ما بين إتفاقيات السلام المزعوم وإتفاقيات الذل والتطبيع المجاني , هناك من يصرّ على استمرار مسلسل الهزائم الذاتية وتقديمها كهدايا مجانية للعدو الإسرائيلي …
فقد كانت مصر أولى الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب , ووقعت معها معاهدة سلام عام 1979 وانخرطت معها في تعاون تجاري كبير ، تبعتها المملكة الأردنية بتوقيعها إتفاقية مماثلة عام 1994 , وخلال العقدين الماضيين كثرت الأحاديث والمؤشرات عن علاقاتٍ سرية جمعت عديد الأنظمة العربية والكيان الإسرائيلي , لكن العام 2020 جاء ليدحض الشكوك والإتهامات بالحقائق , وما كان مستوراً ظهر إلى العلن , إذ أقامت أربع دول عربية – الإمارات والبحرين والمغرب والسودان – علاقات اقتصادية ودبلوماسية كاملة مع ذات الكيان , والذي بدوره لم يتوقف عن إطلاق تأكيداته بوجود عرب اّخرون ممن يطرقون الباب.
ففي 15 أيلول 2020 ، وقع وزيرا الخارجية الإماراتي والبحريني معاهدتي سلام بين بلديهما و”إسرائيل” , ومع حلول العام 2021 تم افتتاح السفارة الإسرائيلية في أبو ظبي ، تبعتها البحرين في نهاية شهر اّذار بتعيين سفيرها في “إسرائيل” , ولا يبدو موعد افتتاح سفارتي “إسرائيل” في المغرب والسودان بعيداً .
ومن اللافت أن يصدر عن الخارجية الأمريكية بالأمس , في خضم العدوان الإسرائيلي الغاشم على المقدسات والمقدسيين , كلامٌ صريح وواضح : “سنواصل دعم اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب” , ولم تخف الخارجية الأمريكية قباحتها بإعلان دعمها للإحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني والعربي ودول التطبيع بقولها : “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها” … ويبقى السؤال أين اختفى السلام المزعوم ووعود إلإزدهار التي روج لها المطبعون ؟.
وعلى الرغم أجواء التصعيد العسكري الإسرائيلي على خلفية إقتحام ساحة المسجد الأقصى , ومحاولات التهجير القسري التعسفي لأهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة , ورغم صواريخ المقاومة الفلسطينية , واستهداف المستوطنات وعدد من القواعد العسكرية الإسرائيلية والمركبات والاّليات العسكرية , ورغم هذا المشهد الخطير والساخن , وضبابية التوقعات حول ما يمكن أن يحصل خلال الساعات والأيام القادمة , ووسط وعيد المجرم نتنياهو بتوسيع الرد الشديد والقوي , ووسط إحتمالية كبيرة لإنطلاق الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة .. وجدت وزارة الخارجية الأمريكية الفرصة مناسبة للحديث عن دعم المزيد من التطبيع ! , هل تبدو الخارجية الأمريكية تستعجل الحديث عن التطبيع في محاولة لإستباق الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة المحتملة ؟.
وعلى الرغم من إتفاقيات الإستسلام والتطبيع ومشاهد افتتاح السفارات والزيارات , إلاّ أن الشعوب العربية لا زالت ترنو نحو تحرير فلسطين العربية , ودعم المقاومة الفلسطينية والحقوق العربية , هذه الشعوب التي لم تفوت مناسبة للتظاهر ضد التطبيع وضد إتفاقيات العار والخذلان , وهذا ما يمنح الأمل والثقة بالنصر ولو بعد حين.
ومع كل الوهن والصعف وحالة الإنقسام والشرذمة التي نجح الأعداء في زراعتها في صفوف الأمة , إلاّ أن المتغيرات الإعلامية وسقوط الرواية الإسرائيلية وإنكشاف حقيقة الكيان العنصري الإرهابي الإستيطاني التوسعي الغاصب , أمام غالبية دول وشعوب العالم , ناهيك عن تنامي قدرات محور المقاومة , والتي أصبحت رقماً صعباً في وجه المد الصهيو – أمريكي في المنطقة …
ولا بد لزعماء الشر والإرهاب في البيت الأبيض وتل أبيب , مراقبة الدور والقدرات العسكرية الإيرانية القوية , ومتانة الوضع الدولي لطهران وعلاقاتها الإستراتيجية مع كل من موسكو وبكين وغير دول … ولا يمكن تجاهل قوة وثبات الدعم الإيراني اللا محدود للفلسطينيين والحقوق والمقدسات , ولكافة فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى كامل مساحة فلسطين المحتلة , كذلك دعمها الكبير للمقاومة اللبنانية , ووقوفها مع سوريا جنباً إلى جنب في مواجهة الحرب الصهيو – أمريكية , بالإضافة إلى الإنتصار الذي حققه الجيش العربي السوري , واستعادة الدولة السورية الشيء الكثير من قدراتها العسكرية , التي كانت ولا زالت تدب الرعب في قلوب العدو الإسرائيلي ومستوطنيه .. في حين سبق للقوات الأمريكية أن اختبرت جبنها وضعفها في العراق , أمام رباطة جأش وبسالة أحزاب وفصائل المقاومة العراقية , ولمست قوتهم إصرارهم على طرد الإحتلال , وضرب اليد الأمريكية وأذرعها الإسرائيلية.
بالتأكيد لدى الإدارة الأمريكية وربيبتها “إسرائيل” أجندات وملفات صعبة , كافية وكفيلة لإصابتهم بالقلق والذعر , وباتت مشاريعهم و”هيبتهم” ووجودهم على الأراضي العربية المحتلة على المحك .
من المؤسف أن يهزأ المطبعون بأنفسهم , وهم يروجون للتطبيع على أنه سيحمل السلام والاستقرار والازدهار للمنطقة ولدول التطبيع , في وقتٍ تبدو دولهم تزلق بسرعة في أتون المخططات الصهيو- أمريكية , وأن سلامهم المزعوم لم يجلب لهم سوى المزيد من العار ومناسبات إجبارية فُرضت عليهم كفعاليات إحياء ذكرى ضحايا “الهولوكوست”.
شيئاً فشيئاً يتأكد الشارع العربي بما يسبق حكوماته , بأن السلام مع العدو الإسرائيلي هو وهم كبير , وأنه لا توجد هناك حلول عادلة ومنصفة , وأنها معركة خاسر ورابح , ومعركة وجود , لا يملك العرب سوى خياراً وحيداً هو الإنتصار.