تعتبر الجمهورية الإسلامية في إيران منعطف تاريخي مهم، قام على أرض الشرق الأوسط، ومع مرور 43عاما على قيام هذه الجمهورية جعل منها ضرورة من ضرورات تقويم نهج قام عليه هذا الشرق الذي تتلاقفه مفاهيم التبعية السياسية والاقتصادية ورهن الإرادة الشعبية وجعل مستقبل اجياله بيد اقطاعيات برجوازية نفعية متحالفة مع امبريالية تتبع نهج التطويع والتمكين عبر مسارها في الشرق الأوسط .
قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على اساس ونهج ثوري إسلامي، كان من ابرز عوامل الاستقطاب لطاقات الشعب الذي كون حركتها، على اعتبار أن الإسلام من الثوابت المسيرة لتاريخ الجمهورية في الحاضر والمستقبل، وفق منظومة مفاهيم اخلاقية اسلامية انسانية ،متخذة من ان الانسان المخلوق الاهم الذي تناط به عملية أعمار الارض وغايته الوصول إلى ملأ الارض قسطا وعدلا على يد الامام المهدي، واعتبار الاقتصاد أداة لا غاية .
إذن تكليفا انيط بحركة المجتمع الإيراني باختلاف تفرعاته وقوانينه المستند على الشريعة الإسلامية التي تنظم هذه الحركة، أعطى لايران إطارا ذو فاعلية متطورة ومتجددة من خلال تفاعله مع حركة الشعوب المستضعفة، وجمهورية تستند على حركة ذات ديمومة متطلعة للمستقبل من خلال ربط حركتها بمشروع الله على الارض، والوصول الى غاية قيام دولة الامام المهدي.
تقول المادة السادسة من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانيةالمعدل عام 1989《تدار شؤون البلاد في الجمهورية الإسلامية بالاعتماد على رأي الأمة الذي يتجسد بالانتخابات بما فيها انتخابات رئيس الجمهورية واعضاء مجلس الشورى الإسلامي….》
توافرت مجموعة من العوامل في الاسس التي قامت عليها الجمهورية الإسلاميةوهي: النهج الثوري الإسلامي، ونظام تشريعي سياسي إسلامي لإدارة الدولة، ومسؤولية جماعية على عاتق الشعب الإيراني للحفاظ على هذا النهج التشريعي الإسلامي.
يقول محمد باقر الصدر حول الصورة الإسلامية الكاملة في التشريع: 《الصورة الكاملة اسلاميا هي الصورة التشريعية التي تعطي اسلاميا في حالة مجتمع كامل يراد بناء وجوده على اساس الإسلام وإقامة اقتصاده وخلافته في الأرض على ضوء شريعة السماء》إذن بشكل عام تعتبر الصورة الإسلامية الكاملة تتوفر في إيران في إطارها الداخلي.
لكن اليوم إيران موجودة في عالم ونظام دولي يعتنق العولمة والنيوليبرالية ويرى لنفسه أنه أفضل نظام اجتماعي، يفرض على إيران حصارا اقتصاديا .
برزت لإيران من خلال تفاعلها مع الأنظمة العالمية الأخرى، التي تتخذ من الاقتصاد غاية، عوامل احتكاك من خلال المذهب الاقتصادي الرأسمالي، الغاية التي يتحرك بها معتنقي العولمة في النظام الرأسمالي، فكان خيارهم لغرض، وضع العراقيل أمام إكمال الصورة لمكانة إيران الإسلامية، اقليميا واسلاميا ودوليا هو تاخير إكمال هذه الصورة، وأحداث خلل في الوصول إلى العدالة الاجتماعية التي تقود إلى خلق التوازن الاجتماعي . لكن من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية ان الثورة قامت على أسس اسلامية ثابتة غير متغيرة ، متحركة في تشريعاتها وقوانينها ومتفاعلة بشمل عملي من خلال جوانب الدولة والمجتمع المختلفة. وأن الفكر المقابل هو من يملك أسس غير ثابته وبعض منها متحرك وبعض منها يضمحل وينتهي العمل به بعد أن يثبت فشله ،لذلك فإن الفكر المقابل عليه ان يجد من خلال هذه الزاوية هيكلية تناسبية في علاقته مع إيران الإسلامية.
وبما أن موضوع البحث يتداخل مع موضوع الانتخابات الايرانية ، ودور الشعب الإيراني فيها ؟
الشعب الإيراني بمختلف توجهاته سواء منه من كان اصلاحيا أو محافظ، كان موجودا في كل تفاصيل المعظلات القاسية التي مر بها الشرق الأوسط وخاصة في لتروي الرئيس الإيراني المحافظ أحمدي نجاد ، والرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني ، وكان -الشعب- حاضرا في كل التداعيات التي أثرت على إيران بحكم وجودها في هذا الشرق الأوسط المليء بالتوترات و الأجندات الدولية المختلفة ، وجغرافيته التي تتوسط قارات العالم . لذلك فإن الشعب الإيراني لامس وبشكل جدي كل الصعوبات الموجهة ضد إيران سواء منها على المستوى العسكري او الاقتصادي من قبل المجتمع الدولي.
