبلغ إزاحة كل منها 110 آلاف طن، تُضاف إليها حامِلة واحدة من الفئة الأحدَث “جيرالد فورد”.

وتُخطّط البحرية الأميركية لإدخال 4 حامِلات أخرى من الفئة نفسها إلى الخدمة خلال الفترة الممتدّة من العام الحالي وحتى العام 2034، أوشكت إحداها على إنهاء عمليّات الاختبار، لتدخل الخدمة هذا العام.

هذه الخطّة تشمل أيضاً إخراج عددٍ من الحامِلات من الخدمة، نظراً إلى تقادمها، فهناك مثلاً حامِلتان من فئة “نيمتز”؛ الأولى تمَّ تصنيعها من هذه الفئة، وسُمّيت “نيميتز”، والأخرى هي الحامِلة “دوايت أيزنهاور”. وقد تمَّ إدخالهما في الخدمة في مُنتصَف سبعينات القرن الماضي.

الاتحاد السوفياتي وإهمال حامِلات الطائرات

لم يسعَ الاتحاد السوفياتي بشكلٍ حثيثٍ لبناء أسطولٍ ضخمٍ من حامِلات الطائرات على عكس الولايات المتحدة، نظراً إلى أسبابٍ عديدة، منها تكاليف بنائها وصيانتها الباهِظة، ناهيك بأنَّ عقيدته العسكرية كانت تفضّل التركيز على بناء الطرّادات الضخمة المُزوَّدة بالصّواريخ المُضادّة للسفن.

لهذه الأسباب وغيرها، لم يكن لدى البحرية السوفياتية ولو حامِلة طائرات واحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وطوال تاريخها، وصولاً إلى العام 1991، حين امتلكت 6 حامِلات طائرات.

وفي الوقت الحالي، لا تمتلك البحرية الروسية سوى حامِلة واحدة هي “الأدميرال كوزينتسوف”. وحالياً، تدرس عرضاً لبناء حامِلة نووية ذات إزاحة تبلغ 100 ألف طن، من فئة “شتورم”، يتوقّع أن تدخل الخدمة بحلول العام 2030.

البحرية الصينية.. الهندسة العكسيّة لحامِلات الطائرات

تمتلك البحرية الصينية حالياً حامِلتي طائرات، إحداها تُسمَّى “لياوننج”، وكانت سابقاً ضمن البحرية السوفياتية، لكنها لم تدخل الخدمة بسبب سقوط الاتحاد السوفياتي، وباعتها أوكرانيا للصين عبر وسيط في أواخر التسعينات. وقامت البحرية الصينية حينها باستكمال بنائها وتثبيت المعدَّات عليها، لتُدخلها في الخدمة الفعلية في العام 2012.

وتُسمَّى الحامِلة الأخرى “شاودونغ”. وقد دخلت الخدمة الفعليَّة في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وتعمل الآن البحرية الصينية على بناء حامِلتين جديدتين، ضمن خطّة تستهدف الوصول إلى 10 حامِلات عامِلة في البحرية الصينية بحلول العام 2050.

إلى جانب الثلاثة الكِبار، تمتلك البحرية الهندية حامِلة طائرات واحدة، كانت تعمل في الأصل ضمن البحرية السوفياتية، واشترتها الهند من روسيا في العام 2004.

وتعمل الهند حالياً على صناعة حامِلة ثانية، ستكون جاهزة بعد عامين. وسبق لقائد البحرية الهندية أن صرَّح في أواخر العام الماضي بأن الرؤية الاستراتيجية لبلاده تقتضي وجود 3 حامِلات للطائرات ضمن ترسانتها البحرية، بحيث يتمّ نَشْر حامِلتين منهما بصفةٍ دائمةٍ في المحيط الهندي.

إضافةً إلى ما سبق، تمتلك فرنسا حامِلة طائرات واحدة هي “شارل ديغول”، التي دخلت الخدمة الفعلية في العام 2001. وتمتلك إيطاليا حامِلتي طائرات مُجهّزتين لتشغيل الطائرات ذات الإقلاع العمودي، وتمتلك إسبانيا حامِلة طائرات واحدة هي “خوان كارلوس”، التي دخلت الخدمة في العام 2001، بينما تمتلك بريطانيا حامِلتي طائرات مُخصَّصتين لطائرات الإقلاع العمودي، تبلغ إزاحتهما 65 ألف طن.

وستصبح تركيا أحدث الدول التي تمتلك حامِلات للطائرات، إذ أوشكت عمليات التجهيز التي تُجريها على حامِلتها الأولى “الأناضول” على الانتهاء، وهي حامِلة تنتمي في الأساس إلى فئة سفن الإنزال البرمائية، لكنَّها ستمتلك القُدرة على تشغيل الطائرات ذات الإقلاع العمودي.

البحث عن بدائل بسبب التكاليف المادية

لعلَّ من أهمّ عيوب حامِلات الطائرات حاجتها إلى ترتيباتٍ كبيرةٍ للحماية والتأمين، نظراً إلى حجمها الكبير، وذلك يستدعي وجود مجموعة سفن مواكِبة لها بشكلٍ دائمٍ تضمن الحراسة ومُكافحة الغوَّاصات، وسفن أخرى مُعاوِنة. تُضاف إلى ذلك التكاليف العالية لعمليات الصيانة الدورية والتحديث وإطالة مدّة الخدمة، ناهيك بتكاليف التصنيع والإنشاء.

وتتكبَّد البحريّة الأميركيّة عند تنفيذ الصيانة الدورية لأيٍّ من حامِلاتها للطائرات، مبلغاً يفوق 700 مليون دولار للحامِلة الواحدة. وتعدَّت تكاليف صناعة الجيل الجديد من حامِلات الطائرات الأميركية من فئة “جيرالد فورد” 13 مليار دولار.

لهذا السبب، بدأت مُعظم أسلحة البحرية العالمية تتوجَّه نحو بدائل أكثر ترشيداً للنفقات، وأكثر فعّالية تكتيكية، ومنها سفن الإنزال البحري، المزوَّدة بإمكانياتٍ لحمل المروحيات البحرية القتالية وتشغيلها. وقد انتشر هذا النوع من السفن الحامِلة للطائرات في عددٍ كبيرٍ من دول العالم، ومنها مصر والجزائر.

ومؤخّراً، تمّ الإعلان عن توقيع صفقة بلغت قيمتها 5 مليارات يورو بين قطر وإيطاليا، تحصل الدوحة بموجبها على غوَّاصات وسفن إنزال بحرية. وفي حال حدوث ذلك فعلياً، ستكون الدوحة ثالث دولة عربية تمتلك هذا النوع من السفن الحامِلة للمروحيات.

حاملات الطائرات ضحايا جائحة كورونا
من المفارقات اللافتة في ما يتعلق بحاملات الطائرات، أنها رغم ما تمثله من قوة ضاربة وشراسة، إلا انها لم تكن منيعة أبداً أمام جائحة كورونا. فقد ضربت هذه الجائحة بعنف حاملتي طائرات، الأولى هي حاملة الطائرات الأمريكية (ثيودور روزفلت)، التي تم تشخيص إصابة 585 بحار على متنها بهذه الجائحة، توفي أحدهم بعد وصول الحاملة إلى جزيرة (غوام)، التي تقرر أن تكون مقر مستشفى العزل الخاص بطاقم هذه الحاملة. الحاملة الثانية هي (شارل ديجول) التابعة للبحرية الفرنسية، والتي تم تسجيل إصابة 50 من بحارتها بهذه الجائحة أوائل الشهر الجاري، أثناء تحركها في المحيط الأطلسي، في طريق عودتها إلى الساحل الفرنسي.

جدير بالذكر أن حاملة طائرات أمريكية أخرى، وهي (نيميتز)، تم الإعلان منذ أيام على لسان الجنرال جون هيتين نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، عن وجود بعض الحالات المشتبه في إصابتها بالجائحة على متنها، وإن كان هذا لم يغير من خطط تحرك الحاملة خلال أيام من ميناء بريميرتون بالعاصمة واشنطن، في اتجاه المحيط الهادئ.

تاريخياً، لم يسبق أن ضرب وباء مماثل أية حاملة طائرات، عدا حادثة واحدة فقط، انتشر فيها مرض (الالتهاب الكبدي)، على متن حاملة الطائرات الأمريكية (ساراتوغا) عام 1977، أثناء تواجدها قبالة السواحل اللبنانية.

 

Check Also

القواعد الأمريكية في صالح من؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لو تأمّلنا في خارطة انتشار القواعد الأمريكية في آسيا الغربية وحدها، لأعطتنا فكرة حول من …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024