الأحد , 24 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

رسالة مفتوحة لقيس سعيّد

توجهت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات اليوم الثلاثاء 28 جويلية 2020 برسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل المبادرة إلى خارطة طريق ”ترفع التونسيات والتونسيين من براثن التجاذب بين قوى الرّدّة وتجسّد قيم الدستور وطموحات الثورة”، ومن أجل العمل على تحقيق طموحات التونسيات والتونسيين ”في جمهورية الحرية والمساواة بلا تمييز أو عنف أو إقصاء والذود عن الدولة المدنية وإعادة البوصلة نحو استكمال بناء الديمقراطية القائمة على الحقوق والحريات الكونية”.

وفي ما يلي النص الكامل للرسالة:

”السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية المحترم،

تتوجه إليكم مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بهذه الرسالة المفتوحة وأنتم وفق ما يقتضيه الدستور رئيس الدولة ورمز وحدتها وضامن استقلالها والسّاهر على احترام الدستور، لندعوكم للعب دوركم وتحمّل مسؤوليتكم في ضمان جمهورية مدنية، ديمقراطية، قائمة على المواطنة لكافة التونسيات والتونسيين دون تمييز أو إقصاء،

السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية المحترم، آن الأوان للمبادرة إلى خارطة طريق ترفع التونسيات والتونسيين من براثن التجاذب بين قوى الرّدّة وتجسّد قيم الدستور وطموحات الثورة،

وأنتم رمز وحدة الدولة التونسية وضامن استقلالها وسيادتها، نتوجّه إليكم اليوم وقد بلغ التّطاحن السياسي مداه فتقلّبت المؤسسات الدستورية وتنافرت وهانت السّلط العمومية واختلّ التوازن بينها تساقطت الحكومات لتعثّر عملها وعدم تجانس مكوّناتها بقيامها على المحاصصة الحزبيّة مقابل غياب الرؤى والبرامج ومواصلة انتهاج نفس المنوال التنموي الإقصائي والمفقر للنساء لما قبل الثورة ومزيد الارتهان لمراكز النفوذ المالي الخارجي ودوائر الاحتكار والفساد وعدم قدرتها على توفير الاستقرار السياسي والإيفاء بوعودها والاستجابة بالتالي لمطامح التونسيات والتونسيين في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم،

نتوجه إليكم وقد انفتح الصراع السياسي على كل الإمكانات بما فيها ما يمكن أن يهدّدَ وحدة البلاد ويهدّد السلم الأهلية في واقع أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة عمّقها وعرّى وجهها البشع وباء الكورونا فنزلت بثقلها على المفقّرات والمفقّرين والمهمّشات والمهمّشين بينما واصلت لوبيات الإحتكار والفساد سعيها المحموم لنهش مقدّرات البلاد وتكالب الكثيرون على التعيينات وانطلقت الحناجر تطالب المواطنات والمواطنين بمزيد التضحيات وتعالت الأصوات للتفريط في ما تبقى من أدوار الدولة الاجتماعية والانسحاب من المؤسسات العمومية، وتمهيدا لذلك تصاعد الهجوم على المنظمات الوطنية فيما يشبه أزمة 2012/2013، بعض تلك الحناجر لم يتوان أصحابها عن الدفع إلى تذييل تونس إلى محاور النفوذ الإقليمية والدولية في ضرب صارخ لاستقلال قرارها ولسيادة شعبها،

نتوجه إليكم وقد احتدمت الصراعات لتتخذ أبشع الأشكال خاصة تحت قبة البرلمان، تلك التي أُعلن في رحابها أن تونس جمهورية، هي اليوم مسرح للعنف والتهديد والوعيد والدعاء بالموت للأعداء واستدعاء الأمن لمعاينة المناكفات وفضّ الاعتصامات بينما التقت أطراف الصراع في الدفع نحو ترذيل الحياة السياسية وتنفير التونسيات والتونسيين من الشأن العام وتأجيل استحقاقاتهن/هم إلى ما لا نهاية بما يسهّل الاستثمار في الأزمة وهو ما يستدعي لعب دوركم الدستوري والمبادرة إلى جمع كل القوى الحيّة حول خارطة طريق واضحة القيم والأهداف والمسالك تركّز على منوال تنموي جديد يحقق العدالة والكرامة لكافة الفئات والجهات. خارطة طريق تنخرط فيها جميع القوى المدنية والسياسية :ما مُثّل منها صلب البرلمان وما كان دوما حصنا أمام الديكتاتورية والاستبداد، بما ينأى بالشعب التونسي عن الاستقطاب المفرغ من القيم والبرامج بين قوى الردّة ويعيد إليه الأمل في إمكانية استكمال البناء الديمقراطي الذي يستجيب لتطلّعاته في القطع مع منظومات التمييز والتجويع والتهميش والمحافظة على سيادة مقدّراته وقراره.

السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية المحترم، آن الأوان للاستجابة لطموحات التونسيات والتونسيين في جمهورية الحرية والمساواة بلا تمييز أو عنف أو إقصاء،

تتوجه إليكم مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بهذه الرسالة المفتوحة باعتباركم السّاهر على احترام الدستور، هذا الذي كتب بدماء الشهداء الطّاهرة الزكية بعد ثورة الحرية والكرامة وبعد اغتيالات سياسية كادت تفضي إلى تمزّق كيان الدولة لولا ذوْدِ القوى الوطنية، الديمقراطية، التقدمية عن ثورة الشعب وآماله. لقد انتصرنا للدستور الذي كرّس بلا ترتيب أو مواربة قيم الكرامة والمواطنة والمساواة بين النساء والرجال في كل الحقوق والحريات سواء المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية، أكانت تلك الحقوق والحريات فردية أو جماعية وهو الدستور الذي احتكمتم بكل اقتدار إليه اليوم لإدارة الخلاف السياسي، ولكننا ندعوكم للاحتكام إليه لا كأداة لتنظيم العلاقات بين المؤسسات والسلطات فحسب، وإنما خاصة كعقد بين الدولة والمواطنات والمواطنين.

لقد تابعنا كما تابع التونسيات والتونسيون ما سبق الحملة الانتخابية الرئاسية من تصريحات لكم قارعتم فيها المساواة بالعدل وناكفتم فيها مواطنة النساء بين الفضاء العام والفضاء الخاص ونازعتم فيها حق النساء في المساواة في الإرث ورفضتم فيها حقوق المثليين والمثليات فيما يشبه الاستدعاء لمنظومات تقليدية تنكر على النساء إنسانيتهن وحقوقهن الكونية غير القابلة للتجزئة. ثم رأيناكم يوم تسلّمكم العهدة تشدّدون على احترام حقوق النساء وتَعِدون بالعمل على تطويرها خاصة ما تعلّق منها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

كما على مرّ التاريخ، ذادَتِ التونسياتُ عن الشّعب والبلدِ في هبّةٍ مواطنيّةٍ عارمةٍ عندما أصابنا وباء الكوفيد، وفّرن الغذاء غير عابئات بخطر الجائحة، واسين المريض وراعين المسنّ، خُطن الكمّامات وأعددن العدّة. ذات النساء لاقين الجحود فغابت أسماؤهن في الترشيحات لرئاسة الحكومة ونخشى أن يتواصل ذلك في تركيبة الحكومة وبرامجها مثلما نخشاه في المؤسسات الدستورية في إنكار لمبدأ التناصف الذي أقرّه الدستور بعد أن ناضلنا من أجله وسنواصل المطالبة بتطبيقه.

ذات النساء، لاقين الجحود بتسريح عشرات الآلاف في صفوفهن من العمل، ولاقين الجحود بتواصل نقلهن غير الآمن للمزارع وتشغيلهن في ظروف قاسية ومهينة في العمل غير المهيكل وبتعنيفهن بأبشع الأشكال وفي كل المجالات.

بعد الضغط والتنديد والمطالبة بتفعيل القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، أقرّت الجهات الرسمية بارتفاع منسوب العنف ضدّ النساء وهي الآفة التي تُفنيهن وتَحجبُ دورهن في التّنمية وتعرقل وصولهنَّ لبقية الحقوق والحريات، غير انه لم نسمع منكم خطابا واحدا يوحّد التونسيات والتونسيين ضد العنف ولم نرَ منكم إجراءات تجعل مقاومة العنف ضد النساء، نصف المجتمع وأكثر، إحدى أولويات الأمن القومي ولم نجد منكم صدى لدستور 2014 الذي كلّف الدولة وأنتم رَمزُها باتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاومة العنف.

يَقتُل اليوم العنف النساء وما من مجيب، فهل أنّ الجمهورية لا تعبأُ بالدّماءِ النّازِفةِ يوميّا تحت عجلات شاحنات الموت، وهل أنّ الجمهورية لا تلتفتُ للبرلمانيات اللّواتي تُلحق بهن أقذعُ النّعوت في استعْداءٍ لأجسادهنَّ واستعمالٍ لمعطياتهن الشخصية وحياتهن الخاصّة وهل أن تسيير الجمهوريّة بات حكرا على الذّكور وهل أن الجمهورية لا تعبأ بأفقر فئاتها وهنّ على الإطلاق النساء؟

حماية لقيم الدستور والجمهورية، نطالبكم بإلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء ومواصلة درب التحديث في بلادنا بإحقاق المساواة بين الجنسين وبين الفئات والجهات في كل المجالات بما فيها مراجعة مجلة الأحوال الشخصية فيما أبقته من تمييز تعلّق بالمهر ورئاسة العائلة والحضانة والإرث وبما في ذلك تكريس التناصف في الحكومة وفي المؤسسات الدستورية. وحده القضاء على التمييز وتشريك النساء في الحياة العامة والسياسية يطوّر وضع النساء الاقتصادي والاجتماعي ويبطل العراقيل التي تحول دون مساواة تامة في المواطنة ومساهمة فعّالة في التنمية.

السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية المحترم، آن الأوان للذود عن الدولة المدنية وإعادة البوصلة نحو استكمال بناء الديمقراطية القائمة على الحقوق والحريات الكونية،

تتوجّه إليكم مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بهذه الرّسالة المفتوحة وأنتم السّاهر على احترام الدستور وقد تواترت تراجعاتٌ خطيرةٌ تمسّ وحدة الدولة ومدنيتها بين إحداث صندوق لابتزاز المواطنات والمواطنين باسم الدين وتحت مسمّى الزكاة وبين تنكّر لمجلة الأحوال الشخصية ومخالفة لها بمنع زواج المسلمة بغير المسلم وبين ملاحقة أمنية وقضائية للمدوّنين باسم حماية الأغلبية على حساب الأقلية في ضرب لأبسط مقوّمات الديمقراطية من ذلك الحكم بالسّجن على المدوّنة آمنة الشرقي مصادرةً للهزلِ والضّحكِ ومحاسبةً للضّمائر وبين استهداف أمني متواصل للمثليات والمثليين والزّج بهنّ/هم في السّجون، في وقت يرتعُ فيه اللّصوص والمتهربّون والمعتدون بالعنف أحرارَ طُلقاءَ. وعليه نطالبكم بتجسيد وحدة الدولة القائمة على الحرية كأصل وعلى المساواة في المواطنة وندعوكم إلى السّهر على احترام الفصل الثاني من الدستور وحماية تونس المدنية من التراجعات.

تهديدات كثيرة أيضا لحقوق خِلنا أن الثورة والدستور قد ضمِناها بلا رِجعةٍ ولعلّ أهمّها حريات التعبير والرأي والتظاهر فيما نشهده من ملاحقات قضائية لنشطاء الحراك الاجتماعي كما يحدث اليوم بدوار الهوايدية حيث يُطالِب المتساكنات والمتساكنون بالماء الذي جُعل منه كل شيء حيّا فيجدون أنفسهن/هم محلّ المتابعة قضائيّا. وليس يخفاكم أن مغني الراب مكرم الزروي يقبع في السّجن ما قبل الثورة وبعدها وليس يخفاكم أن المناضل فريد العليبي استهدف بالملاحقة الأمنية والقضائية وليس يخفاكم أن الكاتب السّاخر توفيق بن بريك يُزجّ في السجن فيما يذكّر بأعتى الديكتاتوريات التي تتشفّى من نخبها لتُحكِمَ السّيطرة على شعبها.

إن ما يحدث من استغلال للأمن والقضاء في ضرب الحقوق الإنسانية وتصفيةِ الحسابات السياسية وتعكير المناخ الاجتماعي يبعث على الخوف من التلاعب بالدستور والعبث بكل أسس البناء الديمقراطي خاصّة وأن ملفات كثيرة تعرقلُ كل مضيّ نحو السلم الأهلية لعلّ أوكدها كشف حقيقةِ من موّل وخطّط ونفّذ اغتيال الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي وسهّل تسفير بنات وأبناء تونس إلى المحرقة،

نشهد توظيف القضاء لتصفية الحسابات السياسية، وعدم قدرته على وقف نزيف الإفلات من العقاب في العنف والتهريب والتهرّب والإرهاب والفساد، بينما تتسلّل إلى السلطة التشريعية مشاريع ومقترحات قوانين تهدف لتحقيق مطامح بعض الأطراف في التّمكين السياسي في مؤسّسات الدولة والمؤسّسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية ومشاريع تروم تحقيق أحلام أطياف أخرى للعودة إلى الدولة القمعيّة تشريعا وممارسة ومنها مشاريع قوانين لضرب الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ولزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح ولتدجين العمل النقابي وضرب الاتحاد العام التونسي للشغل وغيرها وهو ما يقتضي منكم اليقظة التّامة والتعجيل إلى مبادرات تردّ الاعتبار لشهداء وجرحى الثورة بنشر القائمة النهائية وتكشف الحقيقة عن الاغتيالات السياسية وتعمل على تطهير القضاء من نزعات التوظيف السياسي والعمل السياسي من سطوة المال الفاسد كالمبادرة إلى تشريعات تستكمل البناء الديمقراطي والدستوري وتحصّن مكتسبات الثورة من حريات عامة وفرديّة لكافة المواطنات والمواطنين دون تمييز.

السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية المحترم،

تشهد تونس لحظة فارقة بعد الانخراط الشبابي الواسع خلال الانتخابات في إعادة الاعتبار للفعل المواطني والتشبّث الرّمزي بقيم الثورة التي تجُبُّ الفسادَ والاستبدادَ، إن هذه القيم والطموحات هي التي يمكن أن تعلو ولا يعلى عليها أيّا كانت الدّسائس السياسية ومهما ضغطت دوائر الرجعية، إنها القيم التي تمنح الشرعية والمشروعية، لكنّ شرط ذلك يتمثل في التمسّك بالعقد الاجتماعي والسياسي الذي خطّه التونسيات والتونسيون بدمائهن/هم ألا وهو الدستور فيما فتحه من آفاق الكونية لجمهورية تونسية، مدنية، ديمقراطية، اجتماعية لا مكان فيها للعنف أو التفقير أو الإقصاء ولكم في الدستور ما يمكّنكم من الدفاع عن نساءِ البلادِ وشبّانِها وقِواها الديمقراطيّة والتقدميّة فاستمسكوا به”.

شاهد أيضاً

لا خيار … سوى كسر ظهر “الفساد والمفسدين” !!.. بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

  لا يوجد بلد يكاد يخلو من الفساد السياسي أو الفساد في مؤسساته، إلا أن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024