الانتخابات الايرانية أصبحت في عام 2021 على درجة عالية من الأهمية داخليا وإقليمية وحتى دوليا ،بحكم الساحات المؤيدة لمنهج إيران الإسلامية ،ولتشعب مسؤولية ايران تحاه هذه الساحات من جهة ، ومسوليتها في إبعاد أنواع الانحراف عن نموذج الدولة الذي تقودة، المتمثل بالظلم وكفران النعم ، هذه النعم التي تعمل ايران على استثمار ها وكل ما حباها الله من طاقات وخيرات، لتخلق الابداع في مسيرتها نحو رفع كلمة الله .
استطاعت خلال عقدين من الزمن ان تحدث نموا في مختلف القطاعات وأحداث الاستقطاب الدولي للتعامل معها وفق المنهج الإسلامي، إلى ان وصلت إلى مراحل التفاوض حول الملف النووي ، كما وتعتبر من رموز إنجاح طريق الحرير الصيني ، والتفاوض وفق مبدأ رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني واعتبار القدس بوصلة مسيرتها، ورفع الظلم عن الشعب العراقي والسوري واليمني.
لذلك ليس مستغربا أن يترشح عن المحافظين كرئيس لقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لان المواطن الإيراني خلال سنوات حكم السيد حسن روحاني الذي ينتمي إلى الإصلاحيين، تعرض إلى العديد من الضغوطات من قبل المجتمع الدولي ، فالمواطن الإيراني موجود في العديد من القضايا والتحديات ، التي حاولت ثني إيران عن مسيرتها ، واتخذ الشعب مواقفه مسبقا .
أبرز هذه التحديات :
•الملف النووي الإيراني، ومن دون الدخول في تفاصيل الانفاق ، والنقاط الخلافية، توصل الفرد الإيراني ان انسحاب الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب كانت تريد تحقيق رضوخ إيران الضغوطات الأمريكية والدوليةالا ان هذا لم يحدث وإنما *الذي حدث أنه تم ا لتلاعب بمصداقية المجتمع الدولي من قبل دونالد ترامب ، وأدى إلى رفض،إيران بقاء العلم الأمريكي في قاعة الاجتماع الخاصة بالاتفاق النووي* .
•إشكالية داعش وقبلها القاعدة المتواجدة في دول المحيط الإيراني سواء في أفغانستان أو باكستان أو العراق، ولا ينسى المواطن الإيراني التهديد الذي تمثله هذه المنظمات لإيران. وخاصة عندما هددت داعش العراق ومن ثم سوريا، دخلت إيران عمليا كمستشارين لمساعدتهم في التصدي لعصابات داعش والنصرة وقدمت خيرة قادتها اللذين قدموا أرواحهم فداءا للاسلام ابرزهم القائد قاسم سليماني، وايضا واستشهاد العالم محسن فخري زادة بهجوم داخل إيران تبنته الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني ، ناهيك عن التحرشات الأمريكية في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز، وكيف خلصت الأمور في معظم تلك الملفات إلى إمساك قواعد الاشتباك لمعادلة الاعتداء والرد بالمثل لصالح إيران.
•وباء كورونا ، وما اكتنف العالم من جراء انتشار هذا الوباء، من أزمات متلاحقة ، سواء عجز النظام الصحي عن التصدي لهذه الأزمة الطارئة، أو عدم وجود خطط من قبل أنظمة الدول المختلفة لمثل هكذا أزمات، وتصاعد أضرار القطاعات الصحية من حيث الافتقار إلى المستلزمات الضرورية وخاصة أجهزة التنفس . كان الشعب الإيراني حاله حال كل شعوب العالم الأخرى، يعاني من انتشار هذا الوباء ، وكان ملتفا حول قيادته وحول بلده إيران عندما تعرضوا جميعهم لضغط الحصار الاقتصادي، وصعوبات توفير العلاج واستغلال المجتمع الدولي لهذه الأزمة، عندما رفض رفع الحصار عن إيران في عز انتشار الوباء. استطاعت إيران بعد عدة اشهر من عبور أزمة الوباء واستيعابها والسيطرة عليها ، إلى أن وصلت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المستلزمات الطبية وتصديرها أيضا، وانتقلت بابداعها إلى اكتشاف لقاح ضد الوباء.
إذن إلى وقت قريب ، كان يحيط بالفرد الإيراني كل هذه المشكلات، وكان في ظل حكومة إصلاحية، التي كان من الممكن لو ان المجتمع الدولي يظهر تعاونا في ظلها. المسؤولية الكبرى لدى الشعب الإيراني، هي أولوية استقلالية القرار الإيراني وديمومتها، ويرى هذا المواطن ان كل مسار تم توجيهه ضد إيران مستهدفا امنها وسلامة أهلها، كان يعتبره دافعا لاستيعاب الواقع الذي يحيط بإيران واستثماره وجعله عامل يصب لصالح بلده وحريتها . لذلك فمن منطلق المسؤولية الجماعية الملقاة على عاتق الشعب الإيراني، يتم المحافظة على استقلالية القرار الإيراني، وقوة قيادته التي تندفع نحو التفاعل مع دول العالم على قاعدة المساواة ورفض الظلم والاستغلال لآلام الشعوب المستضعفة.
رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس