لم يعد مستغربا أن يصدر أي شيء من أمريكا، مخالف لما أجمع عليه المجتمع الدولي، أو تنفرد بقرار أو تظهر بموقف شاذّ عن اجماع دولي، فكثرة مخالفاتها وتكرار تجاوزاتها، افردتها في مقام المستكبر الذي لا يتحرج في ارتكاب أي جرم وضد أي بلد، فلم يعد يثنيه عن تماديه فيما عزم عليه من شر شيء، بمستوى رداءة بلغه البيت الابيض الامريكي، لم يبلغه من قبل بهذا الحجم، وحري بهذا البيت الذي يراه الأمريكيون رمزا لنظامهم، أن يوصف بلون ينطبق على تجاوزات أصحابه، وجرائمهم – التي أصبحت بحاجة الى إحصاء – بحق الشعوب ودولها.
بعد أن تهجم ترامب على اسلافه اوباما وكلينتون، فاضحا سياستهم في تأسيس ودعم الارهاب الوهابي التكفيري- وهي خطوة لم يكن ليجرؤ عليها غيره – بالحمق الذي غلب عقله ورضي به الامريكيون، واعتبروه قادرا على قيادة بلادهم، لزيادة تكريس هيمنتها على دول وشعوب العالم، نراه اليوم يعطي أمره برفض التوقيع على مبادرة دولية، لمنع التطرف علىالانترنيت، بما يشمل أي شكل من اشكال الدعاية لفائدة الافكار المتطرفة وجماعاتها الارهابية، في تعبير آخر يزيد من ترجيح الدور الذي تلعبه السياسة الخارجية الامريكية، وقائد طاقمها بامبيو، المطلع على تفاصيل اسرار المخابرات المركزية الامريكية، وتاريخ جناياتها القديم والحديث، والرجل كما نعلم حديث العهد بالتخلي عن ادارتها، لفائدة منصبه الجديد في وزارة الخارجية .
التطابق الذي نشهده اليوم في عقلية الساسة الامريكان، مع ما افرزته تدخلاتهم في شؤون بلدان العالم، خصوصا تلك التي لهم مصلحة في زعزة استقراها وتقوية العملاء فيها، أو تلك التي يشكل وجودهم العسكري فيها، تفوقا استراتيجيا، يزيد من حظوظهم في السيطرة على دول قريبة منها، مستهدفة باسقاط انظمة حكمها، ليحل محلها من تعتبرهم اصدقاءها، بينما هم واقعا عملاء اكثر وقاحة من اسيادهم.
ومثلما تعمل القوات الامريكية في سوريا والعراق، على اطالة امد عمر الارهاب الغازي للبلدين، ولا شيء غيره من دعاوى مكافحة الاراهاب الذي تدعيه، تبدو من خلال تصرفها الاخير في وضع المتورط ،اولا في صناعة الارهاب، ومده بلوازم البقاء والاستمرار، وثانيا بتمكينه من عامل مهم، يتمثل في تقويته، وحشد الانصار له من مختلف انحاء العالم، وذلك بالسماح له في بث دعاياته ونشر افكاره الشاذة على شبكات التواصل والانترنيت، بلا مانع يحول بينه وبين التواصل مع خلاياه النائمة، وفتح باب مهم، في مد أنفاس استمرار وجود هؤلاء المفسدين في الارض باسم الدين، وهم أجهل الناس به.
حيال هذه السياسة الرعناء، بدات دول حرة من هذا العالم، الذي كثر فيه استعباد أمريكا لدوله، في اتخاذ اجراءات ومواقف معارضة، متحدية بعضها هذا التغوّل وإن قل عددها، السياسات الامريكية وقرارتها، في مؤشر جديد، يقوي لدينا الاعتقاد، بأن زمن القطب الواحد، والسيطرة على سياسات الدول الأخرى، والتحكم في مصيرها، قد بدأ ينجلي الى غير رجعة، ونزداد اطمئنانا بقرب حصول التغيير، نجاح مشروع المقاومة، الذي اسسته إيران بعد انتصار ثورتها، في مواجهة التمدد الصهيو امريكي، وافشال مشاريعه في المنطقة.
المواقف الامريكية المعلنة والمتّخذة ضد النظام الاسلامي، منذ انتصار ثورتها، كانت جميعها ردود أفعال قامت بها، حفظا لماء وجه ساستها، من الخيبات التي جنوها، منذ أن قطع الإمام الخميني والشعب الايراني يدها استغلالهم من إيران، ومنذ ذلك التاريخ وإيران صامدة في مواجهة العقوبات، بل واظهرت قدرة غير مسبوقة على تجاوزها، جعلتها تقابل تلك الاجراءات بتحدّ كبير، أظهرت فيه القيادة الاسلامية كفاءة جديرة بالتنويه والاشادة، فإيران اليوم تنعم بالإنجازات العسكرية والمدنية والعلمية المتعددة، التي تؤهّلها لتكون دولة من بين كوكبة الكبار في العالم، وقدراتها في استقرار اداء نظامها وفرض نفسها كقوّة، يحسب لها الأعداء ومنهم أمريكا والكيان الصهيوني ألف حساب، بدأت علاماته تتجلّى، من خلال الارتباك الحاصل في أداء الرئيس الامريكي ترامب حيال ايران، من حيث تردده الواضح في مواقفه، فهو من ناحية يقدم على اجراءات استفزازية، يستشفّ منها عزمه على محاربتها، ومن ناحية أخرى يريد التفاوض معها، مع علمه الذي لا يخالطه شك، في انه لا يوجد باب للتفاوض مع الايرانيين، بل ان عقيدتهم تمنعهم من ذلك.
إنّ المتأمّل لخارطة تواجد القوات الأمريكية في قواعد بدول الجوار الإيراني، يستطيع أن يخرج بمحصّل قناعة، أن ذلك التواجد العسكري الكثيف، اقيم لمحاصرة إيران عسكريا، وتحضير تلك القوات لأي اعتداء محتمل عليها، وقد أحسنت القيادة الايرانية قراءة مخططات امريكا، فاستعدت عسكريا كما يجب أن يكون الاستعداد، وبعض رسائلها الصاروخية التي اطلقها الحرس الثوري الايراني، فهم منها الامريكيون والصهاينة وحلفاؤهم من الاعراب، أنّ إيران قوة ليست بالهينة، حتى ينفذ المعتدي عليها بجلده مهما كانت قوته، بإثبات دقّتها في اصابة اهدافها، تبدو القواعد الامريكية بما فيها، وحلفاؤها المحتمون بها، صيدا سهلا على الضربات الصاروخية المحتملة ضد أعدائها أينما وجدوا.
إيران حوربت وتحارب من طرف الحلف الأمريكي الصهيوني المعادي لها، من أجل زحزحتها عن مبادئها المعلنة منذ انتصار ثورتها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تعتبرها مفتاح كل ما وراءها من القضايا الاسلامية التي يهدف النظام الاسلامي في ايران الى تحقيقها، وقد نجح في تشكيل جبهة مقاومة للمشروع الصهيو أمريكي، كبرت واشدّ عودها، بحيث اصبحت اليوم تشكل عائقا قويّا، يحول دون تمرير صفقة القرن، التي تريد أمريكا فرضها على الدول المعنية بالقضية الفلسطينية، وباعتبار أن الرأس المحرك لهذه الجبهة المباركة هي ايران، فان التوجّه الأمريكي الأخير يقضي ببث حالة من التوتّر والترقب في داخل ايران، واشغالها عن مواصلة تحقيق أهدافها الاسلامية، بحصر قواها في داخل ايران، وبالتالي قطع الامدادات العسكرية عن عناصر مقاومتها المتواجدة حول فلسطين وداخلها، دون أن انسى حركة انصار الله اليمنية، التي اثبتت بعد مرور اربع سنوات من الحرب عليها، انها عصيّة على تحالف أعراب الخليج، الذي تزوده دول الغرب وامريكا بالأسلحة والتقنيات المتطورة والمعلومات دون جدوى.
أمريكا التي اعلن الامام الخامنئي أخيرا، أنها غير قادرة على خوض حرب ضد ايران بمفردها، باعتبارها تمرّ هذه الفترة بزمن رداءة لم تعرفه من قبل، في مؤشر انحدار حظوظها، في السيطرة على العالم، والذي سيصل الى الصفر، لو اقدمت على ارتكاب حماقة ضد ايران، وما خفي كان اعظم.